من يدّعي أنه ولدٌ للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فالعنوه
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾
انشداد الجماهير إلى كل ما يرتبط بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويقرب ظهوره المبارك جعل من البعض ممن يحسب رصيدهم على التشيع بدلاً من أن يستثمر هذه الجذوة الوقادة في نفوس الشيعة ومحبي الإمام (عجّل الله فرجه) راح يستغلها ضد عقيدة هؤلاء المؤمنين بإمامهم ليمهد الطريق لآخرين يفعلون أفعالاً تؤثر على نفوس الشيعة وشيئاً فشيئاً تخفت هذه الجذوة ظناً منهم أنهم سوف يطفئونها في يوم من الأيام إلّا أن الله تعالى الذي حفظ هذا النور وأدام ضيائه يأبى إلّا أن يتم نوره ولو كره هؤلاء، ومن بين النماذج الانحرافية التي تعيشها ساحتنا الفكرية والجماهيرية هي دعوى أحمد السلمي ابوة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) النسبية له وإن الإمام (عجّل الله فرجه) - بدلاً من إسماعيل كاطع - أبوه الذي أولده من أمه، ورغم أن هذه الدعوى لا يمكن تصديقها بحال لما يكتنفها بعد التدقيق والتأمل من مخالفة لأبسط الموازين الشرعية وارتكاب لأوضح الضرورات الدينية، ولا نريد الخوض في تفاصيل ذلك بل نكتفي بالإشارة إلى أن الانتساب الصلبي لهذا المدعي البنوة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يعني مخالفةً لضرورة من ضرورات الإسلام في باب النكاح.
وحيث أن هذه الدعوى واضحة البطلان ولا تحتاج إلى أكثر من أن ينبه عليها المؤمنون لكي لا يستدرجوا ويستغلوا في عواطفهم استغلالاً سلبياً من قبل فئات ارتباطها واضح بأيادٍ تهدف إلى إسقاط مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في عيون معتنقيه وفي عيون العالم بعد أن أضحى ينتشر بين أفراد العالم كانتشار النور في الظلام إلّا إننا نريد أن نلفت الانتباه إلى ضرورةٍ تسالم عليها علماء هذه الطائفة فضلاً عن جمهورها في أن كل من يدعي الارتباط المباشر والارتباط الملكوتي والارتباط التمثيلي عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه) قبل انقضاء الغيبة الكبرى فهو كافر كذاب ضال مضل منمس [ذكر الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عند ذكر المذمومين الذين ادعوا النيابة فذكر عند ذكره أمر أبي بكر البغدادي ابن أخي الشيخ ابي جعفر محمد بن عثمان العمري وأبي دلف المجنون ذكر هذه الفتوى عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السّمُري فهو كافر منمس ضال مضل وبالله التوفيق)] يجب لعنه بمقتضى الآية التي صدّرنا بها البحث وكذلك الفتوى.
تقريب الاستدلال على اقتضاء اللعن للمدعي بدلالة الآية، فإننا لا نشك في أن من يهدف من خلال حركة أو فعل أو عقيدة إلى اسقاط مذهب أهل البيت (عليهم السلام) أو الانتقاص منه فانه يجب لعنه لأن الله تعالى قد أذن لنا بلعنه، وأنه تعالى يلعنه، فلا نشك في أن من يفعل ما يوجب توهين المذهب والانتقاص منه فإنه يؤذي الله ورسوله وبالتالي فإنه يجب لعنه، وحيث أن ما صدر من هؤلاء على أقل وصف نصفهم به أنهم وهنّوا مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فبالتالي يكون مضمون الآية صادقاً عليهم هذا إذا لم نقل أن هؤلاء شوّهوا صورة الإمام باسم الإمام (أي بادعائهم نصرة الإمام وانتسابهم المباشر له) وصوّروه على أنه فرد عاجز لا يتمكن من تحقيق وعد الله الالهي إلّا بالاستعانة بأمثال هؤلاء المتهلوسين وصوّروه على أنه رجل ينتهك المحرمات ويرتكب ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه لأنه في نظرهم لا إشكال في أن يتقرب الإمام من النساء المحصنات وإلّا قل لي بربك كيف خرج أحمد من صلب الإمام وامه على ذمة رجل آخر!، وبالتالي يكون لعنهم والتبرّي منهم أمراً لا يدخله الريب والشك.
يعلم الله أن الإمام (عجّل الله فرجه) يتأذى من ذلك ويتفطّر قلبه حزناً لما يفعل هؤلاء باسمه، بل لا نشك أن كثيراً من آلام الإمام (عجّل الله فرجه) والمصائب التي يراها لما يحدث في العالم هي أهون بكثير عليه مما فعله هؤلاء به من خلال ادعاءاتهم المنحرفة وادعاءهم الالتصاق به والتمهيد لظهوره.
هذا وأن في روايات أهل البيت (عليهم السلام) ما يشهد على أن من يدّعي الولد للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ملعون من قبل الله والناس والملائكة أجمعين ويكفي بهذه الرواية شاهداً على ما قدّمناه.
في الهداية الكبرى للحسين ابن حمدان الخصيبي الباب الرابع عشر باب الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) ص٣٦١ عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إياكم والتنويه والله ليغيبن مهديكم سنين من دهركم يطول عليكم وتقولون أي وليت ولعل وكيف، وتتمحصوا وتطلع الشكوك في أنفسكم حتى يقال مات أو هلك فبأي وادٍ سلك، ولتدمعن عليه أعين المؤمنين ولتكفؤن كما تنكفئ السفن في أمواج البحر حتى لا ينجو إلّا من اخذ الله ميثاقه وكتب الإيمان في قلبه وأيده بروح منه، ولترفعن اثنا عشر راية مشتبهة لا يدرون أمرها ما تصنع.
قال المفضل: فبكيت وقلت سيدي وكيف تصنع أولياؤكم؟ فنظر إلى شمس قد دخلت في الصفة فقال: ترى هذه الشمس يا مفضل؟ قلت نعم يا مولاي. قال: والله لأمرنا أنور وأبين منها وليقال ولد المهدي في غيبته ومات، ويقولون بالولد منه، وأكثرهم تجحد ولادته وكونه، أولئك عليهم لعنة الله والناس أجمعين.
ومعنى ذلك أن من يقول بأن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) صار له أولاد أيام غيبته فعليه لعنة الله والناس أجمعين.
ومن يقول أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد ولد له أو يدّعي أحد أنّه ولده فعليه لعنة الله والناس أجمعين.
إنه لو كان لا بد أن يكون للإمام (عجّل الله فرجه) من ولد في عصر الغيبة الكبرى لذكرت لنا الروايات ذلك ولبشّر به الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، فلم يكتفوا بعدم ذكرهم له، بل نفوا ذلك كما جاء في هذا الحديث وأحاديث أخرى منها:
ما رواه الشيخ الطوسي في الغيبة، في ص٢٢٤، عن علي بن أبي حمزة أنه دخل على الرضا (عليه السلام) فقال له: أنت إمام؟. قال: نعم، فقال له: إني سمعت جدك جعفر بن محمد (عليهم السلام) يقول: لا يكون الإمام إلّا وله عقب.
فقال: أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر (عليه السلام)، إنما قال جعفر (عليه السلام): لا يكون الإمام إلّا وله عقب إلّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي (عليهما السلام) فإنه لا عقب له، فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول.
كيف وقد روى الصدوق وغيره عن أمير المؤمنين (عليه السلام): صاحب هذا الأمر الشريد الطريد الفريد الوحيد.