الردّ الساطع على ابن كاطع
الأوهام والأحلام دليل الأدعياء
تأليف: الشيخ علي الدهنين
تقديم: مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدّمة المركز:
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل كاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (٥٠) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات _ وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول _، بل من باب أنَّ الشبهة قد تجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى إلقاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: (لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(١).
لذا فإنَّ نشر هذا الكرّاس للردّ على ابن كاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.
نسأله تعالى الثبات على الحقّ (يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك).
مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي
ظهر في الآونة الأخيرة رجل في البصرة باسم أحمد إسماعيل كاطع وادَّعى النيابة الخاصّة، وأنَّه وصيّ الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، وأنَّه هو اليماني، بل ادَّعى أنَّه هو الإمام المهدي عليه السلام الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، إلى غيرها من الادّعاءات الباطلة، وقد رأينا من الواجب علينا أن نردَّ على هذا المدَّعي ونُبيِّن كذبه للقرّاء الكرام، فنقول:
كذب من يدَّعي النيابة الخاصّة بعد السمري رحمه الله:
أمَّا دعواه النيابة الخاصّة فهي باطلة بدليل التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي عليه السلام إلى نائبه الرابع علي بن محمّد السمري رحمه الله:
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ فَأَجْمِعْ أَمْرَكَ وَلَا تُوصِ إِلَى أَحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلَاءِ الأَرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ أَلَا فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ)(٢).
النيابة الخاصّة تحتاج لإثباتها إلى معجزة:
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ النيابة العامّة للإمام المهدي عليه السلام الذي تتمثَّل اليوم بمراجعنا العظام لا تحتاج إلى معجزة لإثباتها، بل يكفي أن نعلم باجتهاده من خلال أساتذته وأبحاثه وتلامذته، بخلاف النيابة الخاصّة التي لا تكون لأحد إلَّا بتعيين الإمام عليه السلام للنائب فإنَّها بحاجة إلى معجزة لإثباتها.
ومثال ذلك ما جاء حول الحلَّاج الذي ادَّعى النيابة الخاصّة للإمام المهدي عليه السلام، فعن أبي نصر هبة الله بن محمّد الكاتب ابن بنت أُمّ كلثوم بنت أبي جعفر العمري، قال:
(لمَّا أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلَّاج ويظهر فضيحته ويُخزيه، وقع له أنَّ أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممَّن تجوز عليه مخرقته وتتمّ عليه حيلته، فوجَّه إليه يستدعيه وظنَّ أنَّ أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجرّه إليه فيتمخرق به ويتسوف بانقياده على غيره، فيستتبَّ له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحلِّه من العلم والأدب أيضاً عندهم، ويقول له في مراسلته إيّاه:
إنّي وكيل صاحب الزمان عليه السلام _ وبهذا أوّلاً كان يستجرّ الجهّال ثمّ يعلو منه إلى غيره _، وقد أُمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك، ولا ترتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له: إنّي أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين، وهو أنّي رجل أُحبُّ الجواري وأصبو إليهنَّ، ولي منهنَّ عدَّة أتحظّاهنَّ، والشيب يُبعدني عنهنَّ ويُبغِّضني إليهنَّ، وأحتاج أن أخضبه في كلّ جمعة، وأتحمَّل منه مشقَّة شديدة لأستر عنهنَّ ذلك، وإلَّا انكشف أمري عندهنَّ، فصار القرب بُعداً والوصال هجراً، وأُريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإنّي طوع يديك، وصائر إليك، وقائل بقولك، وداعٍ إلى مذهبك، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة.
فلمَّا سمع ذلك الحلَّاج من قوله وجوابه علم أنَّه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً، ولم يرسل إليه رسولاً، وصيَّره أبو سهل رضي الله عنه أُحدوثة وضحكة ويطنز به عند كلّ أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه)(٣).
فأين معجزة هذا المدَّعي الكذّاب أحمد بن إسماعيل بن كاطع!؟
اليماني والسفياني كفرسي رهان:
وأمَّا دعواه بأنَّه اليماني فهي باطلة جزماً، لأنَّه قد ورد في روايات صحيحة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنَّ اليماني يخرج في نفس اليوم الذي يخرج فيه السفياني والخراساني، وأنَّ اليماني والسفياني كفرسي رهان، فعن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد...)(٤).
وعن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: (اليماني والسفياني كفرسي رهان)(٥).
وعن أبي بصير، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام أنَّه قال: (... خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى، لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكلّ مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإنَّ رايته راية هدى، ولا يحلُّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار، لأنَّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم)(٦).
فهل خرج السفياني ونحن غافلون؟ أم خرج الخراساني ونحن نائمون؟ كلَّا وألف كلَّا، بل من يدَّعي أنَّه اليماني قبل خروج السفياني والخراساني فهو الكذّاب المفتر.
حديث المهديّين الاثني عشر:
وأمَّا ادّعاءه بأنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام، فلا يوجد عنده دليل على ذلك إلَّا رواية ضعيفة _ يُسميّها هذا المدَّعي رواية الوصيّة وزعم أنَّها تنطبق عليه _ ذكرها الشيخ الطوسي رحمه الله في كتابه الغيبة، وهي:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشر إماماً ومن بعدهم اثنا عشر مهدياً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشر إماماً سمّاك الله تعالى في سمائه علياً المرتضى، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك. يا علي، أنت وصيّي على أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلى نسائي، فمن ثبَّتَها لقيتني غداً، ومن طلَّقتها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة. وأنت خليفتي على أُمّتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلِّمها إلى ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشر إماماً.
ثمّ يكون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه أوّل المقرَّبين له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي، واسم أبي وهو عبد الله، وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين)(٧).
وللردّ على كلامه نقول:
أوّلاً: إنَّ من يدَّعي الإمامة لا بدَّ أن يكون له دليل قطعي على مدَّعاه، وكذا لا بدَّ أن يكون له معاجز وكرامات، ولا يمكنه الاستناد إلى رواية واحدة ضعيفة كهذه الرواية عى إثبات مدَّعاه.
وهذه الرواية ضعيفة لاشتمال سندها على عدَّة مجاهيل.
ثانياً: قد ثبت في علم الأُصول أنَّه لا يمكن الأخذ برواية صحيحة إذا تعارضت مع رواية أقوى منها دلالةً، وهذه الرواية مع ضعفها تُعارضها عدَّة روايات أقوى منها دلالةً، منها رواية الإمام الرضا عليه السلام التي تُؤكِّد على أنَّ الذي يستلم الأمر من الإمام المهدي عليه السلام هو جدّه الحسين عليه السلام، فعن الحسن بن علي الخزّاز، قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له: أنت إمام؟ قال: (نعم)، فقال له: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد عليهما السلام يقول: لا يكون الإمام إلَّا وله عقب. فقال: (أنسيت يا شيخ أو تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام، إنَّما قال جعفر عليه السلام: لا يكون الإمام إلَّا وله عقب إلَّا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليهما السلام فإنَّه لا عقب له)، فقال له: صدقت جُعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول(٨). فالإمام الرضا عليه السلام قد استثنى الإمام الثاني عشر من أن يكون له عقب حين موته، فكيف يدَّعي هذا الكذّاب بأنَّه أحمد ابن الإمام المهدي عليه السلام!؟
ومنها ما رواه الكليني رحمه الله في الكافي بسنده عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرضِ مَرَّتَيْنِ).
قال: (قتل علي بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام، (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً))، قال: (قتل الحسين عليه السلام، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) فإذا جاء نصر الحسين عليه السلام (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام فلا يدعون وتراً لآل محمّد إلَّا قتلوه، (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) خروج القائم عليه السلام، (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) (الإسراء: ٥ و٦)، خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب لكلّ بيضة وجهان، المؤدّون إلى الناس أنَّ هذا الحسين قد خرج حتَّى لا يشكّ المؤمنون فيه، وأنَّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرَّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنَّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يُغسِّله ويُكفِّنه ويُحنِّطه ويُلحده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام، ولا يلي الوصيّ إلَّا الوصيّ)(٩)، فالذي يتولّى الأمر من بعد الإمام المهدي عليه السلام هو جدّه الحسين عليه السلام وليس أحمد بن إسماعيل الكذّاب.
ومنها ما رواه الصدوق رحمه الله في كمال الدين بسنده عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عليهما السلام: يا ابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عليه السلام أنَّه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهدياً)، فقال: (إنَّما قال: اثنا عشر مهدياً، ولم يقل: اثنا عشر إماماً، ولكنَّهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا)(١٠)، فلو صحَّ سند رواية المهديين الاثني عشر لا يمكن الأخذ بها لمعارضتها بهذه الرواية.
ثالثاً: إنَّ من يدَّعي انتسابه إلى أحد لا بدَّ أن يكون له دليل وشواهد كإقرار الأب أو شهادة القابلة وغيرها من القرائن بدون معارضة، فما هو دليلك بأنَّك ابن الإمام المهدي عليه السلام يا أحمد بن إسماعيل بن كاطع!؟
معنى الرؤيا ومدى حجّيتها:
إنَّ من الأدلَّة التي يستند إليها هذا المدَّعي هو الرؤيا، ويقول بأنَّه رأى في المنام أنَّه ابن الإمام المهدي عليه السلام ووصيّه.
فللردَّ على كلامه هذا ينبغي لنا أن نتكلَّم في محاور ثلاثة، هي:
المحور الأوّل: تعريف الرؤيا:
هناك أكثر من نظرية في هذا الباب، منها النظرية الغربية التي تقول بأنَّ الرؤيا لا تُعبِّر عن حقيقة غيبية ولا حقيقة مستقبلية، وإنَّما هي انعكاس وتأثّر لما في الخارج، فهي عبارة عمَّا يُحدِّث به الإنسان نفسه، أو انعكاس لما يعيشه من الأُمور الدنيوية، فهي قضيّة مادّية صرفة لا واقع لها، ولا تكشف عن أيّ حقيقة.
وهذا التفسير مبني على إنكار الروح والإيمان بالوجود المادّي للإنسان فقط.
أمَّا النظرية الإسلاميّة فهي تؤمن بأنَّ الرؤيا تحكي عن حقيقة ما، وتكون حاكية لأمر حادث في الماضي أو لأمر سيحدث في المستقبل.
وبناءً على هذه النظرية تكون الرؤيا متعلّقة بالروح، لأنَّ روح الإنسان تتعلَّق بعالم الغيب في منامه، فتدرك بعض ما في ذلك العالم، وبالتالي يمكنه أن يترجم ما رآه إذا انتبه من النوم، فالنفس مجرَّدة في ذاتها مادّية في فعلها، وإذا نام الإنسان فكأنَّما تتفرَّغ النفس والتفتت إلى العالم العلوي فيحصل عندها الرؤيا.
المحور الثاني: هل كلّ رؤيا صادقة ولها حقيقة؟
يقول العلماء: صحيح أنَّ الروح أحياناً تنتقل إلى العالم العلوي، ولكن ليس كلّ روح إذا فرغت من البدن تمكَّنت من الاتّصال بعالم العقل والمجرَّدات وذلك لكدورتها وقلَّة صفائها، هذا من جهة.
ومن جهة أُخرى الإنسان كما أنَّ لديه حواسّاً ظاهرة كذلك لديه حواس باطنة تُدرس في علم النفس الفلسفي تحت عنوان الحسّ المشترك والمتخيّلة، وهذا الحسّ المشترك لديه قدرة على التصرّف في الصور، فحتَّى لو انفصلت الروح عن البدن وذهبت إلى عالم المثال لا تبقى وحدها المتصرّفة، بل من الممكن أن تشترك معها الحسّ المشترك فيؤثِّر على الصور التي أدركتها النفس من عالم المثال.
من هنا يقول الإمام الصادق عليه السلام للمفضَّل بن عمر: (فكِّر يا مفضَّل في الأحلام كيف دبّر الأمر فيها فمزج صادقها بكاذبها، فإنَّها لو كانت كلّها تصدق لكان الناس كلّهم أنبياء، ولو كانت كلّها تكذب لم يكن فيها منفعة، بل كانت فضلاً لا معنى له، فصارت تصدق أحياناً فينتفع بها الناس في مصلحة يهتدى لها أو مضرَّة يتحذَّر منها، وتكذب كثيراً لئلَّا يُعتمد عليها كلّ الاعتماد)(١١).
إذن الرؤى بعضها صادقة وبعضها غير صادقة، والصادقة منها بعضها قابل للتعبير وبعضها غير قابل للتعبير، فعن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سمعته يقول: (إنَّ لإبليس شيطاناً يقال له: هزع، يملأ ما بين المشرق والمغرب في كلّ ليلة، يأتي الناس في المنام)(١٢)، فهو يلقي في روع الناس ومخيّلتهم صوراً تحدث بسببها أضغاث الأحلام والرؤى الكاذبة.
وإذا كانت بعض الرؤى صادقة وبعضها كاذبة فكيف نُميِّز الصادقة عن الكاذبة بنحو الجزم!؟ بل لا تفيد الرؤى إلَّا الظنّ فلا تكون حجّة لأنَّ (الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم: ٢٨)، وبالتالي لا يثبت بالرؤيا حكماً شرعياً وغيره من الأُمور.
المحور الثالث: الرؤيا التي لها الحجّية:
أمَّا الرؤيا الحجّة فهي رؤيا المعصوم فقط، وما يحصل فيها من الأمر والنهي فهو مختصٌّ بالمعصوم أيضاً، قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات: ١٠٢)، وقال تعالى مخاطباً النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) (الإسراء: ٦٠).
إذن فالرؤيا الحجّة هي رؤيا المعصوم أمَّا رؤيا غير المعصوم فهي وإن كانت صادقة ولكنَّها ليست بحجّة، وهذا الأمر قد أكَّده الإمام الصادق عليه السلام، فعن ابن أذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال: (ما تروي هذه الناصبة؟)، فقلت: جُعلت فداك، في ماذا؟ فقال: (في أذانهم وركوعهم وسجودهم)، فقلت: إنَّهم يقولون: إنَّ أُبي بن كعب رآه في النوم، فقال: (كذبوا فإنَّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم)(١٣)، فأراد عليه السلام أن يُقرِّر حقيقة مفادها أنَّ الرؤيا لا تصلح أن تكون مصدراً من مصادر التشريع والاعتقاد.
وأمَّا الفِرَق المنحرفة فهي تستند إلى الرؤيا في إثبات معتقداتها وتُحدِّد لها إماماً وفقاً للأحلام كما هو حال أتباع هذا المدَّعي الكذّاب أحمد إسماعيل كاطع الذين يدَّعون أنَّهم رأوا في المنام أنَّ أحد المعصومين قال لهم: بايعوا أحمد إسماعيل كاطع، ونحن نقول لهم ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: كذبتم فإنَّ دين الله أعزّ من أن يُرى في النوم.
هذه هي أهمّ ما يستند إليه هذا المدَّعي الآثم، وفيما بيَّناه من الردّ عليه كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلا نُطيل بذكر باقي خزعبلاته.
* * *
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) إقبال الأعمال ١: ٥٠٥.
(٢) كمال الدين: ٥١٦/ باب ٤٥/ ح ٤٤.
(٣) الغيبة للطوسي : ٤٠١ و٤٠٢/ ح ٣٧٦.
(٤) الغيبة للطوسي: ٤٤٧/ ح ٤٤٣.
(٥) الغيبة للنعماني: ٣١٧/ باب ١٨/ ح ١٥.
(٦) الغيبة للنعماني: ٢٦٤/ باب ١٤/ ح ١٣.
(٧) الغيبة للطوسي: ١٥٠ و١٥١/ ح ١١١.
(٨) الغيبة للطوسي: ٢٢٤/ ح ١٨٨.
(٩) الكافي ٨ : ٢٠٦/ ح ٢٥٠.
(١٠) كمال الدين: ٣٥٨/ باب ٣٣/ ح ٥٦.
(١١) التوحيد للمفضَّل بن عمر: ٤٣ و٤٤؛ بحار الأنوار ٣: ٨٥ .
(١٢) أمالي الصدوق: ٢١٠/ ح (٢٣٤/١٨).
(١٣) الكافي ٣: ٤٨٢/ باب النوادر/ ح ١.