رجوع الجاهل الى العالم أصل عقلي
رجوع الجاهل الى العالم أصل عقلي
السيد هاشم الهاشمي
من الأمور البديهية التي يحكم بها العقل وعلى نحو الاستقلال أن الجاهل بأي علم يرجع فيه إلى العالم والمختص به، إذ الجهل عبارة عن اختفاء الواقع والحقيقة , والعلم عبارة عن انكشافها، ومن لم تنكشف له الحقيقة لا يحق له أن يخوض في الأمور وهو على حاله تلك إلا بالتعلق بمن انكشفت له الحقيقة، إذ لن يجر له هذا الخوض إلا مزيدا من التيه والضلال، وبناء عليه فلا يحق للجاهل بالطب أن يعين العلاج من غير مراجعة الطبيب، ولا للجاهل بالكيمياء أن يفترض طريقة في تحضير مادة معينة. ولا يوجد أي دليل يستثني هذه القاعدة العقلية في العلم بالدين.
وهذا النوع من التبعية والتقليد للعالم في هذا المجال ليس من التقليد المذموم في شيء، بل إن المذموم هو أن يصر الجاهل على نبذ الرجوع إلى العالم بالشيء، وفي الحقيقة فإنه لا يوجد جاهل في العالم لا يشعر في قرارة نفسه الحاجة في الرجوع إلى العالم، وإن أظهر عدم حاجته فمرجعه إلى المكابرة، أما إذا وقع على المحك العملي وتوقف امر نجاته على علم الطبيب _مثلا_ فلن تجده إلا مسرعا إلى أعتاب الأطباء لعلمه بأنه إن كان ثمة احتمال في النجاة فعلمه عند الأطباء وإنهم أقرب الناس إلى الواقع.
ولم تتغير حال الناس وحتى يومنا هذا في هذا الأمر رغم كثرة أخطاء الأطباء السابقين وذلك لأن الكل يعتقد بأن الأقرب لمعرفة واقع هذا الامر من غيرهم هم الأطباء.
بناء الأديان على الانقياد للأنبياء
ومن المؤكد في تاريخ الأديان السماوية أن أهمية الدين تكمن في أنه يرشد الإنسان إلى ما خفي عنه في أمر الغيب، وبما أن الباب إلى معرفة الغيب لا يتم إلا من خلال من لهم أهلية الانفتاح على الغيب والوحي وهم الأنبياء عليه السلام فإن بناء الأديان أقيم على متابعة الأنبياء عليه السلام فيما يقولون والانقياد لهم والتسليم لهم من غير اعتراض أو تشكيك فيما يخبرونه عن الغيب, بعد أن أقيمت الأدلة والمعاجز على أنهم المبعوثون من قبل الله تعالى.
والقرآن الكريم يخبرنا أن سقوط الأمم وهلاكها كان بسبب عدم انقيادها للأنبياء عليه السلام والإعراض عنهم والازدراء بهم، وكل هذا يعني أن التقليد المذموم هو الذي يكون لأهل الباطل من غير بصيرة ولا تأمل.
الأئمة عليهم السلام هم ورثة الأنبياء عليهم السلام
قامت الأدلة القطعية على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرجع الامة إلى الأئمة من أهل البيت عليهم السلام من بعده، وحديث الثقلين المتواتر من أهم الأحاديث الدالة على أن النجاة لا تتحقق لهذه الأمة إلا بالانقياد لأهل البيت عليهم السلام في جميع شؤونهم, لأنهم عليهم السلام عدل القرآن, ومن ثم فهم الذين يعرفون محكمه ومتشابهه، وخاصه وعامه، ومطلقه ومقيده.
والقرآن الكريم الذي أمرنا الله عز وجل بالتدبر في آياته أخبرنا أن هناك آيات متشابهات, آيات تحتاج إلى تأويل لا يعرفها إلا الراسخون في العلم، أي ليس لكل عالم إدراكها فضلا عن غير العالم، وإن ترك الأمر فيها لغير العالم يقود إلى الزيغ والضلال كما دلت عليه الآية السابعة من سورة آل عمران؛ ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ).
الروايات المعتبرة الدالة على لزوم الرجوع إلى الفقهاء المجتهدين على نحو الإجمال ومن البديهي أن لا يدع الأئمة عليهم السلام وهم المنصوبون من قبل الله تعالى على حفظ أمر الدين هذا الأمر من غير أن يدعوا الناس إلى الرجوع إلى الفقهاء العالمين بحلال محمد وحرامه، والذين بلغوا مستوى من العلم يسمح لهم بإيصال الحكم الشرعي إلى العامة من الناس، وقد سعى الأئمة عليه السلام في ذلك، كما ور د في قول الإمام الرضا عليه السلام: (علينا إلقاء الأصول، وعليكم التفريع).
وقد دلت مجموعة من الروايات المعتبرة التي اعتمد عليها الفقهاء في سندها ومتنها للاستدلال على مسألة الرجوع إلى الفقهاء.