ارسل سؤالك المهدوي:
متفرقة

(١٢٣٣) هل الإمام (عجّل الله فرجه) هو الوحيد القادر على إقامة الدولة؟

هل الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه) هو الوحيد القادر على إقامة الدولة الإلهية العالمية؟
الواقع أني أعرف أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) بنفس رتبة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) أو أعلى، فهم قادرين على إقامة الدولة الإلهية ولم يمنعهم من ذلك إلّا عدم توفر الظروف المناسبة.
ولكن ماذا عن الأنبياء (عليهم السلام)، هل يمكنهم إقامتها لو توفرت لهم الظروف المناسبة وأعطوا مؤهلات الإمام (عجّل الله فرجه)، أم أن هذا الفرض محال إمكاناً حيث إن الله (عزَّ وجلَّ) حكيم وإعطاء مؤهلات الإمام للنبي - سواء كان ممن ترك الأولى أو لا، وسواء حاز على مرتبة الإمامة أم لا - لغو لا يصدر منه، لأن النبي أقل مرتبة من الإمام ولا يمكنه استيعاب طاقات الإمام أو مؤهلاته؟
أرجو إضافة دليل روائي إلى الاستدلال العقلي إن أمكن.


بسم الله الرحمن الرحيم
إذا نظرنا إلى القضية من جهة القدرة الإلهية ومن يأذن له الله تعالى بذلك، فيمكن حينها القول إن كل المعصومين هم مؤهلون للقيام بهذا الدور وهذه الوظيفة، ضرورة أن كل نجاح وفي أي مهمة يعتمد على توفر عنصرين: الأول منهما يرتبط بالعناية الإلهية والتوفيقات الغيبية التي تقف خلف ذلك النجاح، مضافاً إلى عنصر آخر يحكي عن توفر الاستعداد والقابلية الذاتية لاستيعاب تلك العناية وذلك التوفيق.
وكلا العنصرين دلّت عليهما الروايات الشريفة، فأمّا ما دل على العنصر الأول فما روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) عمن سأله من أصحابه في قوله: يا بن رسول الله أليس أنا مستطيع لما كلفت؟ فقال له العالم (عليه السلام): ما الاستطاعة عندك؟ قال: القوة على العمل. قال له العالم (عليه السلام): قد أعطيت القوة إن أعطيت المعونة. قال له الرجل: فما المعونة؟ قال: التوفيق. قال: فلم أعط التوفيق؟ قال (عليه السلام): لو كنت موفقاً كنت عاملاً، وقد يكون الكافر أقوى منك ولا يعطى التوفيق فلا يكون عاملاً. [فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص351]
ونفهم من خلال هذه الرواية أن نجاح الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) واستطاعته على إقامة دولة الحق متوقف على التسديد والعناية الإلهية، ولا يمكن أن يستقل عنها بأي حال من الأحوال، وهذا هو معنى ما روي عنهم (عليهم السلام): قائمنا أهل البيت يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص317]
أو ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في سياق حديثه عن الإمام القائم (عجّل الله فرجه): يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن الناس. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج52، ص389]، وعليه فإذا كان النجاح المهدوي رهين بالتوفيق الإلهي وعناية السماء يمكن حينها القول: إن كل واحد من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سيكون قادراً على القيام بهذا الدور لتوفرهم على كل العناصر والمقومات التي تؤهلهم للنجاح في ذلك.
وأمّا العنصر الثاني أعني شرطية توفر الاستعداد والقابلية، فمما لا ريب فيه أن كل الأئمة المعصومين (عليهم السلام) في ذواتهم الطاهرة هم محال معرفة الله تعالى ومساكن بركته ولا يتخلف أحد منهم عن ذلك حتماً، وإذا اختص أحدهم بفضل الظرف ما لحق الآخر منهم ما اختص به الأول، وهذا المعنى مرصود في عديد الروايات التي حكت عن كونهم من شجرة واحدة ومن نور واحد، فقد روى النعماني بسنده عن زيد الشحام أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام): أيهما أفضل الحسن أو الحسين؟ قال: إن فضل أولنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أولنا، فكل له فضل. قال: قلت له: جعلت فداك، وسِّع عليَّ في الجواب فإني والله ما أسألك إلّا مرتاداً (أي طالباً للحق). فقال: نحن من شجرة برأنا الله من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن أمناء الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك يا زيد؟ قلت: نعم. فقال: خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلنا واحد عند الله (عزَّ وجلَّ). فقلت: أخبرني بعدتكم. فقال: نحن اثنا عشر هكذا حول عرش ربنا جل وعز في مبتدأ خلقنا، أولنا محمد، وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد. [الغيبة للشيخ النعماني: ص88]
وأمّا إذا نظرنا للقضية من جهة من يمتلك الاستعداد بمعناه العام والذي تدخل فيه كل الظروف والعوامل الخارجية والتي ترتبط بواقع المجتمعات البشرية ووعي الناس وخياراتهم (وهي أمور على كل حال خارجة عن عهدة المعصومين (عليهم السلام) ولا يتحملون مسؤوليتها) فيمكننا القول عند هذا المستوى إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو المؤهل للقيام بهذا الدور دون غيره لا لقصور ونقص في بقية الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، بل لأن الواقع الإنساني والبشري ما زال عاجزاً عن الإيفاء بمتطلبات العهد المهدوي ومقتضياته وهو المعنى ذاته الذي يُفسّر لنا أيضاً تأخر نزول الشريعة المحمدية (مع كونها أكمل الشرائع) على البشرية منذ عهد آدم (عليه السلام) بل احتاج الإنسان في مسيرته التكاملية إلى آلاف السنين وإلى إرسال مئات آلاف من الأنبياء وتنصيب الأوصياء لكي يرتقي إلى مستوى هذه الشريعة.
ومن هنا سوف نفهم أن إحدى أهم علل وأسباب غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) والتي يمكن أن نستنبطها من خلال الروايات والأحاديث والتي يرشح منها أن التأخر الممتد في أيام غيبته (عجّل الله فرجه) يرتبط في بعض شؤونه بانتظار تحقق الوعي الإنساني وقابليته على استيعاب المشروع المهدوي، سواء من جهة التراكم الثقافي العلمي أو التقدم الحضاري الإنساني واللذان ينتجان إمكانية قيام الدولة العالمية الموحدة والتي يتوقف عليها بوضوح نجاح الدولة المهدوية وقيام مشاريعها وبدونها لا يمكن لهذا الإنجاز أن يؤتي بثماره إلّا بضرب من الإعجاز وتعطيل السنن الطبيعية وهو الأمر الذي لا محصل له ولا طائل من ورائه وإلّا لما تأخرت الدولة المهدوية كل هذه السنين، ضرورة أن العدل المأمول عند قيام القائم (عجّل الله فرجه) لن يكون مقتصراً على بقعة جغرافية دون أخرى أو في بلد دون آخر، بل المشروع المهدوي هو مشروع الأرض كلها من أقصاها إلى أقصاها ومن أولها إلى آخرها، ولذلك نجد أن القرآن الكريم علّق نزول البركات وفتح أبوابها بعولمة الإيمان والتقوى لجميع النوع الإنساني، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ﴾ أي أن ذلك من آثار إيمان جميع القرى لأنه نتيجة إيمان قرية هنا أو قرية هناك، ولا يخفى أن كل ذلك يتطلب شرطاً ضرورياً صريحاً في توفر العناصر والإمكانيات التي تتيح قيام هذه الدولة الواحدة والمحكومة لنظام عالمي واحد وهو ما لم يتوفر في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وصولاً إلى عهد بقية المعصومين (عليهم السلام) وإنما بدأت ظاهرة العولمة تتبلور وتتجه لها الإنسانية في العقود الأخيرة وهي آخذة بالاتساع والاطراد كلما مضى بنا الزمان إلى الأمام حتى تتوفر الأرضية الكاملة للقيادة الشاملة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حتى لا تغيب عنه جهة من جهاتها أو ناحية من نواحيها، وهذا ما نلمسه مما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الأرض وخفض له كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص674]
وبدون ذلك لا يمكن أن نستوعب أو أن نفهم إمكانية أن تُملأ الأرض قسطاً وعدلاً على يديه المباركتين كما مُلئت قبله بالظلم والجور.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

متفرقة : ٢٠٢٢/٠٤/٠١ : ١.٨ K : ٠
: فاطمة : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.