ارسل سؤالك المهدوي:
متفرقة

(٧٩٩) أين ولادة السيدة نرجس (عليها السلام)؟

توجد روايتان قد تكونان مختلفتين في المضمون:
الأولى: إن ولادة السيدة نرجس (عليها السلام) في بيت السيدة حكيمة، أو كانت عندها جارية.
الثانية: إن ولادتها (عليها السلام) في أرض الروم وهي نصرانية ثم سبيت في إحدى المعارك واشتراها الإمام الهادي وزوجها للعسكري (عليهما السلام).
فأيهما محط التحقيق بنظر المركز؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الأقوال فيما يتعلق بولادة أُم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هي التالي:
القول الأول: ما دل على أنها سبية من بلاد الروم، وبالتالي تكون قد ولدت هناك.
ويدل عليه:
1- رواية بشر بن سليمان النخاس.
وهي الرواية الطويلة المعروفة التي أرسل فيها الإمام الهادي (عليه السلام) أحد أصحابه (واسمه بشر بن سليمان النخاس) لشراء جارية بمواصفات خاصة. (الغيبة للشيخ الطوسي: ص208، ح178؛ وروضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص253؛ ودلائل الإمامة للطبري الشيعي: ص492؛ وغيرها من المصادر).
2- رواية بشر بن سليمان الثانية والتي رواها الشيخ الصدوق في كمال الدين: ص418، ب41، ح1: وجاء فيه أن بشر نقل نفس الحادثة السابقة.
3- ما روي بأنه (عجّل الله فرجه) ابن سبيَّة، ومنها ما روي عن أبي الصباح، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: ما وراءك؟ فقلت: سرور من عمك زيد، خرج يزعم أنه ابن سبيَّة، وهو قائم هذه الأُمّة، وأنه ابن خيرة الإماء. فقال: كذب، ليس هو كما قال، إن خرج قتل. [الغيبة للنعماني ص234، باب 13، ح10].
فإن هذه الرواية تكشف بأن المرتكز في أذهان الرواة آنذاك هو أن المهدي ابن سبيَّة، ولذلك أرادوا تطبيق هذا المعنى على زيد بن علي، وبالتالي تأييد ادِّعاء أنه هو المهدي، والإمام الصادق (عليه السلام) لم ينفِ هذا المعنى، وإنما نفى مهدوية زيد بن علي من جهة أنه سيُقتل لو خرج، والمهدي لو خرج لا يُقتل، بل سينتصر.
4- عن يزيد بن أبي حازم، قال: خرجت من الكوفة، فلما قدمت المدينة دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فسلمت عليه، فسألني: هل صاحبك أحد؟ فقلت: نعم. فقال: أكنتم تتكلمون؟ قلت: نعم، صحبني رجل من المغيرية. قال: فما كان يقول؟ قلت: كان يزعم أن محمد بن عبد الله بن الحسن هو القائم، والدليل على ذلك أن اسمه اسم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) واسم أبيه اسم أبي النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقلت له في الجواب: إن كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين (عليه السلام) محمد بن عبد الله بن علي، فقال لي: إن هذا ابن أَمَة يعني محمد بن عبد الله بن علي، وهذا ابن مهيرة يعني محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): فما رددت عليه؟ فقلت: ما كان عندي شيء أرد عليه. فقال لي: أَوَلَم تعلموا أنه ابن سبية - يعني القائم (عليه السلام) -؟ [الغيبة للنعماني: ص235، ب13، ح12].
وهذا هو الرأي المعروف والمشهور. راجع: (ثاقب المناقب: ص254، والصراط المستقيم: ج2، ص234، وإثبات الهداة: ج3، ص668، وتبصرة الولي: ص764، والبحار: ج51، ص5).
تنبيه:
نقل صاحب البحار عدة روايات وصفت الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بأنه ابن ستة، ولكن بحسب التحقيق لم ترد كلمة (ستة) في المصدر الأم، وإنما (سبية)، ومعه، فتدل هي أيضاً على هذا القول الأول.
وتلك الروايات هي:
أ- عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) أو أبو عبد الله (عليه السلام) - الشكُّ من ابن عصام -: يا أبا محمّد بالقائم علامتان: شامة في رأسه، وداء الحزاز برأسه، وشامة بين كتفيه، من جانبه الأيسر تحت كتفيه ورقة مثل ورقة الآس، ابن ستَّة، وابن خيرة الإماء [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص41، ح22]
ولكن في غيبة النعماني –وهو المصدر الذي نقل عنه البحار هذه الرواية- لم يرد (ابن ستة، وابن خيرة الإماء). بل (ابن سبية) [الغيبة للنعماني/ ص224، ب13، ح5]
ب- عن أبي الصباح، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال: ما ورائك؟، فقلت: سرور من عمِّك زيد خرج يزعم أنَّه ابن ستَّة وأنَّه قائم هذه الأُمَّة وأنَّه ابن خيرة الإماء، فقال: كذب ليس هو كما قال إنْ خرج قتل. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص42، ح25]
وهذه الرواية هي نفسها التي نقلناها قبل قليل عن غيبة النعماني، ولم يرد فيها (ابن ستة) وإنما (ابن سبية). [الغيبة للنعماني: ص234، ب13، ح10]
ج- عن يزيد بن حازم، قال: خرجت من الكوفة، فلمَّا قَدِمْتُ المدينة دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فسلَّمت عليه، فسألني: هل صاحبك أحد؟، فقلت: نعم، صحبني رجل من المعتزلة، قال: فيما كان يقول؟، قلت: كان يزعم محمّد بن عبد الله بن الحسن يُرجى هو القائم، والدليل على ذلك أنَّ اسمه اسم النبيِّ واسم أبيه اسم أبي النبيِّ، فقلت له في الجواب: إنْ كنت تأخذ بالأسماء فهو ذا في ولد الحسين محمّد بن عبد الله بن عليٍّ، فقال لي: إنَّ هذا ابن أَمَة يعني محمّد بن عبد الله بن عليٍّ، وهذا ابن مهيرة يعني محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن. فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): فما رددت عليه؟، قلت: ما كان عندي شيء أردّ عليه، فقال: لو تعلمون أنَّه ابن ستَّة، يعني القائم (عليه السلام) [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص42، ح26]
ولكن في غيبة النعماني – وهو المصدر الذي نقل عنه البحار هذه الرواية- ورد: أولم تعلموا أنه ابن سبية. [الغيبة للنعماني: ص235، ب13، ح12]
القول الثاني: أنها وُلدت في بيت السيدة حكيمة عمة الإمام العسكري (عليه السلام):
لعل أول من قال بهذا القول هو علي بن الحسين المسعودي صاحب مروج الذهب في كتابه إثبات الوصية، حيث قال ما نصه: روى لنا الثقات من مشايخنا ان بعض أخوات أبي الحسن (عليه السلام) علي بن محمد (عليه السلام) كانت لها جارية ولدت في بيتها وربّتها تسمّى نرجس فلما كبرت وعبلت دخل أبو محمّد (عليه السلام) فنظر إليها فأعجبته. فقالت عمّته: أراك تنظر إليها؟ فقال (عليه السلام): إني ما نظرت إليها إلّا متعجبا! أما ان المولود الكريم على الله (جلَّ وعلا) يكون منها. ثم أمرها ان تستأذن أبا الحسن في دفعها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك. [إثبات الوصية للمسعودي: ص257، ونقله عنه أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين: ج2، ص46]
وممن ذهب إلى هذا القول هو حسين عبد الوهاب (من علماء القرن الخامس) في كتابه عيون المعجزات ص127، حيث ذكر نفس نص المسعودي.
ولكن يُمكن النقاش في هذا القول بالتالي:
إن الشيخ الطوسي في غيبته قد روى نفس ألفاظ هذه الرواية، لكن من دون ذكر كون أم الإمام المهدي (عليه السلام) قد وُلدت في بيت السيدة حكيمة، حيث رواها بما نصُّه: وروي أن بعض أخوات أبي الحسن (عليه السلام) كانت لها جارية ربّتها تسمى نرجس، فلما كبرت دخل أبو محمد (عليه السلام) فنظر إليها فقالت له: أراك يا سيدي تنظر إليها؟ فقال: إني ما نظرت إليها إلّا متعجباً، أما إن المولود الكريم على الله تعالى يكون منها، ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن (عليه السلام) في دفعها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص244، ح210]
فالرواية بهذا النقل لم تقل إنها ولدت في بيت حكيمة، وإنما قالت: إن السيدة حكيمة قد ربّتها في بيتها، ولعلها كانت رومية وجاءت صغيرة وربّتها السيدة حكيمة في بيتها، فلا تُنافي هذه الروايةُ روايات القول الأول، بل إنها تنسجم معها تماماً، خصوصاً وأنه ورد في ذيل رواية بشر النخاس ما نصه: (فقال أبو الحسن (عليه السلام): يا كافور ادع لي أختي حكيمة ، فلما دخلت عليه قال (عليه السلام) لها: ها هي فاعتنقتها طويلاً وسرت بها كثيراً، فقال لها مولانا: يا بنت رسول الله أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمد وأم القائم (عليه السلام)).
فما ذكره المسعودي وحسين عبد الوهاب من أنها ولدت في بيت السيدة حكيمة لعله فهم منهم.
على أن المسعودي نقل تلك الرواية مرسلاً وبدون سند.
والشيخ الصدوق لم يتعرض لها أصلاً.
ثم أن الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق نقلا رواية بشر النخّاس، وهما معروفان بالتتبع للروايات المتعلقة بقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فضلاً عن أن المشهور هو كونها (عليها السلام) سبية جاءت من بلاد الروم.
فهذه الجهات تُقوّي القول الأول وتجعل احتماله مقبولاً أكثر من الثاني إن لم تدل على تعيّنه.
القول الثالث: إنها امرأة عربية بل علوية، وأن اسمها مريم بنت زيد العلوية:
وهنا لم نجد رواية واضحة في هذا القول، إنما الموجود هو نقل بلفظ (قيل) عن بعض المؤلفين، من قبيل ما نقله في الينابيع الفقهية لعلي أصغر مرواريد: ج30، ص496: الإمام المهدي الحجة، صاحب الزمان أبو القاسم محمد بن الإمام أبي محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، ولد بسر من رأى يوم الجمعة ليلاً، وقيل ضحى خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، أُمه صقيل، وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلوية.
ومثله في جواهر الكلام للشيخ الجواهري: ج20، ص100، وفي الهداية الكبرى الحسين بن حمدان الخصيبي: ص328، وفي بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص28، وفي رسائل في دراية الحديث لأبو الفضل حافظيان البابلي: ج1، ص350.
وكل هذه المصادر لم تنقل هذا القول عن المعصوم، وإنما جاء بلفظ (يقال) أو (قيل) كما بيناه، فلا يُطمئن بهذا القول، وحينئذٍ يبقى القول الأول هو الأقرب إلى القبول –إن لم يكن هو المتعين- خصوصاً وأنه هو المعروف والمشهور؛ إذ إن الروايات تدل بوضوح على أنها كانت سبية رومية، ولا رواية تدل على أنها وُلدت في بيت السيدة حكيمة، فضلاً عن كونها عربية.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

متفرقة : ٢٠٢٠/١٢/١٠ : ٤.٨ K : ٠
: أبو سجاد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.