خروج الإمام المهدي أمر متفق عليه اسلاميا
خروج الإمام المهدي عليه السلام أمر متفق عليه اسلاميا
السيد محسن الامين العاملي
اعلم انه قد اتفق جميع علماء الإسلام وتواتر النقل عن سيد الانام عليه السلام على انه سيخرج آخر الزمان رجل من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد علي وفاطمة عليهما السلام يملأ الله به الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا, وانه سمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب كنيته.
واختلفوا فمن قائل: انه لم يولد بعد وسيولد في وقت غير معلوم وهو آخر الزمان وهم اكثر علماء اهل السنة.
ومن قائل وهم الامامية الاثنا عشرية وجماعة من علماء اهل السنة: انه ولد ثم غاب عن الابصار بقدرة ا لعزيز الجبار خوفا من الاشرار, وربما ظهر لمن يعرفه اولا يعرفه من اوليائه وغيرهم, وان اسمه كاسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وابوه الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام وان مولده الشريف على المشهور بينهم كما دلت عليه بعض الروايات للنصف من شعبان خمس وخمسين وماتين من الهجرة. وقيل سنة ست وخمسين ومأتين لثمان ليال خلون من شعبان.
وانه يطول عمره إلى ان يظهر في آخر الزمان كما طال عمر الخضر عليه السلام, والدجال وغابا عن الابصار وكما طال عمر المسيح عليه السلام ورفع إلى السماء كما اعترف بذلك كله جميع علماء الإسلام-إلا من شذ-ونطقت به الاحاديث الشريفة عند الفريقين, كما اعترفوا جميعا ونطقت اخبارهم أيضاً بان عيسى بن مريم عليه السلام ينزل من السماء حين ظهوره ويصلي خلفه.
وحاصله أنه لا مانع من ان يكون الاختفاء بامر الله تعالى واذا لم يظهر لنا وجوده المصلحة في ذلك فليس لنا ان نحكم بعدمه لجواز وجود مصلحة خفيت علينا اذ لا يحيط علما بالمصالح الا علام الغيوب, وليس لنا ان نسأل الله تعالى لم امر وليه بالاختفاء فانه تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ).
ومن ذا الذي امسى بكل مصـــــــالح ال أمور محيطا غير رب له الامر
ولا يســـــــأل الرحمـــــن عن فعلـــــه ولا يحيط بما في علمه ابدا فكر
واعلم ان استبعاد الخصم لامر المهدي عليه السلام يقع اما من جهة طول العمر, لكل هذه المدة, واما من جهة الغيبة عن الابصار, واما من جهة عدم الفائدة في وجود امام مستور.
اما رفع الاستبعاد من الوجه الاول فبالامكان طول العمر, ووقوعه في البشر كثير, وتصريح القرآن الكريم به بالنسبة الى نوح عليه السلام.
واما رفعه من الوجه الثاني فبالامكان وقدرة الله تعالى عليه ايضا, ووقوع مثله في حق بعض الانبياء عليه السلام وفي حق الخضر عليه السلام والدجال:
وانكرتم طول الحياة وقلتــــــــــــــم الى مثل هذا لا يطول به العمــــــــر
وعمّر نوح بعد شـــــــــــــــــــــيت وآدم وعيسى والياس وادريس والخضر
وعاش ابن عاد وعمر سبعة انسر ثمانون عاما ما يعمــره النســــــــــر
وقصة أهل الكهف اعجب والذي على قرية قد مر امرهما امــــــــــــــــر
فقد صح مما مر أن وجـــــــــــــــوده خفيا عن الابصار ليس به خطــــــر
وفيما خلق الله تعالى واظهر من عجائب مقدوراته ما هو اعظم من ذلك, وقد ضرب بعض العلماء لذلك مثلا. وهو انه لو حضر رجل الى بغداد وقال انا امشي على الماء, فانه يجتمع لمشاهدته جميع اهل بغداد, فاذا مشى على الماء ونظروا اليه تعجبوا كثيرا, فاذا جاء آخر قبل ان يتفرقوا وقال انا امشي على الماء ايضا, فان التعجب منه يكون اقل وربما تفرق كثير من الحاضرين قبل ان ينظروا اليه, فاذا جاء ثالث وقال انا امشي على الماء ايضا فربما لا يقف للنظر اليه الا القليل, فاذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك, فاذا جاء رابع وذكر انه يمشي على الماء فربما لا يبقى احد ينظر ولا يتعجب منه.
اقول: بل يصير حاله حال السفينة التي تمشي على وجه الماء ولا يتعجب منها احد.
وهذه حال المهدي عليه السلام, فقد رويتم ان ادريس عليه السلام حي موجود في السماء منذ زمانه الى الان, وان الخضر حي موجود منذ زمان موسى عليه السلام او قبله الى الان, وان عيسى عليه السلام حي موجود في السماء وانه يرجع الى الارض مع المهدي عليه السلام. هؤلاء ثلاثة نفر من البشر قد طالت اعمارهم, وسقط التعجب من طول العمر.
ولما قيل لنا بوجود آلات يحصل بها التخاطب من الاماكن البعيدة بدون اتصال بينها كدنا نقطع بكذب ذلك حتى تكرر واشتهر وصار عندنا كسائر الامور العادية.
واما رفع الاستبعاد او الامتناع من الوجه الثالث فبأنه:
اولا: من اين نقطع بعدم الفائدة في وجوده وهو مستور؟
وأنى لنا بالعلم بانه عليه السلام لا يتصرف بما فيه المصلحة والمنفعة للخلق وهم لا يعلمونه بشخصه؟
وقد ورد في الحديث (أهل بيتي امان لاهل الارض او لامتي).
وقد ورد عن آبائه عليه السلام ان مثله في غيبته مثل الشمس بحجبها الغمام.
وثانيا: لو سلمنا ذلك او قلنا بفوات الفائدة الكاملة بسبب غيبته, نفول لا مانع من ذلك, ولا قبح فيه اذا كان سبب الغيبة من العباد, كما ان الرسل والانبياء عليه السلام اذا كذبوا ولم يؤمن بهم احد وقتلوا حين اظهار الدعوة او بقوا, او اخفوا انفسهم خوفا زمانا طويلا او قصيرا لم يكن لنا ان نقول: ما الفائدة في ارسالهم؟ فعلى الله تعالى ان يقيم الحجة ويقطع المعذرة بارسال الانبياء عليه السلام ونصب الاوصياء عليه السلام, فاذا لم يقبل منهم او حال بعض العباد بين الناس وبين الانتفاع بهم عليه السلام لم يكن في ذلك قبح ولا اخلال بالمصلحة.