(١٠٠٩) أليست كثرة أخبار تفاصيل حركته (عجّل الله فرجه) تكشف المخططات للعدو؟
كثرة الأخبار والروايات وبالتفصيل عن الإمام (عجّل الله فرجه) وأصحابه وكافة تحركاته أليس هذا كشف لمخططاته للعدو؟
ونحن اليوم نعيب على الدولة إذا صرّحت بأشياء عن خططها ضد الفساد والمفسدين مثلاً أو كل ما يهدد البلد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا السؤال يبتني على فكرة أن أعداء الإمام (عجّل الله فرجه) كالسفياني يؤمن بالله حقيقة ويصدق بما ورد في الروايات فيعتمد عليها كحال بقية المؤمنين، وليس الأمر كذلك، فإن الرجل حسب ما ورد في الروايات لم يعبد الله قط ولم يؤمن به حقيقة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): السفياني أحمر أشقر أزرق لم يعبد الله قط ولم ير مكة ولا المدينة قط يقول: يا رب ثأري والنار، يا رب ثأري والنار. [الغيبة للشيخ النعماني: ص318]
ومن الواضح حسب الرواية أن ملكاته الشيطانية سوف تتحكم به وتسوقه إلى مصيره الأسود، فلا يرى إلّا شيئاً واحداً هو طلب ثأره والانتقام، كما أن القرآن الكريم يذكر أن بعض هؤلاء الجبابرة والظالمين حتى وإن علموا ببعض المغيبات عن طريق الأنبياء (عليه السلام) إلّا إن نفوسهم الدنيئة وتسويلات الشياطين لهم تحجبهم عن الاستهداء والاتعاظ بما سمعوه من أولئك الأنبياء (عليه السلام) يقول تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً﴾، وعليه فهناك مغايرة قد تحصل بين ما تعلم وما تعمل، فالجحود انكار عملي لما قد يعلمه الإنسان، بطبيعة الحال هذا المعنى قد يكون صعب التصور عند بعض المؤمنين، وكيف أن الإنسان قد يعلم ويخالف ما يعلمه، وفي التأريخ وسير الأنبياء شواهد كثيرة على ما نقول، فهذا فرعون كان يعلم أن زوال ملكه وهلاكه سيكون على يد النبي موسى (عليه السلام) ومع ذلك بدل أن يرعوي ويعود إلى رشده قتل جميع الأطفال الصغار وبقر بطون الحوامل ظناً منه انه بذلك سيقضي على موسى (عليه السلام)، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يد موسى أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه وأنه من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص354]، والشواهد كثيرة في هذا الباب، فكم عندنا من الروايات ما تتنبأ وتستشرف المستقبل ببعض ظواهر الفساد وما سيكون عليه حال الناس وكيف سيكون هلاكهم وضياعهم، وهم بين من يقرأ ولا يتعظ متوهماً انه غير معني بذلك، وبين من لا يكلف نفسه حتى مجرد الاطلاع والنظر.
ودونك أن ترى كيف أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حذّر المسلمين مما سيأتي عليهم من بعده من التنافس على الدنيا وحطامها، حتى قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): فو الله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم، أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم. [صحيح البخاري: ج4، ص63]، ومع هذا التحذير والوعيد ولكن الكثير منهم وقع فيما أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أن عمر بن الخطاب أقر بهذه الحقيقة واعترف بها (بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نصبر) [تفسير الآلوسي: ج17، ص47] وهكذا فيما أخبر بعض نسائه بواقعة الجمل وما يحصل فيها، فقد روى ابن عباس قال قال رسول الله [صلّى الله عليه وآله وسلم] لنسائه: ليت شعري أيتكن صاحبه الجمل الأدب تخرج فينبحها كلاب الحوأب يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير ثم تنجو بعد ما كادت.
ومع ذلك لم تغنِ هذه الأحاديث شيئاً ولم تجد صدى عند من سمعها، وكأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لم يتحدث بذلك ولا أخبر عنه، وهكذا فيما أخبرهم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بأن عمار بن ياسر سوف تقتله الفئة الباغية [صحيح البخاري: ج3، ص207] ويقصد بذلك معاوية بن ابي سفيان ومع ذلك وجدنا أن أكثرية الناس تركوا الإمام الحسن (عليه السلام) وحيداً بلا ناصر وبايعوا إمام البغي بدلا عنه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: بيارق الحكمة : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)