(١٠٤٩) ألم تنزل الآية المباركة للإذن بقتال المشركين وليس في القائم (عجّل الله فرجه)؟
ورد في كتاب الغيبة للنعماني:
قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير﴾ نزلت في القائم (عليه السلام) وأصحابه.
ألم تنزل هذه الآية المباركة للإذن بقتال المشركين في أول معركة بالإسلام وهي معركة (بدر الكبرى)؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
من قواعد وأصول التفسير والتي دلت عليها الروايات الشريفة ما يسمى بقاعدة (الجري والتطبيق)، وهي من القواعد المهمة التي تعيننا على فهم القرآن الكريم واستيضاح معانيه، وبها يكون متجدداً وقابلاً للتطبيق على كل زمان ومكان، والروايات الشريفة المرتبطة بالقرآن الكريم تأتي على عدة أنحاء وجهات، فبعض الروايات تسمى بالروايات التفسيرية والتي تأتي لبيان الآية الكريمة وتحديد المراد من مفرداتها وألفاظها وإزالة الغموض عنها، من قبيل رواية الإمام الباقر (عليه السلام) التي فسرت الباء في قوله تعالى ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ بأنها باء التبعيض بمعنى أن الواجب في الوضوء الاكتفاء بمسح بعض الرأس لا كله. [الكافي للشيخ الكليني: ج3، ص30]
وبعض الروايات تأتي لبيان سبب نزول الآية الكريمة والظروف التأريخية التي أحاطت بها وأوجبت نزولها، من قبيل آية الولاية التي نزلت بعد تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بالخاتم في الصلاة ولأجلها نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ كما جاء ذلك في رواية الإمام الباقر (عليه السلام). [الأمالي للشيخ الصدوق: ص186]
وبعض الروايات تأتي لبيان باطن الآية الكريمة والذي لا يمكن أن يُرصد من خلال ظاهر اللغة أو الفهم العرفي، من قبيل الروايات التي فسرت الشجرة الملعونة في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ﴾ ببني أمية. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص297]
وهناك روايات أخرى تأتي لبيان بعض مصاديق الآية الكريمة وتطبيقها على مفردة خارجية معينة من دون أن تكون محدودة الانطباق على تلك المفردة أو ذلك المصداق، والروايات التي جاءت بهذا النحو من البيان قد تتجاوز المئة رواية كما ذكر ذلك السيد الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الميزان [تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج1، ص42]، وما تتميز بها روايات (الجري والتطبيق) انها لا ترتبط بالشأن الذي اوجب نزول الآية القرآنية من الناحية التأريخية بل هي بصدد بيان مصاديق الآية ومجاريها التي تنطبق عليها، وقد وردت عدة روايات عن الأئمة (عليهم السلام) في تأسيس هذه القاعدة وهذا الأصل القرآني، كما نلحظه في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): إن القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما تجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص204]
وكما جاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): إن القرآن حي لا يموت، والآية حية لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الأقوام ماتوا فمات القرآن، ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين. [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج2، ص203]
ولذلك نجد ملامح هذا التفسير ومسلكه واضحاً في أحاديثهم (عليهم السلام)، فقد جاء عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أمر اللَّهُ بِه أَن يُوصَلَ﴾؟ قال: نزلت في رحم آل محمد (عليه وآله السلام) وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء: إنه في شيء واحد. [الكافي للشيخ الكليني: ج2، ص156]
ومعنى ذلك أن نزول الآية القرآنية في مورد أو شخص أو فئة معينة لا يعني انحصارها في تلك الموارد، بل لها القابلية على الانطباق في عدة مصاديق، ولأجل ذلك قد تأتي بعض الروايات لتبين مصداقاً معيناً للآية الكريمة وتأتي رواية أخرى لتبين مصداقاً آخر يختلف عما بينته الرواية السابقة، ولا منافاة بعد ذلك إذا اختلفت الروايات في البيان والتفسير، كما هو حال الآية الكريمة محل السؤال.
فقد ورد في قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير* الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّه﴾ عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّه﴾ نزلت في رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وعلي، وجعفر، وحمزة، وجرت في الحسين (عليهم السلام) أجمعين. [الكافي للشيخ الكليني: ج8، ص337]
وورد أيضاً عنه (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وإِنَّ اللَّه عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ قال: علي، والحسن، والحسين (عليهم السلام). [كامل الزيارات لابن قولويه: ص135]
وإنما استشكل أهل البيت (عليهم السلام) محاولات تفسير الآية الكريمة من قبل مفسري العامة في خصوص بداية تشريع الجهاد للمسلمين أوائل الدعوة الإسلامية، بل أوضحوا أن مصداقها الأبرز والأظهر إنما يجري في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وظهوره في آخر الزمان، فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث معتبر: إن العامة يقولون: نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هو القائم (عليه السلام) إذا خرج يطلب بدم الحسين (عليه السلام). [تفسير القمي لعلي بن إبراهيم القمي: ج2، ص85]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: شريف محمد الترابي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)