اسلامية المهدوية بين التعميم والتخصيص
ضمن ابحاث في البيان المعاصر لبعض الشبهات التى تثار حول المهدوية، يتناول الباحث: الشيخ احمد الكرعاوي
اسلامية المهدوية بين التعميم والتخصيص
يقول الشيخ الكرعاوى:
لاشك ان عقيدة عموم المسلمين هي الاعتقاد بالمهدي عليه السلام،مع حصول الاختلاف بينهم،إلا أن ذلك الاختلاف هو اختلاف في التفاصيل وليس في اصل الفكرة.
وان هذه العقيدة وردت في القران الكريم قبل ان ترد في السنة المطهرة،ولكننا وتجنبا لاشكالات التفسير وما تحمله النصوص من اوجه قد تذهب بمعانيها مذاهب شتى،وحتى لايقول قائل: أن هذا التفسير خاص بكم، فاننا لا نستشهد لهذه القضية بالايات القرانية ،بل ارتأينا ان نبدا في اثبات عموم هذه العقيدة من خلال الروايات الواردة في كتب اهل السنة،حتى لايبقى مجال للاعتراض والتاويل ،وسيكون لنا عودة الى القران الكريم في موارد اخرى ان شاء الله تعالى.
فقد في ورد في كتب اهل السنّة عدة روايات منها:
جاء في سنن ابن ماجة : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "المهدي من ولد فاطمة".
وجاء في سنن أبي داود : يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".
وفيه أيضاً: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليله".
وجاء في مستدرك الحاكم: عن ام سلمة: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر المهدي، فقال: "نعم هو حق وهو من بني فاطمة".
عزيزي القاريء كما ترى فان الاعتقاد بالمهدي عليه السلام ليس عقيدة اسلامية خاصة بالشيعة فقط .
كما يحلوا للبعض ان يوحي بذلك ولكنها عقيدة عموم المسلمين, نعم ان الشيعة اختلفوا عن غيرهم بخصوصية الاعتقاد بان المهدي عليه السلام هو احد الائمة الذين فرض الله عز وجل طاعتهم, هذا اولا.
اما ثانيا فانه مولود, ويقوم بمهام انيطت به في عصر الغيبة مما فتح لابناء هذه الطائفة ان يعيشوا قضية الامام المهدي عليه السلام قضية فعلية وحياتية وبشكل يومي ولم يتعاملوا معهاعلى انها قضية مستقبلية فقط.
بل ان ترتيب المجتمع الشيعي قائم على اساس الاعتقاد بالامامة ومنها عقيدته بالامام المهدي عليه السلام.
فاليوم ترى ان القواعد الموالية ترجع الى العلماء باعتبارهم نواب الامام عليه السلام العامين, أي ان التعامل مع الامام ما زال قائما, ولكنه اكتسب التعامل غير المباشر عن طريق العلماء.
وهذا التفاعل الدائم مع الامام عليه السلام اعطى لهذه القضية جانبا اجتماعيا باعتباره الامل المنشود الذي ينشر العدل والحق في العالم ويزيل جميع مظاهر الظلم والطغيان عنها.
فقد ورد في سنن أبي داود : بأسانيد متعددة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (لو لم يبقَ من الدنيا الا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يُواطئ اسمه اسمي-الى ان قال صلى الله عليه وآله وسلم _ يملأ الأرض قسطا وعدلا كما مُلئت ظلما وجوراً).
وانت عزيزي القاريء تلاحظ ان هذه التفاصيل واردة في كتب اخواننا من اهل السنّة وانه رغم كبر الغاية التي انيطت بالامام المهدي عليه السلام ورغم كونها بهذه الاهمية, تجد الكثير منهم يتعاملون مع هذه القضية الاعتقادية الحساسة بفتور واهمال.
وبسبب هذا الفتور في التعامل مع قضية الامام المهدي عليه السلام من قبل ابناء السنة وشدة الاهتمام بها من قبل اتباع اهل البيت عليهم السلام، وبمرور الزمن تولد انطباع عام لدى الناس ان قضية الامام المهدي عليه السلام قضية شيعية وليست معتقدا اسلاميا عاما, وهذا خطأ فاحش, لمن يرجع الى الميراث الروائي عند الفريقين.
اضف الى ذلك ان الدوافع المذهبية والحس الطائفي كان وراء الرغبة في تهميش هذه القضية عند اهل السنة, لانها تحولت بسبب الاعتقاد بامامته عليه السلام الى معلم من معالم اتباع اهل البيت عليهم السلام وخصوصا مع تركيز الاحاديث الشريفة الواردة عندهم انه من ولد فاطمه عليها السلام كما مر.
وفاطمة تعني عنوانا مشيرا الى اهل البيت عليهم السلام.
وهذا يعني أيضاً ان الذي يرث الارض ويحقق الامال ينتمي الى هذا البيت وهذا عين ماتقوله الشيعة.
ولو رجعت الى الاحاديث التي بدانا بها هذا البحث فانها وصفت الامام عليه السلام من خلال ثلاثة عناوين:
1-انه من ولد فاطمة كما في رواية ابن ماجه والحاكم.
2-انه من العترة عليهم السلام كما في سنن ابو داود, وكونه من العترة امر في غاية الاهمية وهو عين مايقوله اتباع اهل البيت علهيم السلام أي ان عنوان العترة يبقى ولاينتهي.
3-انه من اهل البيت عليهم السلام كما في رواية ابن ماجه, وهذا امر يكتسب اهميته باعتبار عنوان اهل البيت عنوانا خاصا ينطبق على افراد محددين.
وكون المهدي عليه السلام من العترة وانه من ولد فاطمةى ومن اهل البيت عليهم السلام ابرز مشكلة منشؤها انطباق الروايات على ما يقوله المسلمون الشيعة, وانه امر لا يرضي اصحاب مدرسة الصحابة، فهم يرون في ذلك رواجاً وانتشاراً لمذهب الشيعة دون المذاهب الاخرى, ومن خلال القضية المهدوية.
لذلك ابتعد اهل السنة عن اجواء هذه العقيدة, وظلت القضية تعيش حالة الضبابية وعدم الوضوح في نفوس الكثير من ابناء طائفتهم.
ومن ذلك يتبين ان عدم الاهتمام بالمظاهر الاجتماعية في قضية الامام المهدي عليه السلام عند اهل السنة للاسباب التي تقدم ذكرها لايصير العقيدة بالامام المهدي عليه السلام عقيدة شيعة بحتة بل انه لا يمنع من التزام اتباع اهل البيت عليهم السلام بميراث النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم.