تحت المجهر حركة (الممهدون المولوية)
تحت المجهر
سلسلة مقالات تتناول بالدراسة أدعياء المهدوية والسفارة قديما وحديثا
حركة (الممهدون المولوية)
تنظيم (صوفي سياسي) ظهر بعد سقوط النظام البائد، واعتمد على السرية والتكتم الشديدين، وكانت انطلاقته الأولى من محافظة بابل ثم راحت تنتشر شيئا فشيئا حتى شملت كربلاء والنجف والديوانية والسماوة وظهر لها أتباع في المحافظات الجنوبية في السنوات الأخيرة إلا أنهم ليسوا بمستوى محافظات الفرات الأوسط من ناحية العدد، وقد سميت الحركة بالمولوية لان أتباعها يكثرون من استعمال مصطلح (الولى) واشتقاقاتها فيما بينهم وبصورة لافتة.
ليس لهم أية مكاتب ظاهرية، ويعتمد نشاطهم الفكري والتبليغي على أتباع الحركة حيث يقوم كل فرد منهم بالتبليغ من خلال التحدث إلى أصدقائه ومعارفه ومن خلال المجالس في البيوت أو ما شاكل ، وقد ظهرت لهم في الفترة الاخيرة منشورات تثقيفية يتداولونها فيما بينهم، ويوزعونها على الناس.
عقائدهم:
في الواقع أن اغلب العقائد هذه الحركة ومثيلاتها أنما هي مأخوذة من المدرسة الصوفية ومن العقائد المغالية المنقرضة وغير المنقرضة، كالخطابية والنصيرية والبابية والبهائية وغيرها، وقد قسمناها إلى قسمين أساسي وثانوي.
أ- العقائد الأساسية:
1- أن أساس عقيدة هذه الحركة هو نظرية (الاتحاد والحلول) ويبدو إن الحركات المهدوية المعاصرة قد وجدت بغيتها في هذه النظرية فادعوا بان الله جل وعلا في شخص الإمام المهدي بحيث يكون وجوده هو وجود الله في الأرض، وبذلك يكون توحيد الله بوليه.
أي هناك اله في السماء هو (الله) واله في الأرض هو (الإمام المهدي) عليه السلام وهي نفس دعوى الخطابية في الإمام الصادق عليه السلام، حيث يفسرون آية (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) تفسيراً مخالفاً لكل قوانين اللغة وضوابط التفسير، فتكون (إنا) بمعنى الجمع، أي أن هناك إلاهين، إله في السماء وهو الذي خلقك، وإله في الأرض وهو الذي يخلقك من انسان ضال إلى انسان مهتدي، وهذه الفكرة لا تقتصر على المهدي بل ان كل (مولى) مسؤول حزبي- هو إله ثان، وهكذا عادوا بنا إلى نظرية تعدد الآلهة، ليحرفوا ديانة التوحيد إلى ديانة (شركية) باسم التوحيد...
ومن ناحية أخرى فان الإنسان يتوفر على الصفات الجلالية والصفات الجمالية الأولى للأفعال الظاهرية والثانية للكمالات الباطنية، (الإدارة والقوة والنية)، ومادام متوفرا على هذه الصفات الكمالية وان كانت نسبية، إلا انه كلما ارتقى بها سيقترب من المعصوم حتى يتحدى به، وتوحده بالمعصوم هو توحد بالله فتكون المعادلة (الله- المهدي- الموالي) وهم ذات واحدة بثلاثة وجوه.
وهذه العقيدة تقرب كثيراً عقيدة التثليث الهندوسية ومن العقيدة المسيحية (الأقانيم الثلاثة)
أن هذه العقيدة وكما هو واضح قد غلت في الإمام المهدي لترفعه إلى درجة الإلوهية حيث جعلته الهاً ثانياً في الأرض.
2- المعلم الأساسي الثاني في عقيدة هذه الحركة هو ادعاؤها بأن الإمام المهدي عليه السلام قد غاب عن الناس بشخصه لكنه ظهر بنائبه (السيد الممهد اليماني) والذي هو سيد وزعيم هذه الحركة، وهنا أيضا طبقت نظرية (الاتحاد والحلول) بين الإمام المهدي ونائبه اليماني، بل زادوا على ذلك إذ ادعوا إن الإمام المعصوم يتجلى في خمسة أشخاص هم علي بن الحسين، محمد بن الحنفية، واليماني، وشخصان سريان وهؤلاء موجودون وهم يحركون الموالين للوصول إلى الإمام المعصوم، وهذا عين ما ذهبت إليه الفرقة (البهائية) المنحرفة المغالية إذ ادعت بان الله يتجلى لعباده من خلال أشخاص هم {برهما، بوذا، إبراهيم، موسى، عيسى، محمد، وأخيراً (البهاء) زعيم البهائية}، وعقيدة التجلي من لوازم عقيده (وحدة الوجود).
ويدعي هؤلاء بان اليماني لا يظهر لأغلب أتباعه ومريديه إلا للخاصة منهم، وهذه الخاصة القليلة تقول أن كبيرهم (اليماني) هو في طور الدعوة السرية، وانه لو أعلنها حاليا سوف يحارب من قبل علماء السوء حسب تعبيرهم والمقصود بهم (المرجعيات الدينية).
وعلى ضوء ذلك ستكون طاعته (السيد الممهد) طاعة للإمام المهدي عليه السلام وبما إن وجود الإمام وجود الله تعالى، إذا ستكون النتيجة (طاعة اليماني هي طاعة الله) وبما أن السيد الممهد وهو القائم مقام المهدي عليه السلام ففي هذه الحالة لا يجوز التشكيك والجدال والرد عليه لأنه بمثابة رد على الإمام الذي هو ظاهر بوليه وهو الله تعالى.
3- ولكن كيف للإمام المهدي ولليماني أن يحركا الأحداث، هنا يأتي دور (الموالين أو الأولياء) حيث يقولون، لابد من وجود معصوم يسير أمور العباد، ولا بد لهذا المعصوم من نائب يمهد له الأمور وهو (اليماني) فلابد أذن من ان يكون لليماني (موالون) مؤيدون له يأخذون الاوامر و التعليمات منه.، وهؤلاء الأشخاص الذين يلتقون باليماني هم (15) شخصاَ وهم من الأولياء الذين قطعوا شوطاً كبيراَ في محاربة النفس وجهادها، ونظفوا قلوبهم من أدرانها ومن الهواجس والذنوب والأوهام، ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأْمْرِ مِنْكُمْ) حيث يذهبون إلى أن أولى الأمر هم (الأولياء) الذين نصل من خلالهم إلى المعصوم، فالآية في نظرهم غير مختصة بالأئمة عليهم السلام فقط، بل تشملهم ، هم ، أيضا فكل شخص منهم لديه مجموعة من الأتباع يعدونه من (أولي الأمر)
بل أنهم يربطون معرفة المنهج (الأطروحة الإلهية) بقضية (الطاعة والتسليم) المطلق للموالين من اجل الوصول إلى معرفة الإمام المعصوم وهو مظهر تجلي (الرحمة الإلهية) لان حكومة العدل الإلهي لا تتحقق إلا بالإتباع والموالاة من الموالين إلى الأولياء إلى الباب وهو اليماني إلى المعصوم.
حيث لا بد لكل موال من مولى يكون هو المسؤول عنه من اجل أن يصل به كي يكون من القواعد الممهدة لظهور الإمام، وهو نفس نظام المرشد مع السالك في المدرسة الصوفية العرفانية.
وبناءا على هذه العقيدة وعلى هذا الشحن المتواصل بضرورة الطاعة العمياء والانقياد المطلق، فأنهم يقومون بإدخال أتباعهم في دورات (غسل دماغ)، وبأساليب غاية في القسوة والغرابة لتمرينهم على الطاعة، حتى يتحول المنتمي لهم إلى (آلة) فاقدة لأي وعي أو أرادة أو أي انتماء - عداهم بعد ان تمارس معه عمليات الترويض وغسل الدماغ وبطريقة محترفة وغاية في المكر والدهاء تحكي خطورة واحتراف المشرفين على هذه العملية وجذورهم المخابراتية والأمنية.
4- أما المعلم الرابع من معالم هذه العقيدة المنحرفة فهو الدعوة إلى الاهتمام بتطهير الباطن ورفع الأوهام من القلب وأتباع الحقيقة التي هي (طاعة المولى) لأنه المرتبط بالمعصوم، إما الأفعال الظاهرية للجوارح (كالعبادات والمعاملات فأنها ليست ضرورية.
حيث يستدلون هنا بالآية الكريمة (وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) بمعنى أن الغاية من العبادة هي الوصول إلى لحظة اليقين حيث يتحقق المبتغى من العبادة و هذا هو المدخل الذي يدخلون منه في دعواهم لإسقاط التكاليف الشرعية، الصوم، الصلاة، الحج، الزكاة، وغيرها) باعتبارها أحكاماً ظاهرية غير مهمة ويجب أن تستبدل بتطهير الباطن لنصل إلى طاعة المولى والتي هي طاعة للمعصوم وبه نصل لليقين، وهم يمهدون لذلك بالدعوة لترك طلب العلم، طبقا لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء)، ثم العمل على ترويض النفس حتى تصل إلى درجة اليقين عن طريق أذكار خاصة، مع محاربة النفس وعدم الانقياد لملذاتها وشهوتها من أكل وراحة، فهم يخالفونها حتى في الحلال، ونسوا قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً)، وبالمخالفة للمباحات يكونون قد حصلوا على درجة اليقين، عندها يقذف الله العلم في قلوبهم فيحصلوا على كل ما يريدون عن طريق الإلهام الرباني كما هو عند الأئمة المعصومين عليهم السلام الذين كانوا يعبدون الله حق عبادته.
ويكونون بذلك مصداقا للحديث القدسي (عبدي اطعني تكن مثلي تقل للشيء كن فيكون) واذن فان الضابط في قياس درجة الوصول لليقين، هي القدرة على محاربة النفس وحرمانها من (الملذات والشهوات والطيبات من الرزق التي أحلها الله) ونسوا قصة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع جملة من اصحابه ممن ترك اهله وعياله وآوى إلى الكهف في الجبل يعبد الله، حيث قال لهم (انا معشر الانبياء نأكل الطعام وننام الليل ونتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني).
وان (لا رهبانية في الاسلام)، ثم ان كان في ذلك كرامة فالانبياء أحق بها.
5- الدعوة العلنية والواضحة لإسقاط التكاليف والأحكام الشرعية وبهذا يتحول الأتباع بأيديهم إلى آلات وأشخاص ممسوخين فقدوا ارتباطهم بمجتمعهم وتمردوا على كل انتماءاتهم وتخلوا عن كل المنظومة القيمية (الدينية والأخلاقية والوطنية وحتى العاطفية)، وبذلك يكونون قد تأهلوا للمرحلة الأخيرة وهي مرحلة إكثار الفساد في الأرض للتعجيل بظهور المهدي عليه السلام.
6- يؤمنون بضرورة (إرغام النفس على ما تكره) كنوع من انواع التربية والترويض ويعتبرونه (الجهاد الأكبر) فالنفس المؤمنة تكره ارتكاب المعاصي، ولذلك لابد من مخالفتها بارتكاب هذه المعاصي. وذلك للتعجيل بظهور الإمام المهدي عليه السلام وكلما كانت المعاصي أكبر كان الظهور أسرع، وهذه هي فلسفة إكثار الفساد.
وفي هذا يلتقون مع فرقة الإسماعيلية الأغاخانية (الحشاشين) ومع عقائد (البابية والبهائية) ومع جماعة الحجتية في ايران، والتي كانت تدعي إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيؤخر ظهور الإمام، وعليه فلا بد من استفزازه ليظهر سريعاً.
إن الثمرة النهائية لكل ما سبق في الوصول إلى درجة اليقين ثم ترك التكاليف، وإكثار الفساد في الأرض مع جملة من الرياضات الروحية هو رؤية الإمام المهدي.
(فان من يؤمن ويصفي نيته فسيؤهل لرؤية الإمام المهدي، فلا داعي للعلماء والمراجع والتقليد والشريعة).