(٩٩٨) هل الإمام (عجّل الله فرجه) يراقب الناس في منازلهم!؟
هل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يراقب الناس في منازلهم بقوة اعجازية، لعل بعضهم يفعل المنكر في بيته ولا أحد يطلع عليه، فهل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يكون مراقباً للناس في منازلهم، أم إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأهل البيت (عليهم السلام) عموماً لهم بتعامل الناس بظاهرهم لأنه يكون تجسس وتدخل والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأهل البيت (عليهم السلام) أكرم أن يفعلوا هذا الشيء لأنهم أهل العفة والأخلاق.
يُذكر في الدولة المهدوية تتغير النفوس والعقول، فهل يعني أن الإمام (عجّل الله فرجه) يجعل المنازل والأماكن المخفية للناس تحت أنظاره! فيشاهد ماذا يوجد أم الإمام (عجّل الله فرجه) لا يفعل هذا الشيء حتى إذا كانت لديه القوة الاعجازية ويريد تغير الناس من الباطن أيضاً ليس من الظاهر لأن تبقى النفس الأمارة بالسوء للبعض في الدولة المهدوية ولا يتغير كل الناس لأن البعض يفعلون المنكر بالخفاء، يرجى التوضيح.
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك قضيتان في سؤالكم
الأولى: هل أن المعصومين (عليهم السلام) يُطلعهم الله تعالى على أعمال الناس ويرون أفعالهم؟
الثانية: هل يتعاملون مع الناس بحسب أعمالهم الظاهرية أو تبعاً لما يصدر منهم وراء الستار وبعيداً عن أعين الناس؟
وهاتان قضيتان إحدهما غير الأخرى ولكل منهما حيثيته وجهته الخاصة، فقد دلّت الأخبار المستفيضة إن لم تكن متواترة أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) يطّلعون على أعمال جميع العباد وما يمارسونه من سلوكيات وأفعال ليكونوا شهداءً على أممهم كإحدى أهم وظائفهم الملقاة على عاتقهم، وكشأن من شؤون ولايتهم التكوينية التي أعطاها الله تعالى لهم، فقد ورد في الحديث المعتبر عن الإمام الباقر (عليه السلام): نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه وحججه في أرضه. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص191]
وإنما فلسفة ذلك والحكمة منه لما يمثله ذلك من أثر نفسي ومحفز لدى العاملين وباعث لهم على إتقان العمل والاتيان به على الوجه الأكمل، كما إنّ الالتفات إلى هذه الحقيقة والإيمان بها له أعمق الأثر في تطهير الأعمال والنيات، فإن الإنسان عادة إذا أحس بأن أحداً ما يراقبه ويتابع حركاته وسكناته فإنه يحاول أن يتصرف تصرفاً لا نقص فيه حتى لا يؤاخذه عليه من يراقبه، فكيف إذا أحس وآمن بأنّ الله ورسوله والأئمة (عليهم السلام) يطّلعون على أعمالهم وأفعالهم، ولأن الإنسان مفطور على حب الكمال وإبعاد النقص عن نفسه ويأنف أو يخجل من مشاهدة الآخرين لأفعاله السيئة، أو لأنه قد ينكر ما صدر منه وبدر عنه، جرت الحكمة الإلهية لطفاً به وحجة عليه أن يكثر عليه مصادر الرقابة والاشراف، فالملائكة والأرض بل وحتى جوارحه جميعهاً تشهد عليه وترصد أفعاله، فإذا شعر الإنسان بعد ذلك أنه ليس في خلوة ولا في ستر يحجبه فمن الطبيعي أن يرعوي ويحسب لكل خطوة يخطوها ألف حساب، ولذا ورد في الحديث المعتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام): مالكم تسوؤن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟! فقال رجل: كيف نسوؤه؟ فقال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه، فإذا رأى فيها معصية ساءه ذلك، فلا تسوؤا رسول الله وسروه. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص219]، وهذا المعنى بحسب ما دلّت عليه كثير الروايات صفة ووظيفة يشترك فيها جميع أئمتنا (عليهم السلام) بمن فيهم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فقد ورد في توقيعه الشريف إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) الذي نقله الطبرسي في الاحتجاج قوله (عجّل الله فرجه): نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي... فإنا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم. [الاحتجاج الطبرسي ج2 ص 325]
وأما طريقة ذلك وكيفيته فقد ذكرت الروايات بأن الله تعالى يضع لهم عموداً من نور وبواسطته يرون أعمال الناس، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في سياق حديثه عن كيفية رؤية الإمام: فإذا صار الأمر إليه جعل الله له عموداً من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص387]، فتكون تلك الكيفية من مصاديق الاعجاز بالمعنى العام الذي يتجاوز الأسباب والوسائل المادية المتعارفة، فقد ورد تفسير ذلك في الحديث الصحيح عن الإمام الرضا (عليه السلام) حينما سأله يونس بن عبد الرحمن عن طبيعة ذلك العمود وماهيته فقال (عليه السلام): يا يونس ما تراه، أتراه عموداً من حديد يرفع لصاحبك؟ قال: قلت: ما أدري، قال: لكنه ملك موكل بكل بلدة يرفع الله به أعمال تلك البلدة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص387]
وأما بالنسبة للقضية الثانية، ففيها تفصيلات متعددة تختلف بحسب جهاتها ومصاديقها، فمن جهة شهادتهم على الأعمال يوم القيامة فمن الطبيعي أن السلوك الخفي للناس والمرصود بشهادة المعصومين (عليهم السلام) سيكون مؤثراً في مصير الإنسان وعاقبته وكذلك له تأثير أيضاً في تعاطيهم مع المؤمنين من جهة القرب منهم أو عدم القرب، فقد روى مهزم قال: كنا نزولاً بالمدينة وكانت جارية لصاحب المنزل تعجبني وإني أتيت الباب فاستفتحت ففتحت لي الجارية فغمزت ثديها فلما كان من الغد دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: يا مهزم أين كان أقصى اثرك اليوم؟ فقلت له: ما برحت المسجد، فقال: أما تعلم ان أمرنا هذا لا ينال إلّا بالورع. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص263]
نعم ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه لا يعتمد علمه بالغيب كآلية لأجراء القضاء والحكم بين المتخاصمين، وإنما يعتمد على الحجج الظاهرة كاليمين والبينة العادلة، فقد ورد في الصحيح من حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنما أقضي بينكم بالبينات والإيمان وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار. [الكافي للشيخ الكليني: ج7، ص414]
وهكذا في تسرية حكم الإسلام على كل من آمن بالظاهر ولو كان منافقاً في واقعه، فقد سأل الطيار الإمام الصادق (عليه السلام): جعلت فداك أرأيت ما ندب الله (عزَّ وجل) إليه المؤمنين من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أدخل في ذلك المنافقون معهم قال (عليه السلام): نعم والضلال وكل من أقر بالدعوة الظاهرة. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص412]، وورد أيضاً عن الإمام الباقر (عليه السلام): الإسلام ما ظهر من قول أو فعل وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث وجاز النكاح. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص26]
ولأن الوظيفة المناطة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تستدعي منه أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كان تكليفه من الله تعالى أن يتعامل مع مجريات الأمور والأحداث بحسب واقعها وعمقها الجوهري، وهي بطبيعة الحال مرحلة متأخرة وتابعة لوظيفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الأولى والتي كانت تقتصر على نشر الإسلام ومعالمه بحسب الظاهر والمعلن، فقد ورد عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله فإذا قالوها فقد حرم علي دماؤهم وأموالهم. [عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج2، ص70]، ولأجل هذا الدور وهذه الوظيفة الخاصة المرتبطة بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وجدنا أن الروايات والأحاديث تؤشر إلى أنه (عجّل الله فرجه) يعتمد على الاجراءات والآليات الغيبية والتي تُتيح له (عجّل الله فرجه) الاضطلاع بمسؤولياته وواجباته، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمد (عليه وعليهم السلام) حكم بين الناس بحكم داود لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه بالتوسّم، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾. [الارشاد للشيخ المفيد:ج2، ص386]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: جعفر الفهيد : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)