(٩٠٧) ما هو تابوت السكينة؟
ما هو تابوت السكينة الذي كان آية لبني إسرائيل، وكان عند نبي الله موسى (عليه السلام) وكان يحمله معه عند حروبه فإذا فتحه أنزل الله السكينة في قلوبهم وأيدهم بالنصر وسيستخرجه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)؟
هل التابوت فارغ؟ أم يحتوي على شيء معين؟ وماهي آليته ووضعتيه حسب روايات أهل البيت (عليهم السلام)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
التابوت لغة هو الصندوق وأصله (التوب) بمعنى الرجوع، لأن الإنسان يرجع إليه مرة بعد أخرى لما يحتويه من أشياء نفيسة يخشى عليها من الضياع فيجعلها فيه، ولا يعني بالضرورة الصندوق الذي توضع فيه الأموات كما يظن البعض، بل إِنّ له معنى أوسع ولأجل مناسبة المعنى المتقدم أطلق في القرآن الكريم على الصندوق الخشبي الذي أنزله الله تعالى على أم موسى لتجعله فيه لفظ التابوت، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة طه: ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ﴾، ويظهر من الروايات والأحاديث إن لهذا التابوت خصوصية إعجازية لما يوفره من السكينة والاطمئنان لبني اسرائيل ولا سيما عند قتالهم عدوهم، وبذلك شكّل آية وعلامة بارزة في موروثات الأنبياء (عليهم السلام)، بل كان دليلاً وعلامة على نبوة من يكون عنده.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيثما دار التابوت أوتوا النبوة وحيثما دار السلاح فينا فثم الأمر. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص238] ويقول تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، وقد ورد أن فيه عصا موسى (عليه السلام) والألواح التي كتبت عليها التوراة.
روي عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سألته فقلت: جعلت فداك ما كان تابوت موسى؟ وكم كان سعته؟ قال: ثلاثة أذرع في ذراعين، قلت: ما كان فيه؟ قال: عصى موسى والسكينة، قلت: وما السكينة. قال: روح الله يتكلم، كانوا إذا اختلفوا في شيء كلمهم وأخبرهم ببيان ما يريدون. [معاني الأخبار للشيخ الصدوق: ص285]
وروى العياشي في تفسيره عن العباس بن هلال أنه سأل الإمام الرضا (عليه السلام) عمّا فيه فقال (عليه السلام): كان فيه ألواح موسى التي تكسّرت والطست التي تغسل فيها قلوب الأنبياء. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج1، ص134]
ولما يمثله هذا التابوت من خصوصية غيبية وآية نبوية، غيّبه الله تعالى ورفعه عن بني إسرائيل لما استخفّوا به ولم يعظموا قدره في بعض الفترات.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام: وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة، وأودعه يوشع وصيه فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكاً يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت، كما قال الله: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ﴾. [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج1، ص81]
ويظهر كذلك من الروايات أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سوف يستخرج هذا التابوت وما فيه من التوراة والانجيل ويكون عنده إذا ظهر، فقد روى صاحب مختصر البصائر خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) المسماة (بالمخزون) وفيها: ويسير الصديق الأكبر براية الهدى والسيف ذو الفقار والمخصرة، حتى ينزل أرض الهجرة مرتين وهي الكوفة فيهدم مسجدها ويبنيه على بنائه الأول ويهدم ما دونه من دور الجبابرة، ويسير إلى البصرة حتى يشرف على بحرها ومعه التابوت وعصا موسى (عليه السلام). [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص201]
وهو ذات المعنى الذي روته العامة، فقد روى نعيم بن حماد في كتابه الفتن عن كعب الأحبار: المهدي يبعث بقتال الروم، يعطى فقه عشرة يستخرج تابوت السكينة من غار بأنطاكية، فيه التوراة التي أنزل الله تعالى على موسى (عليه السلام)، والإنجيل الذي أنزل الله (عزَّ وجل) على عيسى (عليه السلام) يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم. [الفتن لنعيم بن حماد المروزي: ص220]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)