تحــــت المجهر
تحــــت المجهر
سلسلة مقالات تتناول بالدراسة أدعياء المهدوية والسفارة قديما وحديثا
أحمد بن الحسن أول الدجالين
اعداد: هيأة التحرير
يدعي احمد بن الحسن بانه هو أول المهديين, وهو أول انصار الإمام المهدي ويستدل على كلامه هذا برواية يرويها عن كتاب بشارة الإسلام, ومضمون الرواية التي ينقلها ناظم العقيلي في كتيب الرد الحاسم تحت عنوان الاضاءة الثالثة (ابن الإمام المهدي) من بشارة الاسلام ما لفظه: (عن امير المؤمنين عليه السلام في خبر طويل, ألا ان اولهم من البصرة وآخرهم من الابدال...), ثم ينقل ليبين رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول ما لفظه في خبر طويل سمى به اصحاب القائم عليه السلام : (... ومن البصرة عبد الرحمن بن الاعطف بن سعد واحمد ومريح وحماد).
ونحن نقف مع هاتين الروايتين ثلاث وقفات,وقفة سندية ووقفة دلالية ووقفة اصولية عقائدية.
الوقفة الاولى: البحث الدلالي
إن هذه الرواية وردت بألسنة متعددة, فقد روى السيد ابن طاووس صاحب الملاحم والفتن ما لفظه (فذكر المهدي عليه السلام وخروجه وخروج من يخرج معه واسمائهم إلى أن قال أولهم من البصرة وآخرهم من اليمامة), وابن طاووس يروي هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام وينقلها عن كتاب الفتن لاحمد بن عيسى بن الشيخ الحساني المعروف بـ أبي صالح السليلي, وهذا الكتاب ليس له نسخة مطبوعة ولا يوجد لهذا الخبر مصدر سوى الملاحم والفتن, ومن حيث السند فان رواة هذا الحديث فضلاً عن كونهم من ابناء العامة فان أغلبهم لم يترجم له, وبالتالي فهذه الرواية بهذا النص ساقطة عن الاعتبار لانها ليست بحجة في احكام الدين فضلاً عن أن تكون حجة في العقائد.
اللسان الآخر الذي وردت به هذه الرواية هو ما ينقله جماعة احمد بن الحسن عن كتاب بشارة الاسلام للسيد مصطفى آل سيد حيدر الكاظمي, أما المصادر الاخرى التي وجدناها تنقل الرواية بهذا اللسان فهو كتاب الزام الناصب للشيخ علي اليزدي الحائري وينقلها تحت عنوان خطبة البيان, وإذا رجعنا إلى كتاب بشارة الاسلام وجدناه ينقلها في طبعة المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية, وايضاً ينقلها بعنوان خطبة البيان ومما نسب إلى امير المؤمنين عليه السلام, ونحن لسنا بحاجة أن نقف كثيراً مع هذه الخطبة بعد أن تحدث نفس الشيخ اليزدي الحائري عن , إذ قال في من بشارة الاسلام (إنا لم نعثر على مستند صحيح لهذه الخطبة المسماة بالبيان ولم يثبتها أحد من المحدثين كالشيخ الطوسي والكليني ونظائرهم, وعدم ذكر المجلسي لها توهين لها لاحاطته بالاخبار, ويبعد عدم اطلاعه عليها مع انها غير بليغة, كثيرة التكرار, غير بينة الالفاظ) فهذا النص كافٍ في إسقاط خطبة البيان عن الحجية والاعتماد.
ثمة ملاحظة في غاية الاهمية هي : (ن هؤلاء يزعمون ان احمد بن الحسن بن الإمام المهدي وان هذه البنوة حجة في التلقي حيث يقول احمد بن الحسن في رسالة له بتاريخ 28 شوال 1424هـ (أمرني الإمام المهدي) ويقول في محلٍ آخر من هذا البيان (يا اهل العراق ان أبي قد ارسلني لاهل الارض وبدأ بكم) ويقول في موضع آخر (فلن يطول الامر حتى اعود مع ابي محمد بن الحسن المهدي) ويقول في موضع ومحل آخر (وسيأتيكم ابي غضبان اسفا بما فعلتم بي), ثم يختم رسالته بانه الركن الشديد وبقية آل محمد عليهم السلام وانه المؤيد بجبرائيل المسدد بميكائيل المنصور باسرافيل.
فمع هذا الزعم الخطير الذي يصل إلى حد العصمة كما صرحوا بها في مواضع ومواطن عديدة من كتبهم نجدهم يكذبون علينا وهذه هي الطامة الكبرى والرزية العظمى كيف يكون المعصوم كاذباً, وهذا التناقض الخطير والانحراف الكبير, فاحمد بن الحسن المؤيد بجبرائيل والمسدد بميكائيل والمنصور باسرافيل يكذب على الناس إذ يستدل عليهم بالاخبار الضعيفة التي ليست لها حجية في فروع الدين فضلاً عن أن تكون لها حجية في اصول الدين ولا يكتفي بذلك بل يبتر النصوص, وينقلها كذباً فهذا هو نص ما نسب إلى امير المؤمنين ورواه السيد الكاظمي في بشارة الاسلام ودقق فيه وتأمله جيداً فستجد ان هؤلاء الضالين المضلين مهنتهم الكذب والتزوير والتدليس (فقام إليه جماعة من اصحابه فقالوا سألناك بالله يا ابن عم رسول الله سمهم لنا وعلمنا باسمائهم وامصارهم فقد ذابت قلوبنا من كلامك هذا, فقال عليه السلام : ألا ان اولهم من البصرة وآخرهم من الابدال فاما الذين من البصرة فعلي ومحارب...) ولكي يتضح النص اكثر انقل لكم مقاطع من الكلام المنسوب إلى امير المؤمنين عليه السلام والتي سبقت كلامه الآنف الذكر حيث قال: (وإن المهدي احسن الناس خلقاً وخلقاً ألا وانه اذا خرج فاجتمع اليه اصحابه على عدد اهل بدر واصحاب طالوت وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً).. .
فانت تجد ايها القاريء الكريم أن النص المنسوب إلى امير المؤمنين عليه السلام يصرح في هذا المقطع من أن هؤلاء الرجال وهم انصار الإمام المهدي واصحابه الخاصين يخرجون اذا خرج ويجتمعون اليه بعد خروجه ولا يكونون قبل خروجه وليس لهم حجيةٌ بمعزل عنه, بل وليس لكل فرد منهم حجية قبل خروجه حتى وان ادعى ذلك.
الوقفة الثانية: البحث الدلالي
بعد ان تبين ضعف هذا الخبر بل ذهب البعض من العلماء إلى انه موضوع على امير المؤمنين عليه السلام قول انه لا ملازمة بين كون انصار الإمام ثلاثمائة وثلاثة عشر وبين الذين يحكمون بعد الإمام وهم اثنا عشر, وبين ما يدعي هؤلاء من ان هناك حجية وحاكمية لانصار الإمام أو ذرية الإمام قبل قيام الإمام وظهوره, ثم اننا نؤكد على ان حجية المهديين الاثني عشر وحاكميتهم وان لهم شيئاً من السلطات هو في طول حكومة الإمام المهدي أو حكومة ائمة اهل البيت عليهم السلام الذين يكونون بعد الإمام المهدي عليه السلام, فلا حجية لهؤلاء الذين هم من ذرية الإمام الحسين عليه السلام وقوم من شيعة اهل البيت عليهم السلام.
ان هذه الرواية وامثالها تخالف الضرورات التي قامت في مذهب اهل البيت عليهم السلام من قبيل انقطاع السفارة والنيابة عن الإمام المهدي عليه السلام بمعنى تلقي الاحكام منه وايصالها إلى الناس مباشرة إلى حين خروجه وظهوره, ومنها انه لا حجية وامامة إلا للائمة الاثني عشر من اهل البيت عليهم السلام, فاذا ما جاءت رواية وتحدثت عن ان هناك امكاناً للاتصال والارتباط بالامام المهدي عليه السلام بمعنى السفارة الخاصة فان هذه الاخبار تصطدم مع تلك الضرورة وتلك السنة القطعية فلابد من رفضها أو تأويلها, وهذا له نظائر كثيرة عند المسلمين. فمن هذا القبيل روايات تحريف القرآن فانها حتى وان صح سند بعضها إلا اننا نرفضها لانها تخالف القرآن وتخالف السنة.
الوقفة الثالثة: اصولية عقائدية
حيث ان هؤلاء يعتقدون بان احمد اسماعيل كاطع رجل معصوم وان له حجية في الدين ويجب على الناس الاقتداء به ولا يجوز اخذ الدين إلا منه, وهذه الدعاوى تنسجم بل هي صريحة في أن ما يدعونه من اصول الدين, فلابد ان يثبتوا مضامين دعاواهم من سنخ ما تثبت به اصول الدين بمعنى ان تكون الادلة قطعية من حيث الصدور ومن حيث الدلالة وحيث انهم يصرحون في اكثر من كتاب وفي اكثر من مورد ان كل خبر لن يصل حد التواتر لا يوجب العلم وانه من اخبار الآحاد وان اخبار الآحاد ليست حجة في اصول الدين, فهذا تصريح لناظم العقيلي يقول فيه (أن قضية الامامة والنيابة من العقائد والعقائد لا يجوز فيها التقليد) وكذلك يقول (ان اخبار الآحاد وهي ظنية الصدور لا تصلح للاستدلال العقائدي فلا يجوز العمل بالرواية إلا اذا كانت قطعية الدلالة أي ان لها وجهاً واحداً ولا تحتمل غيره), فهذا الكلام من هؤلاء ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار في محاسباتنا لهم إذ انهم يسقطون رواية السمري عن الاعتبار بحجة انها خبر واحد مع انه وفي نفس الوقت يستعينون باخبار ضعيفة لا تكاد تصل إلى مستوى ما تثبت به مضامين اخبار الآحاد, ومع ذلك يحتجون بها ويتشبثون بمضامينها موهمين الآخرين بان هذه الاخبار حجة في اصول العقيدة خصوصاً الامامة والنيابة, مع انها كما قلنا على احسن احوالها لا تثبت احكاماً فقهية إذ هي تتأرجح ما بين الموضوع, والضعيف والمضطرب والمعارض.
اذن يتبين لنا ان هذه الرواية التي وقفنا معها ثلاث وقفات رواية لا تصلح للاستدلال الفقهي فضلاً عن انها لا تصلح للاستدلال العقائدي, اما رواية الإمام الصادق عليه السلام التي يروونها ايضا عن بشارة الاسلام والتي اخذها السيد حيدر الكاظمي في كتابه من كتاب غاية المرام, فبعد ان بحثنا عن هذه الرواية وجدنا فيها الآتي:
إن هذه الرواية مصدرها الاول هو كتاب دلائل الإمامة للمحدث الشيخ أبي جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير من اعلام القرن الخامس الهجري.
قال الطبري قال ابو حسان سعيد بن جناح حدثنا محمد بن مروان الكرخي قال حدثنا عبد الله بن داوود الكوفي عن سماعة بن مهران قال سأل ابو بصير الصادق عليه السلام عن عدة اصحاب القائم عليه السلام فاخبره بعدتهم ومواضعهم... الخ الرواية.
وجاء في رواية اخرى ما نصه (ومن البصرة عبد الرحمن بن الاعطف بن سعد, واحمد بن مليح وحماد بن جابر).
فهذه الرواية فضلاً عن انها ضعيفة السند بمحمد بن مروان وعبد الله بن داوود فهي أيضاً لا تدل على ما يدعيه هؤلاء, إذ ان الرواية تصرح انه احمد بن مليح وليس احمد بن الحسن أو احمد بن اسماعيل كاطع فضلاً عن ان الرواية تتحدث عن اصحاب الإمام عليه السلام الـ 313 الذين يخرجون مع الإمام المهدي عليه السلام وليس قبله و(اذا صح من احمد السلمي أن يدعي من هذه الرواية حجيته فلابد ان يدعي 313 شخص من مختلف البلدان حجيتهم أيضاً تبعاً لهذه الرواية الضعيفة السند المجملة الدلالة), (ثم ان نفس السيد حيدر الكاظمي صاحب بشارة الاسلام يعلق على هذه الرواية بقوله: (هذه النسخة كثيرة الغلط وقد سقط منها بعض الحروف وبدل بعضٌ...) فكيف يريد منا احمد البصري أن نطمئن إلى رواية مجملة قد سقط منها وأضيف وحذف بعض حروف كلماتها, ولعل احمد بن الحسن أيضاً زاد أو نقص في حروفها كما فعل في روايات اخرى, عجباً من هذا المعصوم.!
اضافة إلى ذلك: قد وردت عندنا جملة من الروايات تقول ان اول الدجالين من البصرة, حيث جاء في كتاب الملاحم والفتن للسيد بن طاووس ومن خطبة لامير المؤمنين بالكوفة قال فيها: (... ألا وكل من خرج من ولدي قبل المهدي عليه السلام فإنما هو جزور, واياكم والدجالين من ولد فاطمة فان من ولد فاطمة دجالين ويخرج دجال من دجلة البصرة, وليس مني وهو مقدمة الدجالين كلهم).
فهذا الحديث يصرح بان هذا الدجال الذي يدعي انه من ولد فاطمة هو ليس من امير المؤمنين وانما هو يدعي ذلك.!