أبحاث العدد:
 البحث في العدد ١٥:
 الصفحة الرئيسية » اعداد المجلة » العدد ١٥/ جمادى الآخرة / ١٤٤٤هـ » أثر الحركات المنحرفة في الموروث المهدوي (الحركة الإسماعيليَّة نموذجاً)
 العدد ١٥/ جمادى الآخرة / ١٤٤٤ه

المقالات أثر الحركات المنحرفة في الموروث المهدوي (الحركة الإسماعيليَّة نموذجاً)

القسم القسم: العدد ١٥/ جمادى الآخرة / ١٤٤٤هـ الشخص الكاتب: السيد محمد القبانجي التاريخ التاريخ: ٢٠٢٣/٠١/٠٤ المشاهدات المشاهدات: ٢٣١٥ التعليقات التعليقات: ٠

أثر الحركات المنحرفة في الموروث المهدوي
(الحركة الإسماعيليَّة نموذجاً)

السيِّد محمّد القبانجي

تمهيد:
من الواضح بمكان أنَّ كلَّ حركة عقائديَّة منحرفة حينما تريد جذب الآخرين إليها والترويج لنفسها فلابدَّ أنْ تعتمد على ركائز ومفاهيم لتكون قادرة على إيجاد نفوذ وقاعدة شعبيَّة في المجتمع للوصول إلى غاياتها وأهدافها الخاصَّة، وهذه الركائز قد تكون باطلة أساساً ولكنَّها زُوقت وأُلبست ثوب الحقِّ والحقيقة، كما قال الإمام عليٌّ (عليه السلام): «وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِه الحَقَّ، فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ الله فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا اليَقِينُ، وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الهُدَى، وَأَمَّا أَعْدَاءُ الله فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ، وَدَلِيلُهُمُ العَمَى»(١)، وقد تكون الركائز في أساسها صحيحة لكنَّهم تلاعبوا في مصاديقها وصغرياتها وتطبيقاتها كما في القضيَّة المهدويَّة حيث نجد أنَّها ممَّا اتُّفِقَ عليه بين المسلمين - إلَّا من شذَّ وندر ممَّن لا يُعبَأ به - فكانت الاستفادة منها من قِبَل الحركات المنحرفة في حدود المصاديق وإيجاد البدائل المزيَّفة عوضاً عن الأصالة والحقيقة، ولتدعيم أغراضهم قاموا إمَّا بوضع أحاديث محاولةً لإقناع من ينتمي إليهم بصحَّة طرحهم - كما سنتطرَّق إلى ذلك بنحو مجمل - أو ذكر وقائع وحكايات لا واقع لها لمجرَّد تزوير التاريخ ليواكب الأغراض التي يريدونها ويَدْعون إليها مروراً بالتأويل والتفسير الخاطئ لبعض الآيات والروايات والأحداث حتَّى تخدم مصالحهم.
الحركات المنحرفة ووضع الأحاديث المهدويَّة:
ليس هدفنا استعراضاً تفصيليّاً للعنوان بقدر ما نودُّ إعطاء صورة إجماليَّة تُوضِّح ما أسلفناه من محاولة الحركات المهدويَّة المنحرفة - وفي سبيل تدعيم مراداتها - جَعْلَ الأحاديث وخلطَ الأوراق والتأويل الخاطئ للروايات الصحيحة، وإليك نماذج منها:
١ - الحركة الكيسانيَّة(٢):
لم أجد حديثاً وضعوه فيه إلَّا قول حيَّان السرَّاج في هذه الرواية: عَنْ عَبْدِ اَلله بْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: دَخَلَ حَيَّانُ اَلسَّرَّاجُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا حَيَّانُ، مَا يَقُولُ أَصْحَابُكَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الحَنَفِيَّةِ؟»، قَالَ: يَقُولُونَ: هُوَ حَيٌّ يُرْزَقُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ عَادَهُ فِي مَرَضِهِ، وَفِيمَنْ أَغْمَضَهُ، وَفِيمَنْ أَدْخَلَهُ حُفْرَتَهُ، وَزُوِّجَ نِسَاؤُهُ، وَقُسِمَ مِيرَاثُهُ»، قَالَ: فَقَالَ حَيَّانُ: إِنَّمَا مَثَلُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَنَفِيَّةِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَثَلُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ يَا حَيَّانُ شُبِّهَ عَلَى أَعْدَائِهِ؟»، فَقَالَ: بَلَى شُبِّهَ عَلَى أَعْدَائِهِ، قَالَ: «فَتَزْعُمُ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ عَدُوُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؟! لَا وَلَكِنَّكَ تَصْدِفُ يَا حَيَّانُ...»(٣).
٢ - الدولة الأُمويَّة(٤):
حاولت المنظومة الإعلاميَّة للدولة الأُمويَّة استغلال العقيدة المهدويَّة المتسالم عليها بين المسلمين لصالحها، لما في ذلك من الدلالات الكثيرة كما لا يخفى على الفطن، ومنها الاقتران والإيحاء بأنَّ من كانت هكذا صفته (يملأ الأرض عدلاً) فلابدَّ أنْ تكون عشيرته أو آباؤه هم أهل الحقِّ والحقُّ معهم، لذا نجد بعض الأحاديث المفتعلة عن لسان عمر بن الخطَّاب أو ابنه في صالح بعض ما يُسمَّى بالخلفاء أو الملوك الأُمويِّين الذين ينتسبون من ناحية الأُمِّ إلى عمر بن الخطَّاب، وهو عمر بن عبد العزيز.
فعن عبد الله بن دينار، عن عمر، قال: (يا عجباً! يزعم الناس أنَّ الدنيا لن تنقضي حتَّى يلي رجل من آل عمر يعمل بمثل عمل عمر)، قال: فكانوا يرونه بلال بن عبد الله بن عمر، قال: وكان بوجهه أثر، قال: فلم يكن هو، وإذا هو عمر بن عبد العزيز، وأُمُّه ابنة عاصم بن عمر بن الخطَّاب(٥).
وعن نافع، عن عمر: (يكون رجل من ولدي بوجهه شين، يلي فيملأها عدلاً)، قال نافع: لا أحسبنَّه إلَّا عمر بن عبد العزيز(٦).
وعن نافع أيضاً، عن ابن عمر، قال: كنت أسمع ابن عمر كثيراً يقول: (ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر في وجهه علامة، يملأ الأرض عدلاً)(٧).
٣ - الدولة العبَّاسيَّة(٨):
وهكذا نجد الدولة العبَّاسيَّة - وعلى غرار من سبقها - حاولت ليَّ عنق العقيدة المهدويَّة الثابتة لصالحها، وذلك بافتعال ووضع الأحاديث المهدويَّة لإقناع الناس بصحَّة حركتهم ومسيرتهم.
فعن أحمد بن راشد الهلالي، عن سعيد بن خثيم، رفعه إلى أُمِّ الفضل، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «يَا عَبَّاسُ، إِذَا كَانَتْ سَنَةُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمَائَةٍ، فَهِيَ لَكَ وَلِوُلْدِكَ، مِنْهُمْ: اَلسَّفَّاحُ، وَمِنْهُمْ اَلمَنْصُورُ، وَمِنْهُمْ اَلمَهْدِيُّ»(٩).
وعن ابن عبَّاس مرفوعاً: «هَذَا عَمِّي أَبُو الخُلَفَاءِ الأَرْبَعِينَ، أَجْوَدُ قُرَيْشٍ كَفّاً وَأَحْمَاهَا، مِن وُلْدِهِ: اَلسَّفَّاحُ، وَاَلمَنْصُورُ، وَاَلمَهْدِيُّ، يَا عَمّ، بِي فَتَحَ اَللهُ هَذَا الأَمْرَ، وَيَخْتِمُهُ بِرَجُلٍ مِنْ وِلْدِكَ»(١٠).
وأحاديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «اَلمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ عَمِّي»(١١).
٤ - الحركة الحسنيَّة(١٢):
لا نريد الخوض في تفاصيل ثورات آل الحسن (عليه السلام)، فهذه تُبحَث في مظانِّها، ولكنَّهم أيضاً حاولوا الاستفادة من العقيدة المهدويَّة لصالح حركتهم ضدَّ بني العبَّاس، حتَّى كان عبد الله بن الحسن المثنَّى يدعو إلى مهدويَّة ولده محمّد منذ الصغر، وكان يحجبه عن الرؤية، ومن الروايات التي نستقرب جدّاً أنَّ الحسنيِّين لهم دخالة في وضعها هي ما روي عن عاصم بن أبي النجود، عن زرِّ بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود، عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(١٣).
وقال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمْلِكَ النَّاسَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(١٤).
وقال «المَهْدِيُّ يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(١٥).
وعن أبي الطفيل، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «المَهْدِيُّ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي»(١٦).
وكان محمّد بن عبد الله الحسني في لسانه رتَّة فوضعوا حديثاً رفعوه إلى أبي هريرة بأنَّه قال: (إنَّ المهديَّ اسمه محمّد بن عبد الله، في لسانه رتَّةٌ)(١٧).
٥ - الحركة الواقفيَّة(١٨) وضعوا وأوَّلوا أكثر من أربعين حديثاً لدعم معتقدهم كما ذكرها الشيخ الطوسي في الغيبة وأجاب عنها كلّها، ومنها:
عَنِ الفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَلله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَنْسِجُنِي وَالقَائِمَ أَبٌ»(١٩).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ اَلمَدَائِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اَللهَ اِسْتَنْقَذَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَإِنَّ اَللهَ مُسْتَنْقِذٌ هَذِهِ الأُمَّةَ مِنْ فِرْعَوْنِهَا بِسَمِيِّهِ»(٢٠).
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ أَمِيرَ اَلمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ بِالكُوفَةِ عَلَى المِنْبَرِ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ اَلدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اَللهُ ذَلِكَ اليَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ اَللهُ رَجُلاً مِنِّي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «نَعَمْ»، قَالَ: فَأَنْتَ هُوَ؟ فَقَالَ: «لَا، ذَاكَ سَمِيُّ فَالِقِ البَحْرِ»(٢١).
ولا نريد التعرُّض إلى ردِّ هذه الأحاديث الموضوعة من قِبَل هذه الحركات المنحرفة، فقد ثبت بطلانها بالأدلَّة المتواترة، فمن أراد التفصيل فليرجع إلى مظانِّها.
وسنُركِّز جلَّ اهتمامنا حول الحركة الإسماعيليَّة وأُسلوبها الاحترافي في ادِّعاء المهدويَّة وتوسيع القاعدة الشعبيَّة المؤمنة بها.
الحركة الإسماعيليَّة، نبذة في التأسيس والعمل الميداني:
قبل الخوض في التحريفات التي قامت بها الفرقة الإسماعيليَّة على مستوى العقيدة المهدويَّة لابدَّ أوَّلاً من إلقاء نظرة مختصرة على مباني هذه الحركة وأُسُسها وعقائدها، فنقول:
يمكن أنْ نُقسِّم الطائفة الإسماعيليَّة إلى قسمين:
القسم الأوَّل: المذهب الإسماعيلي:
وهو عبارة عن إيمان طائفة من الناس بإمامة إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) - المتوفَّى سنة (١٤٨هـ) وهو الأقرب للصواب خلافاً لمن قال: إنَّ وفاته سنة (١٣٣هـ) دون إمامة موسى الكاظم (عليه السلام) - باعتباره إماماً سابعاً تنتهي إليه الإمامة بعد أبيه، ولا يعنينا كثيراً دراسة هذه الجهة وأنَّهم انقسموا إلى أقسام متعدِّدة، فمنهم من اعتقد بغيبة إسماعيل وعدم موته وهم القرامطة، وقالوا: إنَّ ما فعله وأظهره أبوه الإمام الصادق (عليه السلام) من الحزن والجزع على إسماعيل هو من باب التقيَّة وتعمية للطاغوت وما إلى ذلك، ومنهم من اعتقد بموته وانتقال الإمامة إلى ولده (محمّد) المتوفّى سنة (١٩٣هـ) وانتقالها إلى ولد ولده.
وفي هذه الفترة التي طالت ربَّما (نصف قرن) لم يكن في هذه الطائفة تنظيم خاصٌّ ولا حركة منظَّمة، بل حالها كسائر الفِرَق والطوائف الأُخرى تنمو وتنحسر تدريجيّاً بحسب قابليَّاتها الذاتيَّة والموضوعيَّة.
ولنا لإثبات هذه الدعوى أنَّ التاريخ يشهد على ذلك لأنَّ ابن المفضَّل(٢٢) كتب للمهدي العبَّاسي(٢٣) الذي تسلَّم عرش الخلافة بعد المنصور كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرَق صنفاً صنفاً حتَّى ذكر فرقة يقال لها: الزراريَّة، وفرقة يقال لها: العماريَّة نسبة لعمَّار الساباطي.
أفتراه يذكر جميع الفِرَق المزعومة للشيعة حتَّى يذكر العمَّارية المنسوبة إلى عمَّار الساباطي الذي لم يكن له يوم ذاك أيُّ تابع إلَّا كونه فطحيّاً مؤمناً بإمامة عبد الله الأفطح ولا يذكر الإسماعيليَّة؟ فلو كان لإسماعيل دعوة سرّيَّة أيَّام المنصور ثمّ لابنه محمّد حيث كانا يتنقَّلان من بلد إلى بلد حسب زعم الإسماعيليَّة، لكان من المحتَّم مجيء اسمه في قائمة أصحاب الأهواء، كلُّ ذلك يدلُّ على أنَّ المذهب والحركة قد نشأت بعد لأْيٍ من الدهر(٢٤).
القسم الثاني:
ولكن الذي طرأ على هذه الفرقة بشكل ملفت للنظر هو اندماج ودخول جماعة من الباطنيِّين وهم جماعة الخطَّابيَّة وتلبُّسهم بهذه العقيدة، ممَّا أعطاها بُعداً تأويليّاً غيبيّاً باطنيّاً بشكلٍ خاصٍّ بحيث جُعِلَ أحد أهمّ محاورها - كعقيدة - هو البُعد التأويلي في جميع المعارف الإسلاميَّة على مستوى الأُصول أو الفروع، بل حتَّى تفاصيل الأحكام الشرعيَّة.
ودخلت هذه الفرقة بمرحلة ثانية تختلف كلّيّاً عن المرحلة الأُولى، فصار لها مُنظِّرون ودُعاة كثر، ونتيجةً ذلك أصبح لهم أتباع بكلِّ بقاع العالم الإسلامي وربَّما غيره أيضاً، واستفادت هذه الفرقة بشكل ملفت للنظر من العقيدة الاثني عشريَّة، ويمكن تصوُّر ذلك من خلال النقاط التالية:
١ - الإيمان بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
لا يعني ذلك أنَّهم آمنوا بشخص المهدي الذي آمنت واعتقدت به الفرقة الاثنا عشريَّة، فالأخيرة تعتقد بمهدويَّة الإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، وأنَّه وُلِدَ سنة (٢٥٥ أو ٢٥٦هـ)، وسيُظهره الله فيملأها قسطاً وعدلاً، أمَّا الإسماعيليَّة فقد اعتقدوا بمهدويَّة عبيد الله المهدي، والذي سمَّى نفسه (محمّداً)(٢٥)، وهو أوَّل إمام ظاهر بعد الأئمَّة المستورين، وقد أسَّس الدولة الفاطميَّة بالمغرب.
والملاحَظ أنَّ الذي أرسى له قواعد الحكم في المغرب هو الداعية الكبير - والذي من أوائل الدعاة للحركة الإسماعيليَّة - وهو أبو عبد الله الشيعي حيث يُنقَل أنَّه: (لـمَّا تمكَّن أبو عبد الله واستقرَّ أمره مهَّد الطريق لإمامة عبيد الله المهدي، فبعث برجال من كتامة إلى سلمية في أرض الشام، فقَدِموا على عبيد الله وأخبروه بما فتح الله عليه، وكان قد اشتهر هناك أنَّ الخليفة المكتفي طلبه، فخرج من سلَمية فارّاً ومعه ابنه أبو القاسم نزَّار، ومعهما أهلهما فأقاما بمصر مستقرِّين، ثمّ سار إلى طرابلس وقد سبقَ خبره إلى (زيادة الله) فسار إلى قسطيليَّة فقَدِمَ كتاب (زيادة الله) ابن الأغلب إلى عامل طرابلس بأخذ عبيد الله وقد فاتهم، فلم يُدركوه، فرحل إلى سجلماسة وأقام بها، فوافى عامله على سجلماسة كتاب زيادة الله، بالقبض على عبيد الله فلم يجد بُدّاً من أنْ قبض عليه وسجنه. فلمَّا دخل شهر رمضان سار أبو عبد الله من رقادة في جيوش عظيمة يريد سجلماسة، فحاربه اليسع يوماً كاملاً إلى الليل ثمّ فرَّ عاملها في خاصَّته، فدخل أبو عبد الله من الغد إلى البلد وأخرج عبيد الله وابنه ومشى في ركابهما بجميع رؤساء القبائل، وهو يقول للناس: هذا مولاكم، وهو يبكي من شدَّة الفرح حتَّى وصل بهما إلى فسطاط وأقاما فيها أربعين يوماً، ثمّ سار إلى إفريقيَّة في ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ونزل برقادة، وقسَّم على وجوه كتامة أعمال إفريقيَّة)(٢٦).
ومات مهدي الإسماعيليَّة (محمّد / عبد الله بن الحسين) في ليلة الثلاثاء منتصف شهر ربيع الأوَّل عن ثلاث وستِّين سنة، وكانت خلافته (٢٤ سنة).
٢ - الإيمان بالغيبة وأنَّه (عجَّل الله فرجه) حيٌّ مستتر:
لـمَّا أرادت الحركة الإسماعيليَّة التحرُّك واستلام السلطة والحكم عدلوا عن عقيدة الغيبة والإمام المستور إلى الإمام الظاهر، فبعد موت الأئمَّة المستورين عندهم - ومنهم إسماعيل وابنه محمّد وابنه أحمد ثمّ الحسين بن أحمد المتوفي سنة (٢٨٩هـ) - توجَّهوا إلى القول بالإمام المهدي الظاهر، وهو من ذكرناه سابقاً عبيد الله بن الحسين، (وقد سمَّى نفسه محمّداً ولقَّب نفسه بالمهدي، فتقمَّص أوصاف المهدي الذي أخبر به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ليتَّخذها وسيلةً لتحقيق مآربه، وأنَّه مفترض الطاعة)(٢٧).
وذلك بعد وفاة والده وعهده بالإمامة إليه، وقال له: إنَّك ستهاجر بعدي هجرة بعيدة...
وما قبل عبيد الله هم الأئمَّة المستورون عند الإسماعيليَّة، والذي يدلُّ عليه أنَّ القاضي النعمان(٢٨) وصفهم بالاستتار، وجعل مبدأ الظهور قيام عبيد الله الإمام المهدي، وإليك أبياته في أُرجوزته يقول:

واشتدَّت المحنة بعد جعفرِ * * * فانصرف الأمر إلى التستُّرِ
وكان قد أقام بعض ولدهِ * * * مقامه لـمَّا رأى من جلدهِ
فجعل الأمر له في سترِ * * * فلم يكن قالوا بذاك يدري
لخوفه عليه من أعدائهِ * * * إلَّا ثقات مخض أوليائهِ
وأهله الذين قد كانوا معهْ * * * فقام بالأمر وقاموا أربعهْ
لـمَّا مضى كلُّهم لصلبهِ * * * مستترين بعده بحسبهِ
قد دخلوا في جملة الرعيهْ * * * لشدَّة المحنة والرزيهْ
وكلُّهم له دعاء تسري * * * ودعوة في الناس كانت تجري

٣ - فكرة النيابة الخاصَّة بعنوان الدعاة أو الداعي:
أُعطي الداعي (النائب) منصباً عظيماً عند الفرقة الإسماعيليَّة يضاهي اعتقاد الاثني عشريَّة بالنائب الخاصِّ، بل ربَّما يفوقه بكثير بحيث إنَّ مخالفته ومعارضته تُعَدُّ - بالنسبة للإسماعيليَّة - مروقاً عن الدِّين، وخروجاً عن طاعة الإمام نفسه، لأنَّهم جعلوا العقيدة بالداعي من صلب العقيدة وحدودها(٢٩).
فهم من هذه الجهة اعتمدوا على الداعي أكثر بكثير من اعتماد الاثني عشريَّة على النائب، فإنَّ الأخيرة تعتمد على النوَّاب الأربعة في خصوص أُمور الدِّين وليس في شؤونهم الحياتيَّة الخاصَّة، خلافاً للإسماعيليَّة فإنَّهم اعتمدوا على الدعاة في أُمور دنياهم وأُخراهم وأُمور دينهم ومعاشهم، فلا تجوز مخالفتهم في كلِّ شيء.
وبطبيعة الحال توجد بعض الركائز والنقاط الأُخرى التي شابهت الحركة الإسماعيليَّة بها مع الاثني عشريَّة، وكذلك هناك بعض الفوارق في نفس الأُمور المشتركة، كما في الدعاة عند الإسماعيليَّة حيث إنَّهم أكثر من أربعة بكثير، بينما النوَّاب الخاصُّون أربعة فقط عند الاثني عشريَّة.
وهناك غيرها من أوجه الافتراق والتلاقي بين الطائفتين.
مضافاً لكلِّ هذا فإنَّ الحركة الإسماعيلية كان لها تنظيمها المركزي الخاصُّ والمنضبط بشكل دقيق حيث اعتمدوا على أهمّ ثلاث ركائز لتدعيم حركتهم، وهي:
١ - السرّيَّة والكتمان الشديد.
٢ - الفدائيُّون.
٣ - فرقة الاغتيالات.
ويمكن اعتبار الثاني والثالث واحداً، وهي موجَّهة لكلِّ شخص يتوجَّس منه الإسماعيليَّة خوفاً على حركتهم، سواء على المستوى الفكري أم العسكري، فقاموا باغتيال العديد من الشخصيَّات والأُمراء وأصحاب الفكر من الذين يعترضون طريق حركتهم.
ومن الطريف أنَّ الشريف الرضي أبدى خشيته منهم، وقلق من تنفيذهم الاغتيال بحقِّه حينما أصرَّ أبوه وأخوه أنْ يمضي ويُوقِّع مع بعض بني هاشم في صحيفة عدم انتساب الإسماعيليَّة إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في الحادثة المعروفة حينما كتب الرضي أبياتاً فيها تمجيد بالحُكَّام الفاطميِّين يقول فيها:

ما مقامي على الهوان وعندي * * * مقول صارم وأنف حمي
وإباء محلق بي عن الضيم * * * كما زاغ طائر وحشي
أيُّ عذر له إلى المجد إنْ * * * ذلَّ غلام في غمده المشرفي
أحمل الضيم في بلاد الأعادي * * * وبمصر الخليفة العلوي
مَن أبوه أبي ومولاه مولاي * * * إذا ضامني البعيد القصي
لفَّ عرفي بعرفة سيِّدا الناس * * * جميعاً محمّد وعلي

فأرسل الخليفة العبَّاسي (القادر) على أبيه وأخيه المرتضى، فأنكر النقيب أبو أحمد: أمَّا هذا الشعر فممَّا لم نسمعه منه، ولا رأيناه بخطِّه، ولا يبعد أنْ يكون بعضُ أعدائه نَحله إياه، وعزاه إليه.
فقال القادر: إنْ كان كذلك فلتكتب الآن محضراً يتضمَّن القدح في أنساب ولاة مصر، ويكتُب محمّد خطَّه فيه، فكتب محضراً بذلك، شهد فيه جميع من حضر المجلس، منهم: النقيب أبو أحمد، وابنه المرتضى، وحمل المحضر إلى الرضي ليكتب خطَّه فيه، حمله أبوه وأخوه، فامتنع من سطر خطِّه، وقال: لا أكتب، وأخاف دعاة صاحب مصر، وأنكر الشعر، وكتب خطَّه وأقسم فيه أنَّه ليس بشعره، وأنَّه لا يعرفه، فأجبره أبوه على أنْ يكتب خطَّه في المحضر، فلم يفعل، وقال: أخاف دعاة المصريِّين وغيلتهم لي فإنَّهم معروفون بذلك(٣٠).
ولا أدري هل أنَّ الشريف الرضي كان خائفاً فعلاً من اغتيال الإسماعيليِّين له، أم أنَّه قال ذلك حتَّى لا يُوقِّع على صحيفة القدح في نسب الفاطميِّين.
وقفة مع التنظيم الدعوي الإسماعيلي:
قلنا سابقاً: إنَّ الفرقة الإسماعيليَّة في عصرها الثاني وهو عصر الحركة والتبشير الدعوي لعقائدها وسعيها لاستلام الحكم وتأسيس الدولة، اعتمدت كلُّ الاعتماد على الدعاة، وكانت تختارهم من أذكى الناس وأمهرهم وأبرعهم في كثير من العلوم والمعارف، خصوصاً إذا لاحظنا أنَّ الحركة كانت تجابه بقسوة متناهية من كثير من الأطراف سواء العبَّاسيِّين أم السلاجقة أو غيرهم، لذا كان ولابدَّ من اعتماد تنظيم غاية في الخطورة والسرعة والفداء، يقول السبحاني:
(وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسُّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة بحيث لو قورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيَّة العصريَّة لفاقتها، وكانت لهم القدح المعلَّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب مبنيَّة على أُسُس مكينة مستوحاة من عقيدتها الصميمة.
ولقد برعوا براعة لا تُوصَف في تنظيم أجهزة الدعاية - على قلَّة الوسائل في ذلك العصر -، واستطاعوا أنْ يشرفوا بسرعة فائقة على أقاصي بقاع البلدان الإسلاميَّة، ويتنسَّمون أخبار أتباعهم في الأبعاد المتناهية، وذلك بما نظَّموا من أساليب وأحدثوا من وسائل، وقد كان للحمَّام الزاجل - الذي برع في استخدامه دعاة الإسماعيليَّة - أثره الفعَّال في تنظيم نقل الأخبار والمراسلات السرّيَّة الهامَّة)(٣١).
اللقاء بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) في غيبته:
كان لابدَّ لنا من الحديث عن قضيَّة اللقاء بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حتَّى يتَّضح لنا الأُسلوب العملي الذي كانت تعمل عليه الحركة الإسماعيليَّة من تقمُّص شخصيَّة الإمام (عجَّل الله فرجه)، سواء من قِبَل الدعاة أم من نفس المدَّعي للمهدوية كما سيأتي، فنقول:
ليس بإمكاننا الجزم بعدم حصول لقاء ما وتشرُّف ما بين صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه) وبين أحد الناس لمصلحة يراها الإمام (عجَّل الله فرجه) وحكمة قد تخفى علينا، وذلك لتظافر الروايات والنصوص على إمكانيَّة اللقاء به في عصر الغيبة الصغرى.
أمَّا في الغيبة الكبرى فقد تواترت القَصص والحكايات على وقوع اللقاء به والتشرُّف بحضرته، وإنَّنا وإنْ كنَّا نجزم أنَّ الكثير بل الأكثر من هذه التشرُّفات هي إمَّا من نسج الخيال والتوهُّم من قِبَل المتحدِّث، وإمَّا أنَّه التقى بأحد الأولياء والأبدال فظنَّ أنَّه صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه)، أو أنَّ مَن التقى به هو أحد الدجَّالين الذين تقمَّصوا شخصيَّة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأراد إيهام أتباعه أو مَن يريد جرَّه إلى وحل دجله ونفاقه(٣٢) كما سوف نستعرضه من بعض قَصص اللقاءات عند الحديث عن التحريف الإسماعيلي للعقيدة المهدويَّة.
ولكن وكما يقال: إنَّ كثرة القَصص وبعضها من كُبَّار الأعلام وأعيان الناس قد تولَّد العلم الإجمالي بصدق بعضها وإنْ كان أقلّ القليل، وهذا يكفي في إمكانيَّة الرؤية، بل وتحقُّقها في عصر الغيبتين.
شروط اللقاء بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
ولكن لابدَّ من التنبيه هنا على أمر بمكانٍ من الأهمّيَّة، وهو أنَّه لو سلَّمنا بحصول الرؤية والتشرُّف باللقاء، فإنَّ الأمر ليس بهذه البساطة والسهولة كما يظنُّه البعض أو يتخيَّله السُّذَّج، بل هو خاضع لشرطين مهمَّين أساسيَّين، هما:
أوَّلاً: أنْ تكون هناك مصلحة يُشخِّصها صاحب العصر (عجَّل الله فرجه).
ثانياً: أنْ لا تكون الرؤية معارضة لنظام الغيبة العامِّ وحكمة الاستتار، وإلَّا كان ذلك خلافاً لحكمة الغيبة، وكما يقال: (نقض الغرض) من فرض غيبته واستتاره.
ولذلك فإنَّ أيَّ حكايةٍ تخالف أحد هذين الشرطين وهذه السُّنَّة الإلهيَّة من إخفاء وليِّ الأمر (عجَّل الله فرجه) لابدَّ أنْ تخضع للمساءلة، وتُطرَح على ميزان التحليل العلمي لبيان أوجه الخلل فيها وعدم إمكانيَّة التصديق بها، أو على الأقلّ عدم الأخذ بها أخذ المسلَّمات.
نماذج من شدة الحذر عند اللقاء به (عجَّل الله فرجه):
وإليك أمثلة من بعض الروايات على شدَّة التوقِّي والحذر في بعض اللقاءات مع صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) التي لا تعارض شرطي الغيبة وسُنَّة الاختفاء:
- عَنْ أَبِي رَجَاءٍ المِصْرِيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي اَلطَّلَبِ بَعْدَ مُضِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِسَنَتَيْنِ لَمْ أَقِفْ فِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا كَانَ فِي اَلثَّالِثَةِ كُنْتُ بِالمَدِينَةِ فِي طَلَبِ وَلَدٍ لِأَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) بِصُرْيَاءَ، وَقَدْ سَأَلَنِي أَبُو غَانِمٍ أَنْ أَتَعَشَّى عِنْدَهُ، وَأَنَا قَاعِدٌ مُفَكِّرٌ فِي نَفْسِي وَأَقُولُ: لَوْ كَانَ شَيْءٌ لَظَهَرَ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ، فَإِذَا هَاتِفٌ أَسْمَعُ صَوْتَهُ وَلَا أَرَى شَخْصَهُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَصْرَ بْنَ عَبْدِ رَبِّهِ، قُلْ لِأَهْلِ مِصْرَ: آمَنْتُمْ بِرَسُولِ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) حَيْثُ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ نَصْرٌ: وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ اِسْمَ أَبِي، وَذَلِكَ أَنِّي وُلِدْتُ بِالمَدَائِنِ، فَحَمَلَنِي اَلنَّوْفَلِيُّ وَقَدْ مَاتَ أَبِي، فَنَشَأْتُ بِهَا، فَلَمَّا سَمِعْتُ اَلصَّوْتَ قُمْتُ مُبَادِراً، وَلَمْ أَنْصَرِفْ إِلَى أَبِي غَانِمٍ وَأَخَذْتُ طَرِيقَ مِصْرَ(٣٣).
- وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ [مُحَمَّدٍ خ ل] الجَعْفَرِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَجَاوَرْتُ بِمَكَّةَ تِلْكَ اَلسَّنَةَ وَمَا بَعْدَهَا إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ عَنْهَا مُنْصَرِفاً إِلَى اَلشَّامِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي بَعْضِ اَلطَّرِيقِ، وَقَدْ فَاتَتْنِي صَلَاةُ الفَجْرِ، فَنَزَلْتُ مِنَ اَلمَحْمِلِ وَتَهَيَّأْتُ لِلصَّلَاةِ، فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فِي مَحْمِلٍ، فَوَقَفْتُ أَعْجَبَ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: مِمَّ تَعْجَبُ؟ تَرَكْتَ صَلَاتَكَ وَخَالَفْتَ مَذْهَبَكَ. فَقُلْتُ لِلَّذِي يُخَاطِبُنِي: وَمَا عِلْمُكَ بِمَذْهَبِي؟ فَقَالَ: تُحِبُّ أَنْ تَرَى صَاحِبَ زَمَانِكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَوْمَأَ إِلَى أَحَدِ الأَرْبَعَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَهُ دَلَائِلَ وَعَلَامَاتٍ، فَقَالَ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَنْ تَرَى الجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ، أَوْ تَرَى اَلمَحْمِلَ صَاعِداً إِلَى اَلسَّمَاءِ؟ فَقُلْتُ: أَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ دَلَالَةٌ، فَرَأَيْتُ الجَمَلَ وَمَا عَلَيْهِ يَرْتَفِعُ إِلَى اَلسَّمَاءِ، وَكَانَ اَلرَّجُلُ أَوْمَأَ إِلَى رَجُلٍ بِهِ سُمْرَةٌ، وَكَانَ لَوْنُهُ اَلذَّهَبَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ سَجَّادَةٌ(٣٤).
- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اَلله الهَاشِمِيِّ مِنْ وُلْدِ العَبَّاسِ، قَالَ: حَضَرْتُ دَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِسُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ تُوُفِّيَ، وَأُخْرِجَتْ جَنَازَتُهُ وَوُضِعَتْ، وَنَحْنُ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلاً قُعُودٌ نَنْتَظِرُ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا غُلَامٌ عُشَارِيٌّ حَافٍ عَلَيْهِ رِدَاءٌ قَدْ تَقَنَّعَ بِهِ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ قُمْنَا هَيْبَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِفَهُ، فَتَقَدَّمَ وَقَامَ اَلنَّاسُ فَاصْطَفُّوا خَلْفَهُ، فَصَلَّى عَلَيْهِ وَمَشَى فَدَخَلَ بَيْتاً غَيْرَ اَلَّذِي خَرَجَ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله الهَمَدَانِيُّ: فَلَقِيتُ بِالمَرَاغَةِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ تَبْرِيزَ يُعْرَفُ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ اَلتَّبْرِيزِيِّ، فَحَدَّثَنِي بِمِثْلِ حَدِيثِ الهَاشِمِيِّ لَمْ يُخْرَمْ مِنْهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَسَالتُ الهَمَدَانِيَّ، فَقُلْتُ: غُلَامٌ عُشَارِيُّ القَدِّ أَوْ عُشَارِيُّ اَلسِّنِّ؟ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الوِلَادَةَ كَانَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَكَانَتْ غَيْبَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ (عليه السلام) سَنَةَ سِتَّةٍ وَمِائَتَيْنِ بَعْدَ الوِلَادَةِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، هَكَذَا سَمِعْتُ، فَقَالَ لِي شَيْخٌ مَعَهُ حَسَنُ الفَهْمِ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَهُ رِوَايَةٌ وَعِلْمٌ: عُشَارِيُّ القَدِّ(٣٥).
ولو لاحظنا قصة لقاء عليِّ بن مهزيار مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) لتلمَّسنا بشكل واضح شدَّة الاستتار والحذر في طريقة اللقاء.
التحريف المهدوي عند الطائفة الإسماعيليَّة:
كما ذكرنا في بداية البحث أنَّ الطابع العامَّ للحركات التي تدَّعي المهدويَّة هو بثُّ روايات مهدويَّة مجعولة من أجل تعزيز مكانتها ومصداقيَّتها في الأُمَّة، وهذا ما دأبت عليه الحركة الإسماعيليَّة أيضاً على غرار أخواتها من الحركات المنحرفة.
وسنستعرض شكلين من التحريف الإسماعيلي في حقِّ القضيَّة المهدويَّة:
الشكل الأوَّل: وضع النصوص وجعلها ممَّا يصبُّ في مصلحة العقيدة الإسماعيليَّة:
المثال الأوَّل:
تفسير بعض الآيات القرآنيَّة بما يخدم ويلائم معتقدهم كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ﴾ (الحجر: ٨٧).
حيث جاء في تفسير العيَّاشي: عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ رَفَعَهُ، قَالَ: سَالتُ أَبَا عَبْدِ اَللهِ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ اَللهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ﴾، قَالَ: «إِنَّ ظَاهِرَهَا الحَمْدُ وَبَاطِنَهَا وَلَدُ الوَلَدِ، وَاَلسَّابِعُ مِنْهَا القَائِمُ (عليه السلام)»(٣٦).
وكذلك عَنِ القَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِ اَللهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ﴾، قَالَ: «سَبْعَةُ أَئِمَّةٍ، وَالقَائِم (عليه السلام)»(٣٧).
والرواية الثالثة عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو الحَسَنِ (عليه السلام): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآنَ العَظِيمَ﴾، قَالَ: «لَمْ يُعْطِ الأَنْبِيَاءَ إِلَّا مُحَمَّداً (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَهُمُ اَلسَّبْعَةُ الأَئِمَّةُ اَلَّذِينَ يَدُورُ عَلَيْهِمْ الفَلَكُ، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)»(٣٨).
ولم يرتضِ علماؤنا هذا التفسير، وذلك لمخالفة ظاهره لما هو ثابت من عدد الأئمَّة (عليهم السلام)، وهم اثنا عشر إماماً باتِّفاق المسلمين، وهو صحيح الروايات الكثيرة بل المتواترة، فعَنْ عَبْدِ اَلسَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الهَرَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى اَلرِّضَا (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَلله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «... فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، وَمَنْ أَوْصِيَائِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، (إِنَّ) أَوْصِيَاءَكَ اَلمَكْتُوبُونَ عَلَى سَاقِ العَرْشِ، فَنَظَرْتُ - وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي - إِلَى سَاقِ العَرْشِ، فَرَأَيْتُ اِثْنَيْ عَشَرَ نُوراً، فِي كُلِّ نُورٍ سَطْرٌ أَخْضَرُ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ اِسْمُ كُلِّ وَصِيٍّ مِنْ أَوْصِيَائِي، أَوَّلُهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخِرُهُمْ مَهْدِيُّ أُمَّتِي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، أَهَؤُلاَءِ أَوْصِيَائِي مِنْ بَعْدِي؟ فَنُودِيتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَؤُلَاءِ أَوْلِيَائِي وَأَحِبَّائِي وَأَصْفِيَائِي وَحُجَجِي بَعْدَكَ عَلَى بَرِيَّتِي، وَهُمْ أَوْصِيَاؤُكَ وَخُلَفَاؤُكَ وَخَيْرُ خَلْقِي بَعْدَكَ...»(٣٩).
وعن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٤٠).
ولذا فقد استقرب العلَّامة المجلسي في بحاره أنْ تكون هذه الروايات من وضع الواقفة، حيث قال: (ولا يبعد أنْ تكون تلك الأخبار من روايات الواقفيَّة)(٤١).
ونحن وإنْ كنا لا نستبعد جعل الواقفة لهذه الروايات، لكنَّا نستقرب بشكل أكبر أنَّ هذا الأمر من عمل الإسماعيليَّة، وذلك أنَّهم اعتمدوا على سبعة أئمَّة وسمّوا بالسبعيَّة، حيث قال الشهرستاني في (الملل والنحل): إنَّ سبب تسميتهم بالسبعيَّة لأنَّهم قالوا: (إنَّ الأئمَّة تدور أحكامهم على سبعة سبعة كأيَّام الأُسبوع والسماوات السبع والكواكب السبعة)(٤٢).
والآية تقول: ﴿سَبْعاً مِنَ المَثَانِي﴾، فهم حاولوا تأويل كلِّ (سبع) إلى معتقدهم.
المثال الثاني: رايات المغرب:
يرى المرحوم الدكتور السيِّد عدنان البكَّاء أنَّ الكثير من الروايات التي تتحدَّث عن المغرب ومصر والشام هي من وضع الماكنة الإعلاميَّة للدولة الفاطميَّة الإسماعيليَّة، بل قبلها، وذلك من قِبَل الدعاة الإسماعيليِّين، فقال:
(وتذكر روايات أُخرى أبدال الشام، ونقباء مصر، ونجباء العراق.
وتذكر بعضها الرايات السود التي تأتي من خراسان.
ورأيي أنَّ كثيراً من هذه الروايات التي تذكر مُدُناً معيَّنة وصفات لرايات من وضع أنصار العبَّاسيِّين الذين ادَّعى فيهم محمّد بن عبد الله المنصور المهدويَّة، ولعلاقة ذلك بأبي مسلم الخراساني وما اختاروه من شعار السواد، أو من وضع أنصار الفاطميِّين في ما يتعلَّق بالروايات التي تذكر المغرب ومصر والشام، لعلاقة ذلك بدعوة عبد الله المهدي أوَّل الخلفاء الفاطميِّين ومحلِّ دعوته وملكه)(٤٣).
المثال الثالث: طلوع الشمس من مغربها:
جاء في العديد من الروايات أنَّ من علامات الساعة أنَّ الشمس تطلع من المغرب، كما في تفسير العيَّاشي: عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) في قوله: ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها﴾ [الأنعام: ١٥٨]، قال: «طُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنَ اَلمَغْرِبِ، وَخُرُوجُ اَلدَّابَّةِ، وَاَلدَّجَّالِ...»(٤٤).
وفي الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنِ الفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ اَلثُّمَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اَلله (عليه السلام): إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) كَانَ يَقُولُ: «خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنَ اَلمَغْرِبِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»، وَأَشْيَاءُ كَانَ يَقُولُهَا مِنَ اَلمَحْتُومِ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَلله (عليه السلام): «وَاِخْتِلَافُ بَنِي فُلَانٍ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَخُرُوجُ القَائِمِ مِنَ اَلمَحْتُومِ»(٤٥).
وفي الإرشاد: الفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): خُرُوجُ اَلسُّفْيَانِيِّ مِنَ اَلمَحْتُومِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَاَلنِّدَاءُ مِنَ اَلمَحْتُومِ، وَطُلُوعُ اَلشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مَحْتُومٌ، وَاِخْتِلَافُ بَنِي العَبَّاسِ فِي اَلدَّوْلَةِ مَحْتُومٌ، وَقَتْلُ اَلنَّفْسِ اَلزَّكِيَّةِ مَحْتُومٌ...»(٤٦).
وتُطرَح عدَّة احتمالات لبيان (طلوع الشمس من مغربها) في هذه الروايات، هي:
١ - المقصود بها على وجه الحقيقة، وهي من علامات الساعة خصوصاً، وأنَّ هناك تغيُّراً في الفلك مثل الكسوف والخسوف في غير وقتها في شهر رمضان.
أ - وإليه يشير ما روي عَنْ بَدْرِ بْنِ الخَلِيلِ الأَزْدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: «آيَتَانِ تَكُونَانِ قَبْلَ قِيَامِ القَائِمِ (عليه السلام) لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ إِلَى الأَرْضِ، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، والقَمَرُ فِي آخِرِه»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا بْنَ رَسُولِ الله، تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَالقَمَرُ فِي النِّصْفِ؟ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنِّي أَعْلَمُ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ (عليه السلام)»(٤٧).
ب - وكذا الرواية في البحار عن الإرشاد التي تقول: رَوَى أَبُو بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ القَائِمُ سَارَ إِلَى الكُوفَةِ فَهَدَمَ بِهَا أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ، وَلَمْ يَبْقَ مَسْجِدٌ عَلَى الأَرْضِ لَهُ شُرَفٌ إِلَّا هَدَمَهَا وَجَعَلَهَا جَمَّاءَ، وَوَسَّعَ اَلطَّرِيقَ الأَعْظَمَ، وَكَسَرَ كُلَّ جَنَاحٍ خَارِجٍ عَنِ اَلطَّرِيقِ، وَأَبْطَلَ الكُنُفَ وَاَلمَيَازِيبَ إِلَى اَلطُّرُقَاتِ، وَلَا يَتْرُكُ بِدْعَةً إِلَّا أَزَالَهَا، وَلَا سُنَّةً إِلَّا أَقَامَهَا، وَيَفْتَتِحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ وَاَلصِّينَ وَجِبَالَ اَلدَّيْلَمِ، فَيَمْكُثُ عَلَى ذَلِكَ سَبْعَ سِنِينَ، مِقْدَارُ كُلِّ سَنَةٍ عَشْرُ سِنِينَ مِنْ سِنِيكُمْ هَذِهِ، ثُمَّ يَفْعَلُ اَللهُ مَا يَشَاءُ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ تَطُولُ اَلسِّنُونَ؟ قَالَ: «يَأْمُرُ اَللهُ تَعَالَى الفَلَكَ بِاللُّبُوثِ، وَقِلَّةِ الحَرَكَةِ، فَتَطُولُ الأَيَّامُ لِذَلِكَ وَاَلسِّنُونَ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الفَلَكَ إِذَا تَغَيَّرَ فَسَدَ، قَالَ: «ذَلِكَ قَوْلُ اَلزَّنَادِقَةِ، فَأَمَّا اَلمُسْلِمُونَ فَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ شَقَّ اَللهُ القَمَرَ لِنَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وَرَدَّ اَلشَّمْسَ مِنْ قَبْلِهِ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ، وَأَخْبَرَ بِطُولِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَأَنَّهُ كَألفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ»(٤٨).
فمع كلِّ هذه المتغيِّرات فليس من البعيد ولا المستغرَب أنْ تتغيَّر جهة طلوع الشمس فتخرج من الغرب بدل الشرق.
٢ - المقصود بها المجاز، وهي ظهور صاحب العصر والزمان (عجَّل الله فرجه) بعد استتاره وغيبته، فعبَّر عن الغيبة بالغروب، وهذا المعنى لا مانع منه، وإليه يشير ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَهُوَ اَلشَّمْسُ اَلطَّالِعَةُ مِنْ مَغْرِبِهَا»(٤٩).
٣ - المقصود هو المعنى الحقيقي من كلمة (المغرب) والمجاز في كلمة (الشمس)، فهي تعني الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وخروجه من المغرب بنحو الحقيقة، وهذا التفسير الخاطئ دعا إليه وحاول نشره الإسماعيليَّة بكلِّ ماكنتهم الإعلاميَّة وانتشار دعاتهم في البلدان، وذلك بعد تمكُّنهم في المغرب العربي وتكوين دولتهم الفاطميَّة من قِبَل (عبيد الله بن الحسين) حيث لُقِّب بـ(محمّد المهدي).
وقد أشار إلى ذلك السيِّد المرحوم عدنان البكاء في كتابه (الإمام المهدي المنتظَر وأدعياء البابيَّة والمهدويَّة) حيث قال:
(وفي رواية عن حذيفة أنَّ المقصود بالشمس التي تخرج من مغربها هو الإمام نفسه (عجَّل الله فرجه)، وهو مجاز، ولا مانع منه، إلَّا أنَّ بعض الروايات لصراحتها بالمعنى الحقيقي للشمس، ولأنَّه ينافي ما ورد من مكان ظهور الإمام (عجَّل الله فرجه) في مكَّة، وقد أشاع هذا التفسير الإسماعيليُّون ليُطبِّقوه على المهدي الفاطمي الذي ظهر في المغرب)(٥٠).
ولا يخفى أنَّ خروج المهدي من المغرب مخالف لما ثبت بالتواتر واتِّفاق المسلمين على أنَّ خروجه من مكَّة المكرَّمة.
ونذكر روايتين فقط كشاهد على ما قلناه وإلَّا فالروايات كثيرة جدّاً:
١ - الفَضْلُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَيِّ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «كَأَنِّي بِالقَائِمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ اَلسَّبْتِ قَائِماً بَيْنَ اَلرُّكْنِ وَاَلمَقَامِ، بَيْنَ يَدَيْهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يُنَادِي: البَيْعَةَ لِله، فَيَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٥١).
٢ - عَنْ عَلِيٍّ [(عليه السلام)]، قَالَ: «إِذَا هَزَمَتِ اَلرَّايَاتُ اَلسُّودُ خَيْلَ اَلسُّفْيَانِيِّ اَلَّتِي فِيهَا شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ تَمَنَّى اَلنَّاسُ اَلمَهْدِيَّ فَيَطْلُبُونَهُ، فَيَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ اَلله [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَيْأَسَ اَلنَّاسُ مِنْ خُرُوجِهِ لِمَا طَالَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَلَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ اِنْصَرَفَ، فَقَالَ: أَيُّهَا اَلنَّاسُ، أَلَحَّ البَلاَءُ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ [(صلّى الله عليه وآله وسلَّم)]، وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً، قُهِرْنَا وَبُغِيَ عَلَيْنَا»(٥٢).
المثال الرابع:
يُذكر أنَّ أبا عبد الله الشيعي، وكان من أكابر الدعاة للحركة الإسماعيليَّة ولمحمّد المهدي الإسماعيلي في المغرب، أنَّه ذهب مع حجَّاج من أهل كتامة واختلط معهم في مكَّة المكرَّمة (فلمَّا قاربوا بلادهم لقيهم رجال من الشيعة فأخبروهم بخبره، فرغبوا في نزوله عندهم، واقترعوا فيمن يُضيِّفه منهم، ثمّ رحلوا حتَّى وصلوا إلى أرض كتامة منتصف شهر ربيع الأوَّل سنة ثمانين ومائتين، فسأله قوم منهم أنْ ينزل عندهم حتَّى يقاتلوا دونه، فقال لهم: أين يكون فجُّ الأخيار؟ فتعجَّبوا من ذلك ولم يكونوا ذكروه له، فقالوا له: عند بني سليان، فقال: إليه نقصد، ثمّ نأتي كلَّ قوم منكم في ديارهم ونزورهم في بيوتهم، فأرضى بذلك الجميع.
وسار إلى جبل يقال له: إنكجان، وفيه فجُّ الأخيار، فقال: هذا فجُّ الأخيار، وما سُمِّي إلَّا بكم، ولقد جاء في الآثار: أنَّ للمهدي هجرة تنبو عن الأوطان، ينصره فيها الأخيار من أهل ذلك الزمان، قوم مشتقٌّ اسمهم من الكتمان، فإنَّهم كتامة، وبخروجكم من هذا الفجِّ يُسمَّى فجُّ الأخيار)(٥٣).
الشكل الثاني: تزوير وتقمّص الشخصية المهدوية:
الشكل الثاني لبيان تحريف الفرقة الإسماعيليَّة للعقيدة المهدويَّة لم يكن بزرع النصوص وجعلها ومن ثَمَّ نشرها في الأُمَّة كما في الشكل الأوَّل، وإنَّما كان التحريف بتجسيد شخصيَّة مهدويَّة مزوَّرة وعرضها على الناس والإشارة إلى هذه الشخصيَّة بأنَّه هو المهدي، وذلك من أجل توسيع انتشار حركتهم وكسب أكبر عدد ممكن من الأتباع، وهذا الشكل أكثر تأثيراً من الأوَّل، وذلك لوضوح أنَّ المهدي المجمع عليه بين الطوائف الشيعيَّة أنَّه غائب مستتر، وظهوره لبعض من الأشخاص أو لمجموعة يُعطي شرفيَّة خاصَّة وإيماناً أكثر لمن يؤمن بهذه العقيدة بشكلٍ عامٍّ.
رواية الشيخ الصدوق عن لقاء بعضهم مع الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
وإليك نموذجاً نستقرب أنْ يكون من صناعة الدعاة للحركة الإسماعيليَّة، وهي رواية الصدوق والشيخ الطوسي (أعلى الله مقاميهما):
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ الهَمَدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو القَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ العَلَوِيُّ الرَّقِّيُّ العُرَيْضِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ العَقِيقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو نُعَيْمٍ الأَنْصَارِيُّ الزَّيْدِيُّ، قَالَ:‏ كُنْتُ بِمَكَّةَ عِنْدَ المُسْتَجَارِ وَجَمَاعَةً مِنَ المُقَصِّرَةِ وَفِيهِمُ المَحْمُودِيُّ وَعَلَّانٌ الكُلَيْنِيُّ وَأَبُو الهَيْثَمِ الدِّينَارِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الأَحْوَلُ الهَمْدَانِيُّ، وَكَانُوا زُهَاءَ ثَلَاثِينَ رَجُلاً، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُخْلِصٌ عَلِمْتُهُ غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ القَاسِمِ العَلَوِيِّ العَقِيقِيِّ، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ فِي اليَوْمِ السَّادِسِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الهِجْرَةِ، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَابٌّ مِنَ الطَّوَافِ عَلَيْهِ إِزَارَانِ مُحْرِمٌ [بِهِمَا]، وَفِي يَدِهِ نَعْلَانِ، فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ قُمْنَا جَمِيعاً هَيْبَةً لَهُ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا قَامَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَعَدَ وَالتَفَتَ يَمِيناً وَشِمَالاً، ثُمَّ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) يَقُولُ فِي دُعَاءِ الإلحَاحِ؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ، وَبِهِ تَقُومُ الأَرْضُ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ الحَقِّ وَالبَاطِلِ، وَبِهِ تَجْمَعُ بَيْنَ المُتَفَرِّقِ، وَبِهِ تُفَرِّقُ بَيْنَ المُجْتَمِعِ، وَبِهِ أَحْصَيْتَ عَدَدَ الرِّمَالِ، وَزِنَةَ الجِبَالِ، وَكَيْلَ البِحَارِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَ لِي مِنْ أَمْرِي فَرَجاً وَمَخْرَجاً».
ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ، فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ حِينَ انْصَرَفَ، وَأُنْسِينَا أَنْ نَقُولَ لَهُ: مَنْ هُوَ؟ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ خَرَجَ عَلَيْنَا مِنَ الطَّوَافِ، فَقُمْنَا كَقِيَامِنَا الأَوَّل بِالأَمْسِ، ثُمَّ جَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ مُتَوَسِّطاً، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ بَعْدَ صَلَاةِ الفَرِيضَةِ؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِلَيْكَ رُفِعَتِ الأَصْوَاتُ، و[دُعِيَتِ الدَّعَوَاتُ]، وَلَكَ عَنَتِ الوُجُوهُ، وَلَكَ خَضَعَتِ الرِّقَابُ، وَإِلَيْكَ التَّحَاكُمُ فِي الأَعْمَالِ، يَا خَيْرَ مَسْؤُولٍ وَخَيْرَ مَنْ أَعْطَى، يَا صَادِقُ يَا بَارِئُ، يَا مَنْ‏ لا يُخْلِفُ المِيعادَ، يَا مَنْ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ وَتَكَفَّلَ بِالإِجَابَةِ، يَا مَنْ قَالَ:‏ ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠]، يَا مَنْ قَالَ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦]، يَا مَنْ قَالَ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣]».
ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً بَعْدَ هَذَا الدُّعَاءِ، فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا كَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ؟»، قُلْنَا: وَمَا كَانَ يَقُولُ؟ قَالَ: «كَانَ يَقُولُ: يَا مَنْ لَا يَزِيدُهُ الحَاحُ المُلِحِّينَ إِلَّا جُوداً وَكَرَماً، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، يَا مَنْ لَهُ خَزَائِنُ مَا دَقَّ وَجَلَّ، لَا تَمْنَعُكَ إِسَاءَتِي مِنْ إِحْسَانِكَ إِلَيَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَفْعَلَ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ، وَأَنْتَ أَهْلُ الجُودِ وَالكَرَمِ وَالعَفْوِ، يَا رَبَّاهْ يَا اللهُ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَأَنْتَ قَادِرٌ عَلَى العُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتَحْقَقْتُهَا، لَا حُجَّةَ لِي وَلَا عُذْرَ لِي عِنْدَكَ، أَبُوءُ إِلَيْكَ بِذُنُوبِي كُلِّهَا، وأَعْتَرِفُ بِهَا كَيْ تَعْفُوَ عَنِّي، وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهَا مِنِّي، بُؤْتُ إِلَيْكَ بِكُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ، وَبِكُلِّ خَطِيئَةٍ أَخْطَأْتُهَا، وَبِكُلِّ سَيِّئَةٍ عَمِلْتُهَا، يَا رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الأَعَزُّ الأَكْرَمُ».
وَقَامَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ فَقُمْنَا لِقِيَامِهِ، وَعَادَ مِنْ غَدٍ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ، فَقُمْنَا لِاسْتِقْبَالِهِ كَفِعْلِنَا فِيمَا مَضَى، فَجَلَسَ مُتَوَسِّطاً وَنَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، فَقَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ سَيِّدُ العَابِدِينَ (عليه السلام) يَقُولُ فِي سُجُودِهِ فِي هَذَا المَوْضِعِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الحِجْرِ نَحْوَ المِيزَابِ -: عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ، مِسْكِينُكَ بِبَابِكَ، أَسْأَلُكَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ سِوَاكَ»، ثُمَّ نَظَرَ يَمِيناً وَشِمَالاً، وَنَظَرَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ القَاسِمِ العَلَوِيِّ، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدَ بْنَ القَاسِمِ، أَنْتَ عَلَى خَيْرٍ إِنْ شَاءَ اللهُ»، وَقَامَ فَدَخَلَ الطَّوَافَ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنَّا إِلَّا وَقَدْ تَعَلَّمَ مَا ذَكَرَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَ[أُ]نْسِينَا أَنْ نَتَذَاكَرَ أَمْرَهُ إِلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ، فَقَالَ لَنَا المَحْمُودِيُّ: يَا قَوْمِ، أَتَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: هَذَا وَاللهِ صَاحِبُ الزَّمَانِ (عليه السلام)، فَقُلْنَا: وَكَيْفَ ذَاكَ يَا أَبَا عَلِيٍّ؟ فَذَكَرَ أَنَّهُ مَكَثَ يَدْعُو رَبَّهُ (عزَّ وجلَّ) وَيَسْأَلُهُ أَنْ يُرِيَهُ صَاحِبَ الأَمْرِ سَبْعَ سِنِينَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ، فَإِذَا بِهَذَا الرَّجُلِ بِعَيْنِهِ، فَدَعَا بِدُعَاءٍ وَعَيْتُهُ، فَسَألتُهُ مِمَّنْ هُوَ، فَقَالَ: «مِنَ النَّاسِ»، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ النَّاسِ مِنْ عَرَبِهَا أَوْ مَوَالِيهَا؟ فَقَالَ: «مِنْ عَرَبِهَا»، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ عَرَبِهَا؟ فَقَالَ: «مِنْ أَشْرَفِهَا وَأَشْمَخِهَا»، فَقُلْتُ: وَمَنْ هُمْ؟ فَقَالَ: «بَنُو هَاشِمٍ»، فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟ فَقَالَ: «مِنْ أَعْلَاهَا ذِرْوَةً وَأَسْنَاهَا رِفْعَةً»، فَقُلْتُ: وَمِمَّنْ هُمْ؟ فَقَالَ: «مِمَّنْ فَلَقَ الهَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»، فَقُلْتُ: إِنَّهُ عَلَوِيٌّ، فَأَحْبَبْتُهُ عَلَى العَلَوِيَّةِ، ثُمَّ افْتَقَدْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ مَضَى فِي السَّمَاءِ أَمْ فِي الأَرْضِ، فَسَالتُ القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَهُ: أَتَعْرِفُونَ هَذَا العَلَوِيَّ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ يَحُجُّ مَعَنَا كُلَّ سَنَةٍ مَاشِياً، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ وَاللهِ مَا أَرَى بِهِ أَثَرَ مَشْيٍ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَى المُزْدَلِفَةِ كَئِيباً حَزِيناً عَلَى فِرَاقِهِ، وَبِتُّ فِي لَيْلَتِي تِلْكَ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، رَأَيْتَ طَلِبَتَكَ؟ فَقُلْتُ: وَمَنْ ذَاكَ يَا سَيِّدِي؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي عَشِيَّتِكَ فَهُوَ صَاحِبُ زَمَانِكُمْ. فَلَمَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْهُ عَاتَبْنَاهُ عَلَى أَلَّا يَكُونَ أَعْلَمَنَا ذَلِكَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ نَاسِياً أَمْرَهُ إِلَى وَقْتِ مَا حَدَّثَنَا.
وحدَّثنا بهذا الحديث عمَّار بن الحسين بن إسحاق الأسروشني (رضي الله عنه) بجبل بوتك من أرض فرغانة، قال: حدَّثني أبو العبَّاس أحمد بن الخضر، قال: حدَّثني أبو الحسين محمّد بن عبد الله الإسكافي، قال: حدَّثني سُلَيم، عن أبي نعيم الأنصاري، قال: كنت بالمستجار بمكَّة أنا وجماعة من المقصِّرة فيهم المحمودي وعلَّان الكليني، وذكر الحديث مثله سواء.
وحدَّثنا أبو بكر محمّد بن محمّد بن عليِّ بن محمّد بن حاتم، قال: حدَّثنا أبو الحسين عبيد الله بن محمّد بن جعفر القصباني البغدادي، قال: حدَّثني أبو محمّد عليُّ بن محمّد بن أحمد بن الحسين الماذرائي، قال: حدَّثنا أبو جعفر محمّد بن عليٍّ المنقذي الحسني بمكَّة، قال: كنت جالساً بالمستجار وجماعة من المقصِّرة وفيهم المحمودي، وأبو الهيثم الديناري، وأبو جعفر الأحول، وعلَّان الكليني، والحسن بن وجناء، وكانوا زهاء ثلاثين رجلاً، وذكر الحديث مثله سواء(٥٤).
وقريب منها جدّاً رواها الشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)(٥٥).
والحادثة رُويت بأربعة طُرُق مختلفة ممَّا يبعث على الاطمئنان بوقوعها، بغضِّ النظر عن صحَّة أسانيدها المختلفة.
نظرة تحليليَّة علميَّة في الرواية:
المتأمِّل في هذه الرواية يجد فيها الكثير من المؤشِّرات على ما قلناه سابقاً من استغلال قضيَّة غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من قِبَل الطائفة الإسماعيليَّة لكسب الأتباع لحركتهم والترويج لها، وذلك من خلال النقاط التالية:
١ - أنَّ هذا الظهور والاستعراض المسرحي وبهذه الكيفيَّة العلنيَّة ولمدَّة ثلاثة أيَّام متوالية في نفس التوقيت ولمجموعة كبيرة من الناس المختلفة في المذاهب إنْ لم يكن أكثرهم من غير الشيعة كما تدلُّ عليه بعض نصوص الرواية مضافاً إلى أنَّ جميع الطائفين في البيت الحرام وغيرهم كانوا يشاهدون هذا الأمر وهذا اللقاء.
أقول: إنَّ كلَّ ذلك مخالف تماماً مع أسباب الغيبة وعللها، ومتعارض مع المنهجيَّة المتَّبعة لحركة الإمام الخفيَّة كما ذكرنا بعض الروايات فيما سبق.
فالإمام وأتباعه يعيشون هذه الأجواء المكثَّفة من التقيَّة، وكما نقل الشيخ الطوسي في غيبته: (... لأنَّ الأمر كان حادّاً جدّاً في زمن المعتضد، والسيف يقطر دماً كما يقال)(٥٦).
فأين الحذر؟ وأين الاحتياط؟ بل ما هي الغاية في هذا الظهور غير المبرَّر؟ نعم كان للإمام (عجَّل الله فرجه) ظهور في مثل هذا الجمع أو يزيد ولكن كان في ظرف أُجبر عليه ولمرَّة واحدة، وذلك حين الصلاة على جثمان أبيه الإمام العسكري (عليه السلام) كما يذكر النصُّ: (...فَلَمَّا صِرْنَا فِي اَلدَّارِ إِذَا نَحْنُ بِالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (صَلَوَاتُ اَلله عَلَيْهِ) عَلَى نَعْشِهِ مُكَفَّناً، فَتَقَدَّمَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ لِيُصَلِّيَ عَلَى أَخِيهِ، فَلَمَّا هَمَّ بِالتَّكْبِيرِ خَرَجَ صَبِيٌّ بِوَجْهِهِ سُمْرَةٌ بِشَعْرِهِ قَطَطٌ بِأَسْنَانِهِ تَفْلِيجٌ فَجَبَذَ بِرِدَاءِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ: «تَأَخَّرْ يَا عَمِّ، فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِي»، فَتَأَخَّرَ جَعْفَرٌ وَقَدِ اِرْبَدَّ وَجْهُهُ وَاِصْفَرَّ، فَتَقَدَّمَ اَلصَّبِيُّ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْرِ أَبِيهِ (عليهما السلام)...)(٥٧).
فهنا يمكن أنْ نتفهَّم سبب ظهوره (عجَّل الله فرجه) المفاجئ واختفائه بسرعة أيضاً بعد أداء الصلاة، باعتبار أنَّ المعصوم لا يلي أمره إلَّا المعصوم، مضافاً إلى دفع شبهة إمامة عمِّه جعفر إذا صلَّى هو على جثمان أخيه.
٢ - حدوث هذه الواقعة بتاريخ (٢٩٢هـ) وهو متناسق مع الحملة التبليغيَّة للحركة الإسماعيليَّة في عصر الغيبة الصغرى كما مرَّ سابقاً.
وهو الجوُّ المناسب لمثل هذه الأحداث حيث إنَّ أكبر طائفة شيعيَّة وهم الاثنا عشريَّة وصلوا إلى زمن الغيبة وآمنوا بغيبة الإمام الثاني عشر، فكان بالإمكان استقطاب بعض الأتباع من هذه الطائفة من خلال هذه الأُطروحات المغلفة والمبهمة بالمهدويَّة والغيبة، وهذا ما نجده في أمثال (الحسن بن الصباح)، حيث كان اثني عشريّاً ثمّ تحوَّل إلى الإسماعيليَّة، ولا نعلم إنْ كان على قناعة بذلك أم غرَّه الجاه والمال والمنصب.
وهكذا ما يذكره الكليني في (الكافي الشريف) عَنِ الحَسَنُ بْنُ الفَضْلِ بْنِ زَيْدٍ اليَمَانِيُّ، قَالَ: كَتَبَ أَبِي بِخَطِّه كِتَاباً فَوَرَدَ جَوَابُه، ثُمَّ كَتَبْتُ بِخَطِّي فَوَرَدَ جَوَابُه، ثُمَّ كَتَبَ بِخَطِّهِ رَجُلٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِنَا فَلَمْ يَرِدْ جَوَابُه، فَنَظَرْنَا فَكَانَتِ العِلَّةُ أَنَّ الرَّجُلَ تَحَوَّلَ قَرْمَطِيّاً(٥٨).
٣ - أنَّ هذا الاستعراض بهذه الكيفيَّة يحتاج إلى تأمُّل، فيا ترى لماذا يخرج إليهم هذا الشابُّ ولمدَّة ثلاثة أيَّام متوالية وهو في ثوب الإحرام، فهل يا ترى أنَّه لم ينتهِ من عمرة التمتُّع لمدَّة ثلاثة أيَّام وهذا مستحيل عادةً، أم كان يعتمر عمرة مفردة وهو محرَّم عند الطائفة الشيعيَّة إلَّا مرَّة واحدة في الشهر(٥٩)؟ وهذه أيضاً لا تحتاج إلى فترة ثلاثة أيَّام، بل تنتهي في ساعات في يوم واحد.
٤ - أنَّ ما ذكره هذا الشابُّ في هذا اللقاء ولمدَّة ثلاثة أيَّام كما تنصُّ الرواية، لم يكن شيئاً جديداً على الشيعة، بل لا يستدعي خرق نظام الغيبة وتعريض نفسه - لو كان هو الإمام (عجَّل الله فرجه) - لخطر انكشاف أمره، حيث نجد أنَّ ما ذكره لا يعدو كونه دعاءً للأئمَّة (عليهم السلام)، وبعض ما ذكره ليس جديداً، بل هو دعاء مأثور عن الإمام الصادق (عليه السلام) منتشر بين الشيعة، والراوي له هو محمّد بن مسلم، وهو ما يُسمَّى بدعاء (الإلحاح).
٥ - أنَّ الراوي لهذه الحادثة يشير إلى مهدويَّة الرجل الشابِّ فقط وليس إلى نسبه، وهذا ممَّا يُعطي انطباعاً أنَّه لا يقصد الإمام الحجَّة بن الحسن العسكري (عجَّل الله فرجه)، وإنَّما يحاول إعطاء صفة مهدويَّة للرجل بغضِّ النظر عن نسبه، وهذا هو ما يريده أصحاب الحركة الإسماعيليَّة.
٦ - من الملاحَظ أيضاً أنَّ الرجل ولمدَّة ثلاثة أيَّام يحضر اجتماع مجموعة كبيرة من الحجَّاج، ولم يذكر لهم ما أُثِرَ عن الأئمَّة (عليهم السلام) بعد الإمام الصادق (عليه السلام)، ممَّا يُشكِّل انطباعاً أنَّه لا يؤمن بإمامة الكاظم (عليه السلام) ومن بعده (عليهم السلام)، وهذا هو ما تؤمن به الفرقة الإسماعيليَّة.
٧ - ولعلَّ كثرة التفاته يميناً وشمالاً - في كلِّ جلسة مرَّتين - فيه قرينة وإشارة إلى توجُّس الرجل من عيون النظام العبَّاسي، إذ كان الدعاة ملاحَقين من قِبَل أزلام النظام آنذاك.
وهناك نماذج أُخرى من اللقاءات التي نستقرب افتعالها من قِبَل الحركة الإسماعيليَّة ذُكِرَت في مصادرنا نشير فقط لبعضها حذراً من التطويل أوَّلاً، ولأنَّ الفكرة يتمُّ إيصالها ولو بتسليط الضوء على مفردة واحدة فقط وهو ما قمنا به.
الرواية الثانية:
لقاء أبي سورة الزيدي مع رسول الخلف (عجَّل الله فرجه)(٦٠).
الرواية الثالثة:
عن عليِّ بن إبراهيم الفدكي، عن الأودعي (الأزدي)(٦١).
الخلاصة:
أنَّ الحركة الإسماعيليَّة كغيرها من الحركات المهدويَّة المنحرفة حاولت وبشتَّى الطُّرُق الاستفادة من العقيدة المهدويَّة لصالح ما تؤمن به، فعملت على وضع الأحاديث التي تُؤيِّد معتقدهم، كما صنعت سيناريوهات مزيَّفة في اللقاء بالمهدي لتكون أقوى جاذبيَّة للمحبِّين والأتباع، وقد أخذها الأعلام وسطروها في كُتُبهم، ولا أستبعد أنْ يكون ذلك من باب المؤيِّدات والمؤشِّرات على صحَّة أصل العقيدة وليس من باب أنَّهم (رضي الله عنهم) آمنوا فعلاً بصحَّة مثل هذه اللقاءات.

والحمد لله ربِّ العالمين

الهوامش:

(١) نهج البلاغة (ص ٨١/ ح ٣٨).
(٢) فرقة قالت بإمامة أبي القاسم محمّد بن أمير المؤمنين (عليه السلام) ابن خولة الحنفيَّة، وزعموا أنَّه هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت ظلماً وجوراً، وأنَّه حيٌّ لم يمت ولا يموت حتَّى يُظهِر الحقَّ.
(٣) اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٠٣ و٦٠٤/ ح ٥٧٠).
(٤) بنو أُميَّة، هم الفرع الثاني من قريش، حكموا في الدولة الإسلاميَّة قرابة قرنٍ، واتَّخذوا من الشام مقرّاً لهم، ومن دمشق عاصمة لدولتهم، وكانت فترة حكمهم ما بين عام (٤١هـ/ ٦٦١ م) إلى (١٣٢هـ/ ٧٥٠ م)، كما أنَّهم أسَّسوا لاحقاً دولة في الأندلس عاصمتها قرطبة. أوَّل ملوكهم معاوية بن أبي سفيان، وآخرهم مروان الحمار.
(٥) دلائل النبوَّة (ج ٦/ ص ٤٩٢).
(٦) الفتن لنعيم بن حمَّاد (٦٧).
(٧) طبقات ابن سعد (ج ٥/ ص ٣٣١).
(٨) الدولة العبَّاسيَّة (١٣٢ - ٦٥٦هـ)، هي إحدى أشهر السلالات التي حكمت أغلب المناطق الإسلاميَّة لأكثر من خمسة قرون، وبدأت هذه الدولة مع زوال الحكم الأُموي إثر سخط الأُمَّة الإسلاميَّة عليها، ومع هجوم المغول على الأراضي الإسلاميَّة قُضِيَ عليها. أوَّل خلفائهم أبو العبَّاس السفَّاح، وآخرهم المستعصم بالله.
(٩) تاريخ بغداد (ج ١/ ص ٨٤ و٨٥).
(١٠) الموضوعات لابن الجوزي (ج ٢/ ص ٣٧).
(١١) العلل المتناهية (ج ٢/ ص ٣٧٣/ ح ١٤٣١).
(١٢) حركة قامت بقيادة محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب المشهور بالنفس الزكيَّة ضدَّ الحكم العبَّاسي حيث أعلن محمّد النفس الزكيَّة عن دعوته في جمادى الآخرة، وسيطر على المدينة، فأرسل المنصور العبَّاسي جيشاً كبيراً إلى المدينة وحاصرها، وقُتِلَ محمّد النفس الزكيَّة بعد قتال عظيم عند أحجار الزيت يوم الاثنين لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة (١٤٥هـ)، ودُفِنَ بالبقيع.
(١٣) المصنَّف لابن أبي شيبة (ج ٨/ ص ٦٧٨/ ح ١٩٣).
(١٤) تاريخ بغداد (ج ١/ ص ٣٧٠).
(١٥) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص ٢٢٧).
(١٦) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص ٢٢٧).
(١٧) مقاتل الطالبيِّين (ص ١٦٤).
(١٨) فرقة أنكرت قتل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وقالت: مات ورفعه الله إليه وإنَّه يردُّه عند قيامه، فسمُّوا هؤلاء جميعاً الواقفة لوقوفهم على موسى بن جعفر وادِّعاء أنَّه الإمام القائم، ولم يأتمُّوا بعده بإمام، ولم يتجاوزوه إلى غيره. راجع: فِرَق الشيعة (ص ٨١).
(١٩) الغيبة للطوسي (ص ٤٣/ ح ٢٥).
(٢٠) الغيبة للطوسي (ص ٤٥/ ح ٢٧).
(٢١) الغيبة للطوسي (ص ٤٦/ ح ٣٠).
(٢٢) لم أجد ترجمته.
(٢٣) هو أبو عبد الله محمّد بن عبد الله المنصور بن محمّد بن عليٍّ المهدي بالله، ثالث خلفاء الدولة العبَّاسيَّة بالعراق، وُلِدَ بإيذج من كور الأهواز عام (١٢٧هـ)، وتُوفِّي بماسبذان، أُمُّه هي أُمُّ موسى بنت منصور الحميريَّة، ولي الخلافة بعد أبيه أبي جعفر المنصور عام (١٥٨هـ)، وتُوفِّي عام (١٦٩هـ)، وكانت مدَّة خلافته عشر سنين وشهراً.
(٢٤) بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ٨٥) بتصرُّف.
(٢٥) هو عبيد الله الملقَّب المهدي الإمام السادس للإسماعيليَّة، وُلِدَ بسلمية التي هي بلدة بالشام من أعمال حمص عام (٢٥٩ أو ٢٦٠هـ)، ودُعِيَ له بالخلافة على منابر رقادة والقيروان يوم الجمعة لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة (٢٨٩هـ)، فخرجت بلاد المغرب عن ولاية بني العبَّاس، وبنى البلدة المعروفة بـ (المهديَّة)، وتُوفّي بها عام (٣٢٢هـ). راجع: بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ١٠٧).
(٢٦) بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ١١٤).
(٢٧) بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ١١٦).
(٢٨) هو النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيُّون التميمي، ويقال له: القاضي النعمان، واشتهر بأبي حنيفة كي يضاهي به الفاطميُّون أبا حنيفة النعمان فقيه الدولة العبَّاسيَّة، لم يُعرَف سنة ميلاده وإنْ كان هناك ما يُرجِّح أنَّه وُلِدَ في أواخر القرن الثالث للهجرة، قَدِمَ مع المعزِّ لدين الله إلى مصر سنة (٣٦٢هـ)، وهو كبير قضاته، وتُوفِّي بها سنة (٣٦٣هـ).
(٢٩) راجع بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ١٠).
(٣٠) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج ١/ ص ٣٧ و٣٨).
(٣١) بحوث في الملل والنحال (ج ٨/ ص ٩ و١٠).
(٣٢) وهو ما ادَّعاه من أهل السُّنَّة بعض أهل الكشف من الصوفيَّة، وقد ذكر الشيخ الشعراني أنَّ جماعة رأوه، بل بايعوه، وسمَّى بعضهم كالشيخ حسن العراقي. [اليواقيت والجواهر: ج ٢/ ص ٥٦٢/ المبحث ٦٥].
ونقل الشيخ سليمان القندوزي الحنفي المتوفَّى سنة (١٢٩٤هـ)، وهو من شيوخ النقشبنديَّة أنَّه قال في كتابه (الأنوار القدسيَّة): (إنَّ بعض مشايخنا قال: نحن بايعنا المهدي (عليه السلام) بدمشق الشام، وكنَّا عنده سبعة أيَّام). [ينابيع المودَّة: ج ٣/ ص ٣٤٦].
وروى الشيخ سليمان أيضاً أنَّ الشيخ عبد اللطيف الحلبي حدَّثه سنة (١٢٧٣هـ) أنَّ أباه الشيخ إبراهيم - وهو من كبار مشايخ حلب على الطريقة القادريَّة - قال: (سمعت بعض مشايخي من مشايخ مصر يقول: بايعنا الإمام المهدي (عليه السلام)). [ينابيع المودَّة: ج ٣/ ص ٣٤٦].
وهو كما ترى إذ لا يخلو هذا اللقاء من أحد الاحتمالات الثلاثة التي ذكرناها.
(٣٣) كمال الدِّين (ص ٤٩١ و٤٩٢/ باب ٤٥/ ح ١٥).
(٣٤) الغيبة للشيخ الطوسي (ص ٢٥٧ و٢٥٨/ ح ٢٢٥).
(٣٥) الغيبة للشيخ الطوسي (ص ٢٥٨ و٢٥٩/ ح ٢٢٦).
(٣٦) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢٥٠/ ح ٣٧).
(٣٧) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢٥٠/ ح ٣٩).
(٣٨) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢٥١/ ح ٤١).
(٣٩) كمال الدِّين (ص ٢٥٤ - ٢٥٦/ باب٢٣/ ح ٤).
(٤٠) مسند أحمد (ج ٣٤/ ص ٤٣٩ و٤٤٠/ ح ٢٠٨٦٠).
(٤١) بحار الأنوار: ج٢٤، ص١١٧.
(٤٢) الملل والنحل (ج ١/ ص ١٩٢).
(٤٣) الإمام المهدي المنتظَر وأدعياء البابيَّة والمهدويَّة (ص ٣٢٢).
(٤٤) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٣٨٤ و٣٨٥/ ح ١٢٨).
(٤٥) الغيبة للطوسي (٤٣٥/ ح ٤٢٥).
(٤٦) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧١).
(٤٧) الكافي (ج ٨/ ص ٢١٢/ ح ٢٥٨).
(٤٨) بحار الأنوار للعلَّامة المجلسي (ج ٥٢/ ص ٣٣٩/ ح ٨٤)، عن الإرشاد للشيخ المفيد (ج ٢/ ص ٣٨٥).
(٤٩) كمال الدِّين (ص ٥٢٧ و٥٢٨/ باب ٤٧/ ح ١).
(٥٠) الإمام المهدي المنتظَر وأدعياء البابيَّة والمهدويَّة (ص ٢٨٦).
(٥١) الغيبة للطوسي (ص ٤٥٣/ ح ٤٥٩.
(٥٢) الفتن لنعيم بن حمَّاد (ص ٢١٣).
(٥٣) بحوث في الملل والنحل (ج ٨/ ص ٩٩ و١٠٠).
(٥٤) كمال الدِّين (ص ٤٧٠ - ٤٧٣/ باب ٤٣/ ح ٢٤).
(٥٥) الغيبة للشيخ الطوسي (ص ٢٥٩ - ٢٦٣/ ح ٢٢).
(٥٦) الغيبة للشيخ الطوسي (ص ٢٩٦/ ح ٢٤٩).
(٥٧) كمال الدِّين (ص ٤٧٥ و٤٧٦/ باب ٤٣/ ح ٢٥).
(٥٨) الكافي (ج ١/ ص ٥٢٠/ باب مولد الصاحب (عليه السلام)/ ح ١٣).
(٥٩) إلَّا إذا كان ينوب عن غيره.
(٦٠) الغيبة للطوسي (ص ٣٠٢/ ح ٢٥٥).
(٦١) الغيبة للطوسي (ص ٢٥٤/ ح ٢٢٣).

التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

Copyright© 2004-2013 M-mahdi.com All Rights Reserved