(٧٤١) هل تقولون بتحريف القرآن من خلال منشوركم هذا؟!
في رواية في كتاب المحجة نص الرواية هو: ...قال قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام: يا مفضل، كيف يقرأ أهل العراق هذه الآية؟ (قلت: يا سيدي وأي آية؟ قال: قول الله تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها﴾، (فقلت: يا سيدي كيف كذا تقرأ فكيف تقرأ فقال) (ويعلمون أنه الحق، فقلت يقرأون): ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾، فقال: ويحك أتدري ما هي؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم.
فقال: ما هي والله إلاّ قيام القائم (عليه السلام) فكيف يستعجل به من لا يؤمن به والله ما يستعجل به إلاّ المؤمنون، ولكنهم حرفوها حسداً لكم، فاعلم ذلك يا مفضل.
سؤالنا هو: هذه الرواية منشورة في موقعكم وفي صفحاتكم على الانترنت، وأنتم مركز تخصصي كما تقولون، وتقولون إن القرآن الكريم محرَّف وأعظم علماء الامامية يرفضون تحريف القرآن الكريم.
فهل أنتم لهذا منتبهون؟
ولخطورته واعون؟
أوليس القول بتحريف القرآن الكريم بزيادة ألفاظ أو كلمات أو جمل أو آيات هو ضرب الأساس في الدين؟
يرجى توضيح ذلك؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أجمعت الطائفة الشيعية بعلمائها وأفذاذها على أن القرآن ليس محرفاً، وأن ما هو موجود بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يزد عليه شيء ولم ينقص منه شيء.
وأما مثل هذه الرواية فالجواب عنها هو التالي:
إن الإمام (عليه السلام) في مقام بيان المقصود من تنزيل الآية وتفسيرها بالتفسير الواقعي، وليس المقصود هو التحريف الحقيقي، بل المقصود أنهم حرفوها معنوياً، أي إنهم غيروا من المعنى، فالإمام وفي مقام بيان المعنى الواقعي للآية ذكر أن قراءتها كذا، وإنما يقصد أن معناها هو ما ذكره في الرواية.
وحتى تتضح حقيقة الحال في الروايات التي يظهر منها التحريف، ننقل لكم ما ذكره الشيخ جعفر سبحاني في مقدمته على كتاب (موسوعة طبقات الفقهاء)، حيث قال ما نصه:
روايات التحريف في كتب الحديث وقد جمعها المحدّث النوري في كتابه: فصل الخطاب في تحريف الكتاب، والاستدلال بهذه الروايات موهون من جهات:
الأُولى: أنّها ليست متواترة، وليست الكثرة آية التواتر إلاّ إذا اشتركت في أحد المداليل الثلاثة من المطابقة، والتضمّن، والالتزام، وهذه الروايات فاقدة لهذه الجهة، ولا تهدف إلى جهة خاصة، فتارة ناظرة إلى بيان تنزيلها، وأُخرى إلى بيان تأويلها، وثالثة إلى بيان قراءتها، ورابعة إلى تفسيرها، هذا هو الكثير، فحسب البعض انّه جزء من الآية، مثلاً قال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ الله كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾، رواه في (الكافي) أنّه قال: وإن تلووا (الأمر) أو تعرضوا (عمّا أُمرتم به).
روى علي بن إبراهيم بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وقرأت عند أبي عبد الله (عليه السلام): ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): خير أُمّة تقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي (عليهم السلام)؟! فقال القارئ: جعلت فداك كيف؟ قال: نزلت ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أئمَّة أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ ألا ترى مدح الله لهم ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِالله﴾.
والاستدلال دلّ على أنّ المراد ليس كلّ الأُمّة بل بعضها بشهادة قوله سبحانه: ﴿ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾، وأراد الإمام تنبيه القارئ على أن لا يغتر بإطلاق الآية، بل يتدبّر ويقف على مصاديقها الواقعية، وانّ خير الأُمّة هم الأئمّة وهم الأُسوة، وأولياء الدين، والمخلصون من العلماء الأتقياء، لا كلّ الأُمّة بشهادة أنّ كثيراً منهم ارتكبوا أعمالاً إجرامية مشهودة.
ويقرب من ذلك قوله سبحانه: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. فإنّ ظاهر الآية أنّ كلّ الأُمّة: هم الأُمّة الوسطى، والشعب الأمثل، مع أنّا نجد بين الأُمّة من لا تقبل شهادته على باقة بقل في الدنيا، فكيف تقبل شهادته في الآخرة على سائر الأُمم؟! وهذا يهدينا إلى أن نتأمل في الآية، ونقف على أنّ الاسناد إلى الكل مجاز بعلاقة كونها راجعة إلى أصفياء الأُمّة وكامليها.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في هذا الشأن: فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية، جميع أهل القبلة من الموحّدين، أفترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر، يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة الأُمم الماضية؟! كلا: لم يعن الله مثل هذا من خلقه.
وأنت إذا تدبّرت كتاب (فصل الخطاب) الذي جمع هذه الروايات، تقف على أنّ الأكثر فالأكثر من قبيل التفسير.
مثلاً روى العياشي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (نزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعرفات يوم الجمعة فقال له: يا محمد إنّ الله يقرؤك السلام، ويقول لك: (اَلْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ - بولاية علي بن أبي طالب - وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً) فلا شكّ أنّه بيان لسبب إكمال الدين وإتمام النعمة لا أنّه جزء من القرآن.
مع أنّ قسماً كبيراً منها يرجع إلى الاختلاف في القراءة المنقولة أما من الأئمّة بالآحاد لا بالتواتر، فلا حجية فيها أوّلاً ولا مساس لها بالتحريف ثانياً، أو من غيرهم من القرّاء وقد أخذ قراءتهم المختلفة من مجمع البيان وهو أخذها من كتب أهل السنّة في القراءة، وكلّها مراسيل أوّلاً، والاختلاف في القراءة، غير التحريف ثانياً، لما عرفت من أنّها على وجه، غير موصولة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى فرض صحة النسبة، لا صلة لها بالقرآن.
وهناك روايات ناظرة إلى تأويلها وبيان مصاديقها الواقعية، وهي أيضاً كثيرة، أو ناظرة إلى بيان شأن نزولها، إلى غير ذلك وبعد إخراج هذه الأقسام، تبقى روايات آحاد لا تفيد العلم ولا العمل.
الثانية: أنّ أكثر هذه الروايات التي يبلغ عددها 1122 حديث منقول من كتب ثلاثة:
1) كتاب (القراءات) لأحمد بن محمد السياري (المتوفّى 286 ه)، الذي اتّفق الرجاليون على فساد مذهبه.
قال الشيخ: أحمد بن محمد السياري الكاتب كان من كتاب آل طاهر، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية، كثير المراسيل.
2) كتاب علي بن أحمد الكوفي (المتوفّى 352 ه) الذي نص الرجاليون بأنّه كذّاب مبطل.
قال النجاشي: رجل من أهل الكوفة كان يقول: إنّه من آل أبي طالب، وغلا في آخر أمره وفسد مذهبه وصنّف كتباً كثيرة، أكثرها على الفساد، ثمّ يقول: هذا الرجل، تدّعي له الغلاة منازل عظيمة.
3) كتاب (تفسير القمي) الذي أوضحنا حاله في محلّه، وقلنا: إنّه ليس للقمي، بل قسم منه من إملاءاته على تلميذه أبي الفضل العباس بن محمد بن العلوي، وقسم منه مأخوذ من تفسير أبي الجارود، ضمه إليها تلميذه، وهو من المجاهيل، لأنّ العباس بن محمد غير معنون في الكتب الرجالية فهو مجهول، كما أنّ الراوي عنه في أوّل الكتاب يقول: حدّثني أبو الفضل بن العباس، مجهول أيضاً، وأسوأ حالاً منهما أبو الجارود المعروف ب (زياد المنذر) فهو زيدي بتري وردت الرواية في ذمّه في رجال الكشي، أفيمكن الاعتماد على روايات هذا الكتاب؟!
وقس على ذلك، سائر مصادره ومنابعه التي لا يعبأ بها ولا يعتمد عليها.
الثالثة: انّ هذه الروايات معارضة بأكثر منها وأوضح مثل حديث الثقلين وأخبار العرض وما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا التبست عليكم الفتن فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع، وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)، وما في النهج حول القرآن من كلمات بديعة لا تصدر إلاّ من سيد البشر أو وصيه، وعند التعارض يؤخذ بالموافق لكتابه والمطابق للذكر الحكيم، وهي الطائفة الثانية.
وقال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ج12 ص 107 – 108 ما نصه:
ويدل على عدم وقوع التحريف الأخبار الكثيرة المروية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من طرق الفريقين الآمرة بالرجوع إلى القرآن عند الفتن وفي حل عقد المشكلات.
وكذا حديث الثقلين المتواتر من طرق الفريقين: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا. فلا معنى للأمر بالتمسك بكتاب محرف ونفى الضلال ابدا ممن تمسك به.
وكذا الأخبار الكثيرة الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وما ذكره بعضهم ان ذلك في الأخبار الفقهية، ومن الجائز أن نلتزم بعدم وقوع التحريف في خصوص آيات الاحكام ولا ينفع ذلك سائر الآيات مدفوع بان اخبار العرض مطلقة فتخصيصها بذلك تخصيص من غير مخصص.
على إن لسان اخبار العرض كالصريح أو هو صريح في أن الأمر بالعرض انما هو لتمييز الصدق من الكذب والحق من الباطل ومن المعلوم ان الدس والوضع غير مقصورين في اخبار الفقه بل الدواعي إلى الدس والوضع في المعارف الاعتقادية وقصص الأنبياء والأمم الماضين وأوصاف المبدأ والمعاد أكثر وأوفر ويؤيد ذلك ما بأيدينا من الإسرائيليات وما يحذو حذوها مما أمر الجعل فيها أوضح وأبين.
وكذا الأخبار التي تتضمن تمسك أئمة أهل البيت )عليهم السلام( بمختلف الآيات القرآنية في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات بالتحريف وهذا أحسن شاهد على أن المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم )عليهم السلام( كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل.
وكذا الروايات الواردة عن أمير المؤمنين وسائر الأئمة من ذريته )عليهم السلام( في إن ما بأيدي الناس قرآن نازل من عند الله سبحانه وان كان غير ما الفه علي )عليه السلام( من المصحف ولم يشركوه )عليه السلام( في التأليف في زمن أبي بكر ولا في زمن عثمان، ومن هذا الباب قولهم (عليهم السلام) لشيعتهم: اقرؤوا كما قرأ الناس.
ومقتضى هذه الروايات ان لو كان القرآن الدائر بين الناس مخالفا لما الفه علي )عليه السلام( في شيء فإنما يخالفه في ترتيب السور أو في ترتيب بعض الآيات التي لا يؤثر اختلال ترتيبها في مدلولها شيئا ولا في الأوصاف التي وصف الله سبحانه بها القرآن النازل من عنده ما يختل به آثارها.
فمجموع هذه الروايات على اختلاف أصنافها يدل دلالة قاطعة على أن الذي بأيدينا من القرآن هو القرآن النازل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير أن يفقد شيئا من أوصافه الكريمة وآثارها وبركاتها.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: كاظم الأزرقي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)