عمر الإمام المهدي في كفة الحسابات
عمر الإمام المهدي عليه السلام في كفة الحسابات
الشيخ نجم السبتي
بعدما تبين ان الإمام المهدي عليه السلام, قد ولد عام 255 هـ, ولم يقم بالمهمة التي انيطت به, من املاء الارض قسطا وعدلا, وان يملك الارض...., وقد مرت الاعوام تلو الاعوام, والامر سهل للحد الذي يعيشه ابناء تلك الازمنة, والذي يقدر بمائة وعشرين عاماً, فمن زمن ولادته إلى سنة 375هـ يكون بقاؤه حيا مسألة طبيعية, ولكن لم تر اجيال تلك الازمنة خروجه وظهوره عليه السلام, بل ولم تر الاجيال المتعاقبة بعدها إلى زماننا ذلك, وبذا يخرج عمر الإمام المهدي عليه السلام عن العمر الطبيعي المحدد, فيكون عمره عليه السلامالى زمان كتابة هذه الكلمات ما يقرب من 1170 سنة, ولعل الغياب يستمر, فيرتفع هذا الرقم اكثر فاكثر.
ثم ان طبيعة العصر مرتهنة بامور عدة, منها: ما هو مادي, ومنها: ما هو معنوي, ومنها: ما هو داخل في دائرة اختبار الانسان, ومنها ما هو خارج عن دائرته, هذا مضافا إلى الاجل الذي قدره الله سبحانه, الذي يقبل التغير, والتبديل, فما يعيشه الانسان ضمن هذه الامور هو العمر الطبيعي.
واما العمر الذي يطلق عليه عوام الناس انه عمر طبيعي للعصر الفلاني, أو لبلد ما, فليس من العمر الطبيعي في شيء, وانما هو العمر الغالب, وفرق كبير بين ما هو الغالب, وما هو طبيعي, وكيفية التفريق بينهما, ان العمر الغالب يركن تحت السلوك الجمعي للناس, وهذا السلوك مما يحويه الخطأ ظهرا على بطن, حيث يترك الانسان ابداع الفكر عنده, ويريح نفسه بما يتجه السلوك الجمعي إليه, والملاحظ على السلوك الجمعي, انه يسير على العادات والطبائع الموروثة, دونما تمييز لصحها من خطئها.
فالعمر الطبيعي لا مجال فيه لغالب من الاعمار, أو المتعارف في الاعصار والبلدان.
فالعمر الطويل يمكن حصوله, لاي فرد, وفي اي زمان, وذلك ضمن العوامل المؤثرة في اطالته.
ولم تشهد الكرة الارضية, والمجموعة البشرية, رجالا عرفوا بالعلم والفهم والايمان والاعتقاد افضل من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام, فهم اقرب الناس للوصول لاطول عمر يقدره الله عز وجل, هذا لو كنا مع الاسباب المادية, أو المعنوية الداخلة في دائرة اختيار الانسان, ولكننا قلنا ان لله سبحانه تقديرا في عمر الانسان, وذلك حسب ما تقتضيه المصلحة الكبرى-وبما يعم الانسان والمجتمع-, فلعل المصلحة اقتضت ان يكون عمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث وستين سنة, وكذا عمر احد عشر خليفة من خلفائه عليهم السلام, فلم يتجاوز عمر احدهم عليه السلام سبعين سنة, مع انهم راعوا كل العوامل المؤثرة في اطالة الاعمار, ولكن ذلك السير في التقدير لاعمار الائمة عليهم السلام, لا يمنحنا ترخيصاً بأن نقول ان عمر الإمام المهدي عليه السلام كأعمار آبائه عليهم السلام في القصر, وانما عمره عليه السلام يخضع للعوامل والاسباب المطيلة للعمر الانساني حسب القاعدة, مضافا للتقدير الالهي للمصلحة في حياته عليه السلام, وكلا الامرين ممكن الحصول, بل وحصلا لغيره من الناس, كما هو الحال في اخبار المعمرين من ابناء البشرية.
قال الشيخ المفيد: (وان خرج عما نعهده نحن الان من اطوال عمر البشر, فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية, وأمثالهم في الانسانية, وما جرت به العادة في بعض الازمنة لم يمتنع وجوده في غيرها, وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان).
فالمد في عمره عليه السلام الشريف غير خارج عن دائرة العمل في اطالة الاعمار, والمصلحة المقدرة, والامكان, وبذلك يستنتج ان عدم الاقناع في طول عمره عليه السلام ليس له مبرر غير الميول والاغراض, فلو كان لغيره من الناس ما كان له عليه السلام من طول العمر, لاصبح شاهدا من شواهد المعمرين, هذا كله من جانب, ومن جانب آخر, ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نص على ان خروجه وظهو ر حتمي, سواء اطال عمره ام قصر.
عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(يكون في امتي المهدي عليه السلام ان طال عمره أو قصر عمره يملك سبع سنين أو ثمانية سنين أو تسع سنين, فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا, وتمطر السماء مطرها وتخرج الارض بركاتها, قال: وتعيش امتي في زمانه عيشا لم تعشه قبل ذلك).
فمسألة العمر في الاعتقاد بالامام المهدي عليه السلام تابعة لوجوده, وليس لها دخل في مهمته التي هي تطبيق الاطروحة الاسلامية السامية, ومن قبل. بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمهدي من هذه الامة, عليه ان يقبل به سواء طال عمره ام قصر.
فالمتحصل ان مسألة اطالة عمر الإمام المهدي عليه السلام داخلة ضمن اطار علل واسباب اطالة الاعمار, وضمن ارادة الله سبحانه, وان كل ذلك ممكن الحصول, لانسان لم يكن من المعمرين السابقين, فيكون من المعمرين اللاحقين, وشاهد حي للمستدلين في هذا المجال.
هذا كله بحسب الوضع الطبيعي في اطالة الاعمار, فكلما هو وارد من الناس كذلك يرد في الإمام المهدي عليه السلام. ولكن ذلك لا يمنع من ان العمر الطويل, اذا وقع ضمن حالة اعجازية يكون اعجازيا, والناظر في الروايات الواردة في مولانا صاحب الزمان عليه السلام, منذ ولادته إلى ما بعد ظهوره, يجد ان الاعجاز هو الغالب عليها, فروايات ولادته وحمله تحكي, ان آثار الحمل لم تظهر على امه رضوان الله عليها, وكذا الحال في ولادته, وروايات الغيبة الاولى (الصغرى) حيث علمه بالحوادث والحاجات, وروايات الغيبة التالية (الكبرى) وعمره الطويل, وانه محفوظ من كل شيء, وهكذا الحال مع روايات الظهور, ومعاملته مع انصاره, ومحاربة اعدائه.
والصحيح عندنا ان الغيبة للامام عليه السلام اعجازية, باعتبار عدم مغلوبية سببها, فهي حاصلة للامام عليه السلام, وهو فيها حي يرزق إلى يوم ظهوره, وبعد ظهوره, وسوف ينتصر, ويأتي بيوم العدل, الذي وعدت به البشرية, ولا يمكن ان يستعاض عن غيابه بسبب آخر, لورود الاحتمالات المعاكسة على شخص الامام عليه السلام, فلا يبقى محفوظا, ولا انه مجهول, وبتقدم العلم يمكن ان يكشف فيبطل ذلك الاعجاز.