ارسل سؤالك المهدوي:
متفرقة

(١٢٥٤) هل الإمام (عجّل الله فرجه) غير قادر على التدخل في رفع الظلم والجور عن الشيعة؟

لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها.
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) موجود بيننا كما هو ثابت، ويرعانا بلطفه وعنايته، أكيد له وظائف عديدة تقع على عاتقه مكلف بها من قبل الله (عزَّ وجلَّ).
فلو قارنّا بين بعض ما ورد إلينا من قصص علمائنا الأعلام السابقين عندما صدرت منهم بعض الفتاوى وقام الإمام (عجّل الله فرجه) بتغييرها وتنبيههم بطريقة أو بأخرى، فنستنتج من هذه العناية المهدوية لنا من خلال هكذا قصص وردت إلينا.
سؤالي هو: عند تدخل الإمام (عجّل الله فرجه) في فتوى كتبت من أحد نوابه في زمن الغيبة الكبرى وقام بتعديلها إلى الصواب، الإمام يتدخل ويرعانا إلى هذه الدرجة، فهل الإمام (عجّل الله فرجه) غير قادر على التدخل في رفع الظلم والجور عن شيعة أهل البيت (عليهم السلام) من قتل وسلب ونهب وجميع أنواع الظلم؟
إذا قلنا هو قادر ولكن غير مكلف بذلك من قبل الله (عزَّ وجلَّ)، فهل ينظر إلى ما يجري في عالمنا الشيعي من قتل وذبح ومآسي ولا يحرك ساكناً؟ ساعد الله قلبه.
ممكن تحليلاً لرؤيتكم الكريمة حول أعمال الإمام وأفعاله (عجّل الله فرجه) في زماننا الحالي أو في زمن الغيبة الكبرى بشكل عام.
وما هي مهامه بالضبط لأننا نرى الظلم يسود يوماً بعد يوم، فهل نقول لابد أن يزيد الظلم وتكليف الإمام أن لا يتدخل لكي تمتلئ ظلماً وجوراً، ولكي يظهر؟ هل هكذا تنظر الأمور؟
وإذا كذلك فما معنى لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها بين ما يجري في عالمنا الشيعي والإسلامي من مآسي؟


بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام (عجّل الله فرجه) كما ثبت في الروايات العديدة مطَّلع وعالم بما يجري على شيعته وعلى غيرهم أيضاً، ولا يبخل بعين رعايته وعنايته بالمؤمنين فيما أذن الله تعالى له، ولكن الإذن الإلهي حاكم على أن تجري الأمور وفق معادلة السنن والأقدار، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إنما هو محل إرادة الله تعالى ومنفذ لمشيئته، ولا يتصرف في العالم والكون بعيداً عن ذلك، وقد تصوّر بعض المنحرفين المغالين الذين يسمون بالمفوضة أن للإمام (عجّل الله فرجه) أن يتصرف كيفما شاء وكيفما يريد من غير أن يكون محكوماً بالسنن الإلهية وقوانينها، ولكن هذا باطل وخلاف عقيدة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن هنا جاء كامل بن إبراهيم سائلاً الإمام (عليه السلام) عن مقولة المفوضة وما يقولونه من أفكار باطلة فأجابه (عليه السلام): كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشية الله، فإذا شاء شئنا، والله يقول: ﴿وَما تَشاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص247]
وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن نعرف كيف تجري هذه القوانين الإلهية وهذه السنن، وما هو المقدار الذي أذن الله تعالى للإمام المعصوم أن يتحرك في ضمن دائرتها، فهل يمكن أن يرفع كل حيف وظلم يمكن أن يقع على الشيعة؟ لا شك أن الجواب هو كلا، لأن معنى ذلك إبطال سنة الامتحان والابتلاء الجارية في الكون وهي سنة وقانون لا يقبل الاستثناء ولا التبديل، يقول تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّـرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْـرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْـرَ اللهِ قَرِيبٌ﴾.
كما يجدر الانتباه أن بعض المصائب والابتلاءات وإن لم تكن اختباراً إلهياً ابتدائياً منه تعالى، ولكنها هي نتيجة تراكمات الفعل البشري وسلوكياته، سواء كانوا من الشيعة أو غيرهم، وهذه النتائج معلولة لتلك الأفعال، وما لم يغير الإنسان طبيعة أعماله فلا مطمع له أن يحصد غير ما يزرع، يقول (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾، وفي نفس هذا السياق يقول الإمام الكاظم (عليه السلام): لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم. [الكافي للشيخ الكليني: ج5، ص56]
فعدم استجابة دعاء الصالحين إنما لأجل مخالفتهم لسنة إلهية تقتضي بأن تترتب النتائج على أسبابها ومقدماتها التي صنعها المجتمع الإنساني بنفسه ولابد أن يتحمل نتائجها.
بطبيعة الحال نحن هنا لسنا بصدد أن ننفي العناية والرعاية من قبل الإمام (عجّل الله فرجه) لشيعته والمؤمنين بالمطلق، فإن باب الرحمة الإلهية له حضوره وفاعليته أيضاً بالمقدار الذي يحفظ الوجود الإنساني إلى يوم الوعد الأكبر، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أجل مُسَمًّى﴾ ولكن هذا المقدار من الحفظ والعناية رهين أيضاً بوجود الإمام المعصوم في الأرض، ووجود ثلة من المؤمنين حتى ولو كانوا قلة، وقد روى أبو نصر الخادم عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قوله: أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص441]
وجاء عن زيد الزراد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ولو لم يكن في الأرض مؤمنون كاملون، إذاً لرفعنا الله إليه وأنكرتم الأرض وأنكرتم السماء، والذي نفسي بيده أن في الأرض في أطرافها مؤمنين ما قدر الدنيا كلها عندهم يعدل جناح بعوضة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج64، ص351]
وكذلك هو مضمون ما ورد عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في التوقيع الشريف لإسحاق بن يعقوب قوله (عجّل الله فرجه): وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص485]، فهذا الحفظ الإلهي والرعاية إنما هي ببركات وجوده (عجّل الله فرجه) وآثار لطفه وهو معنى آخر لمعنى ما ورد مستفيضاً: لولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، وهو أيضاً من ضمن الأدوار والوظائف المناطة به (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة الكبرى.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

متفرقة : ٢٠٢٢/٠٤/٢٢ : ١.٧ K : ٠
: حسام العيساوي : مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
التعليقات:
لا توجد تعليقات.