خرافة الوقود الخرافي
خرافة الوقود الخرافي
رد على ما تناولته صحيفة (الصباح) العراقية في عددها الصادر في 10/2/2010
الشيخ حميد الوائلي
معاناة المعرفة البشرية ناشئة من عدة عوامل, فإقحام الجهلاء أنفسهم في فضاءات المعرفة يشكل عاملاً من هذه العوامل, وتعميم الفكر البشري عند معالجة المفاهيم يشكل العامل الآخر.
فإجراء المحاكمات المعرفية للمفاهيم دون مراعاة الضوابط والمناهج بعد التعميم لتسهيل إصدار الأحكام يعد من اكبر السرقات المعرفية للتراث, وتجب محاكمة هؤلاء السراق الجهلة بدلاً من جعلهم قضاة محكمة المعرفة البشرية لأنهم يسرقون الحق الإلهي والبشري باسم الدفاع عن العقائد الإلهية المنتجة للمعارف.
إذ ان تفسير المسائل الدينية المشبعة بالأدلة المتنوعة على إنها مثيولوجيا أخضعها الاجتهاد النفعي لسلطته للاتجار بأدمغة البسطاء من الناس تحصيلاً للسلطة والثروة لهو عين الاستخفاف وافضح محاولات الاتجار بعقول الناس وجيوبهم, فالقفز على مجتمع متكامل فكراً وديناً واتهامه بالمحكومية للخرافة هو ما يجب ان يحاكم.
ان ما يثير الاستغراب حقاً ان يصدر هذا الخطاب من جهة ينبغي ان تكون العنصر الأمين على الخطاب بهدف عدم إفراز المتطرف منه المكتنف لإثارة الآخر, بل تثير حفيظة الآخرين.
فهذه اشراقات وقود الخرافة ((تدعي ان الاجتهاد الخرافي النفعي, أضاف إلى عنصري المثيولوجيا الرئيسيين وهما ان موطن المثيولوجيا هو الماضي _أي باعتبارها أسطورة فلابد ان تكن من الماضي_, وإنها لا تمت إلى الحقيقة بصلة باعتبار ان المثيولوجيا هي مجموعة من الفولكلور تلعب الماورائية فيه أدوارها الرئيسية ثم أضاف عنصراً ثالثاً يتمثل بمصادرة ملامح الحاضر والمستقبل بالدمج القسري لها لتطويق كل هذه الملامح وجعلها مجرد علامات للإشارة إلى الآتي من الزمان بجعل السيناريوهات جاهزة ولا تمت إلى المنطق بصلة كنهاية الزمان وتحول ساحة الأرض إلى معركة بين جيشين يتقاتلان بالسيوف, وكسيناريو بزوغ منقذ ما يعتلي صهوة الزمان ويحمل بيده صولجاناً سحرياً قادراً على تغيير العالم.
ومن اجل فرض هيمنة تلك الميثولوجيات يقوم الاجتهاد الخرافي بفرض هيمنة الظلامية على ارض الحاضر والمستقبل والتضحية بكل معطياتهما من اجل ممارسة أحط أنواع التجارة بعقول الناس وجيوبهم, ويبرز هذا في المجتمع العراقي _المحكوم بامتياز بالمثيولوجيا_ جلياً بسبب استثمار هذا الفضاء الخرافي وربطه بالقداسة لأجل الاستحواذ الماكر من قبل ساكني السراديب وأصحاب المنابر ذات الخطب البهلوانية الدجالة)) انتهى مضموناً.
نلاحظ جلياً ان صاحب هذه الاشراقات إنما جاء بها ليقدم وقوداً لفتنة فكرية كبيرة, إذ الحقيقة تجانب تماماً ما جعله هذا الكاتب وقوداً لها.
فقضية المنقذ ونهاية التاريخ ليست بأية حال من الأحوال أسطورة سجلها الذهن البشري بعد أن افرغ ساحتها الدين بل هي أعمق قضية.
عرفت البشرية لها إثراء دينياً ومعرفياً, فهذه هي أصول الدين ومنابعه لم تعرف إثراءً لفكرة أو مسألة كما عرفتها المهدوية وفكرة الإنقاذ, إذ تنوعت عليها الأدلة حتى غدت أوضح من كل دليل يقدم عليها استدلالاً لإثباتها فمتى غابت هذه الفكرة عن الذهن البشري وفارقت وجدانه لتصبح ميثولوجيا؟ ومتى فارقت الدليل حتى يقال عنها أنها خرافة نسجتها أذهان البشر؟
ثم متى كان علماء الدين يمارسون أحط أنواع التجارة لتأمين السلطة والثروة اعتماداً على سذاجة الناس واعتلاء على أكتاف الباطل؟
ومتى كان المنبر الذي قدم أرقى أنواع المعرفة الإنسانية وجذر أصول الواقعية بدفع الخرافة ومحاربة الأسطورة بهلوانياً دجالاً؟
ومتى سكن العلماء السراديب لتقنين السيناريوهات الخرافية ومنهجتها؟ أليس هم جنود الساحة قبل الجمهور والحاملين خشباتهم على أكتافهم منذ نعومة أظفارهم؟
ان مقومات أية محكمة فكرية تتمثل في عناصرها الثلاثة الرئيسة: القاضي, الأدلة, المتهم, فبدونها مجتمعة لا يبت في أية قضية ولا يصح أي حكم, إلا ان نقول ان محكمتنا الفكرية تحولت من فضاء الفكر إلى فضاء الدكتاتورية.
وفي قضيتنا هذه من هو القاضي يا ترى؟ في نظر كاتبها المبجل؟ اهو الواقع؟ ام التجربة؟ ام الله؟ ام الشريعة؟ ام نفس الكاتب للمقال؟
وما هي الأدلة؟ وماذا قدم ليحكم على مثل هذه القضية بالخرافة ويجعل من جهود العلماء دون استثناء وقوداً لها بعد ان وضعهم في قفص الاتهام ووصفهم بأنهم أعوان المتهم.
أما المتهم في هذه القضية فهل تعلمون من هو؟
ومن الذي تشير إليه أصابع اتهام كاتبنا _القاضي_ المبجل؟؟ إنها أوثق قضية في تاريخ المعرفة البشرية وأثرى مسألة فكرية, وهي العقيدة المهدوية.
وبعد هذا هل يمكن الاعتذار بان ما قيل عن الميثولوجيا التي ذكرت إنما يعني الفكر البشري للمرتكز المدون في المجاميع الحافظة للمكنون الوحياني ولا يعني أسطورية نفس ذلك المدون وذلك المكنون الإلهي؟ وأجيب بدون تردد (لا), فالمتهم قد شخص والقاضي قد اصدر حكمه.
فهل توجد محكمة تمييز نرفع عندها القضية؟