(١٢٠٠) هل بَشَرة الإمام (عجّل الله فرجه) أبيض مشرب بحمرة أم أسمر اللون؟
ورد في بعض روايات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أنه أبيض مشرب بحمرة، ولكن ورد في روايات أخرى أنه أسمر اللون، يرجى التفضل ببيان كيفية الجمع بين هذه الروايات، وحبذا لو تذكر نصوص الطائفتين من الصفات.
بسم الله الرحمن الرحيم
اختلفت الروايات في صفة لون الإمام (عجّل الله فرجه)، فبعضها وصفته بالأبيض المشرب بحمرة، وبعضها الآخر وصفته بالسمرة، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض اللون، مشرب بالحمرة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص653]، وكذلك ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في سياق حديثه عن صفته (عجّل الله فرجه) قوله: ذاك المشرب حمرة، الغائر العينين، المشرف الحاجبين. [الغيبة للشيخ النعماني: ص223]، وكذلك ورد هذا التوصيف على لسان بعض أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) ممن رآه، فقد جاء في رواية يعقوب بن منقوش: فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص407]
وأمّا الروايات التي وصفته (عجّل الله فرجه) بالسمرة، فكما جاء عن الإمام الكاظم (عليه السلام): بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين، بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج83، ص81]
وكذلك هو توصيف بعض أصحاب الإمام العسكري (عليه السلام) الوارد في الحديث عن أبي الأديان والذي رواه في سياق حديثه عن صلاة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) بعد وفاته: خرج صبي بوجهه سمرة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص475]
وهذا الاختلاف الوارد في الروايات قد نجد له مثيلاً أيضاً في صفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقد روى جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام): كان نبي الله [صلّى الله عليه وآله وسلم] أبيض مشرب حمرة. [الكافي للشيخ الكليني: ج1، ص443]
مع أن الشيخ الصدوق روى في الأمالي عن عبد الله بن سليمان أنه قرأ في الإنجيل صفة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه كان أسمر اللون.
فقد جاء في خبره: يا عيسى، صدقوا النبي (صلّى الله عليه وآله) الأُمي، صاحب الجمل والمدرعة، أسمر اللون، دقيق المسربة، شثن الكف والقدم، إذا التفت التفت جميعاً. [الأمالي للشيخ الصدوق: ص345]
وكذلك ما رواه أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك في وصفه (صلّى الله عليه وآله): قال كان رسول الله [صلّى الله عليه وسلم] أسمر، ولم أشم مسكة ولا عنبرة أطيب ريحاً من رسول الله [صلّى الله عليه وآله وسلم]. [مسند أحمد بن حنبل ج3، ص258]
ولا يخفى أن هذا الاختلاف في التوصيف له عد أسباب ومناشئ، وأهم هذه الأسباب ينشأ من التغاير العرفي لكل مجتمع في تحديد الألوان وتمييز بعضها عن البعض الآخر، فالعرب قديماً تصف صاحب البشرة البيضاء كما هو حال أهل الروم والعجم بأن بشرتهم حمراء، كما ذكر ذلك ابن منظور في لسان العرب: والحمراء: العجم لبياضهم ولأَن الشقرة أَغلب الألوان عليهم، وكانت العرب تقول للعجم الذين يكون البياض غالباً على أَلوانهم مثل الروم والفرس ومن صاقبهم: إنهم الحمراء؛ ومنه حديث علي [عليه السلام]، حين قال له سَرَاةٌ من أصحابه العرب: غلبتنا عليك هذه الحمراء؛ فقال: ليضربنكم على الدين عَوْداً كما ضربتموهم عليه بدْءاً؛ أَراد بالحمراء الفُرْسَ والروم. [لسان العرب لابن منظور: ج4، ص210]
وأمّا إطلاق الأبيض عندهم فإنما يصفون به أصحاب البشرة (الحنطية) كما جاء ذلك عن الذهبي في سير أعلام النبلاء قوله: ثم إن العرب إذا قالت: فلان أبيض فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء. [سير أعلام النبلاء للذهبي: ج2، ص168]
وعلى ضوء ذلك نفهم أن العرب إذا وصفت أحداً بالبياض فهم يقصدون منه اللون الحنطي، وهو اللون الذي يغلب على بشرة سكان الجزيرة العربية، ولذا ورد في حديث وصف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قوله: المهدي رجل من ولدي، وجهه كالقمر الدري، اللون لون عربي. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج51، ص91]
وهذا اللون (الحنطي) إنما هو بياض مع سمرة كما جاء ذلك في كتاب السيرة للحلبي في سياق وصفه للنبي (صلّى الله عليه آله وسلم) فقال: أبيض مشرب بحمرة، أي وهي المراد بالسمرة، وفي رواية كان أسمر، ومن ثم جاء في رواية كان بياضه [صلّى الله عليه وآله وسلم] إلى سمرة، لأن العرب قد تطلق على من كان كذلك، أي بياضه إلى حمرة أسمر. [السيرة الحلبية: ج3، ص435]، أي يطلقون على من تميل بشرته من البياض إلى السمرة بأنه (أبيض مشرب بحمرة) ويقصدون من الحمرة هنا (اللون الأسمر).
ولا يخفى أن هذا الوصف نفسه جاء في حق الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كما في الروايات التي ذكرناها سابقاً، وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا التوصيف يحمل في نعته كلا اللونين (البياض مع السمرة) ويصح التعبير بكلا اللونين على صاحب هذه البشرة، لأنه لون غير متمحض في البياض وحده ولا في الاسمرار وحده، ولأنه مزيج منهما صار يتأثر بكل العوامل الخارجية التي يمكن أن تبرز أحدهما على حساب الآخر كالتعرض للشمس أو طبيعة الضوء المسلط عليهما على خلاف أصحاب البشرة المتمحضة بالبياض فقط كالشعوب الرومية أو السواد فقط كالشعوب الإفريقية، فإن العوامل الخارجية لا تؤثر فيهم، هذا التغيير الذي نراها في أصحاب البشرة الحنطية فإنهم يتأثرون بذلك كثيراً، ولذا نرى لون أعضائهم الجسدية المغطاة بالثياب والتي لا تواجه الشمس تميل إلى البياض بخلاف أعضاء جسدهم التي تتعرض لها فتميل إلى الاسمرار.
ومن هنا فلا تناقض في هذه الروايات، فإن الأخبار التي وصفته (عجّل الله فرجه) بالبياض المشرب بالحمرة إنما عنت البياض المائل للاسمرار لا البياض المتمحض فيه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)
: عبد الرضا الأسدي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)