من فقهائنا
سلسلة من المقالات تسلط الضوء على حياة الفقهاء النواب للإمام المهدي القائم عليه السلام
من فقهائنا: آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني قدس سره
نسبه وولادته قدس سره:
هو الشيخ محمد حسين بن الحاج محمد حسن معين التجار بن علي أكبر بن آغا بابا بن آغا كوچك بن الحاج محمد إسماعيل بن الحاج محمد حاتم نخجواني الأصفهاني ( الكمباني), من عائلة متدينة عريقة في مدينة الكاظمية المقدسة، كان المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني المشهور بالكمباني الابن الوحيد لأسرته .
ولد قدس سره في الكاظمية في اليوم الثاني عشر من شهر محرم الحرام سنة 1296هـ.
شخصيته وعلمه قدس سره:
وقد ظهرت عليه بوادر الرغبة الشديدة في تعلم العلوم الدينية منذ نعومة أظفاره ، لكنها واجهت مخالفة من قبل الأب الذي كان يزاول مهنة التجارة وكان يرتضي لابنه العمل في التجارة أيضا ليكون عونا له في أعماله .
ونقل أنه اتفق للأب والابن أن يتشرفا بزيارة حرم الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام وهناك دعا الابن ربه ملتجئا للإمام الكاظم عليه السلامان يلين قلب أبيه ويكسبه رضاه للذهاب لطلب العلم, فاستجيب لدعائه وحصل على موافقة الأب في نفس الحرم الشريف ، فأخذ بتعلم العلوم الدينية بجد ومثابرة حتى أحكم أسس مقدمات العلوم وتهيأ للدخول إلى حوزة النجف الأشرف الكبيرة .
وفي النجف الأشرف درس مراحل الأصول والفقه والفلسفة والعرفان على يد أساتذة كبار.
وخلال فترة قصيرة عاد كالعين الهادرة يقصدها الظمآن نتيجة حبه المفرط لطلب العلم, ومساعيه المستمرة في طريق كسب الكمالات العلمية ، حتى نقل أنه حضر لمدة 13 سنة درس الأصولي الكبير والمحقق المدقق المرحوم آخوند الخراساني بصورة متواصلة ومستمرة ولم ينقطع فيها إلا يومين فقط ، يوما عندما سافر إلى كربلاء وعند العودة تعطلت به السيارة التي كانت تقله فلم يستطع فيه حضور الدرس ، ويوماً آخر هطل فيه مطر غزير حتى امتلأت الأزقة بالمياه فأصبح الشيخ على علم بتعطيل الدرس, ولكن الطلبة كانوا قد قصدوا أستاذهم وحملوه على الأكتاف فانعقد مجلس الدرس. وهذا درس كبير لجميع محبي العلم وبالأخص طلاب العلوم الدينية.
أساتذته قدس سره:
درس الشيخ محمد حسين الغروي الاصفهاني قدس سره على يد أساتذة كبار مثل :
السيد محمد الفشاركي الأصفهاني, الشيخ آغا رضا الهمداني , الشيخ محمد كاظم الخراساني, الحكيم ميرزا محمد باقر الشيرازي , والعالم العارف الميرزا جواد آقا ملكي التبريزي وغيرهم .
تلامذته قدس سره:
وقد حضر وتتلمذ على يديه العديد من فطاحل العلماء من المهاجرين والنجفيين بحيث غدا كل واحد منهم مشعلا وضاء رافعا لراية هداية الأمة في فترات متباينة من التأريخ مثل : آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي, العلامة الشيخ محمد رضا المظفر النجفي, العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي, آية الله الحاج الشيخ محمد تقي بهجت, والعلامة الأميني صاحب الغدير والاصول .
أقوال العلماء في حقه:
- قال العلامة الشيخ محمد رضا المظفر قدس سره في شخصيته: هو من زمرة النوابغ القلائل الذين لا يضن الزمان بهم إلا في فترات متباعدة وهو أحد الشخصيات اللامعة في تأريخ علمي الفقه والاصول.
- وقال الآغا بزرك الطهراني قدس سره في شخصيته العلمية: ( ولما توفى شيخنا الخراساني برز بشكل خاص فحف به جمع من الطلاب واستقل بالتدريس في الفقه والأصول وكان جامعا متفننا شارك -بالإضافة إلى ما ذكر- في الكلام والتفسير والحكمة والتأريخ والعرفان والأدب إلى ما هنالك من العلوم وكان متضلعا فيها وله في الأدب العربي أشواط بعيدة، وكان له القدح المعلى في النظم والنثر ، امتاز ببراعة وسلاسة ودقة وانسجام وأكثر نظمه أراجيز، بالجملة فهو من نوابغ الدهر الذين امتازوا بالعبقرية وبالملكات والمؤهلات وغرقوا في المواهب ، كان محترم الجانب موقرا من قبل علماء عصره مرموقا في الجامعة النجفية, اشتغل بالتدريس في الفقه والأصول والعلوم العقلية زمنا طويلا، كانت له قدم راسخة في الفقه وباع طويل في الأصول وآثار في ذلك تدل على أنظاره العميقة وآرائه الناضجة . . .، وكان مجلسه مجمع أهل الفضل والكمال.
قال العلامة السيد عباس الكاشاني: إحدى خصوصيات المرحوم الأصفهاني هو التزامه الدائم بزيارة الحرم المطهر لأمير المؤمنين عليه السلام وقراءته الزيارة الجامعة حفظا ومشاركته في العشرة الأولى من شهر محرم الحرام في مجالس العزاء للإمام الحسين عليه السلاموكان كثير البكاء عليه حتى تحمر عيونه.
من روائع وصاياه قدس سره:-
إن الطريق المطلوب لأجل معرفة النفس قد بين أن النفس الإنسانية ما لم تمر بعالم المثال لا تستطيع بلوغ عالم العقل, وما لم تبلغ عالم العقل لا تستطيع الوصول إلى حقيقة المعرفة ونوره ، وبالتالي لا تصل إلى المطلوب ولذا ومن أجل إتمام الفائدة أنقل كلاما عن المرحوم الآخوند الملا حسين قلي الهمداني جزاه الله عنا خير جزاء المعلمين إذ قال: - يجب على السالك أن يقلل من غذائه ويفكر طويلا حتى يشتد عنده البعد الروحاني ويضمحل بعده الحيواني.
-بما أن هم السالك هو التخلص من سجن الطبيعة فيجب أن يكون هذا المقصد العالي هو الأساس لسير العارف والارتقاء إلى عالم القدس .
-ومن البديهي أن هذه النتائج ليست مجرد لقلقة لسان بل تستوجب الانقطاع إليه والفناء فيه .
-الذكر الدائم للمذكور والتوجه إليه ضروري حتى تحصل له الملكة في ذلك وتنفتح أمامه نافذة على عالم الملكوت ليصل إلى مرتبة شهود النفس المجردة ( من عرف نفسه فقد عرف الله).
أقوال العلماء فيه قدس سره:
كل من هو طالب لله يجب أن يكون الله حاضرا عنده دائما ولسانه مشغولا بالذكر وأن يجعل قلبه حرما لله .
ينقل السيد عبد العزيز الطباطبائي أنه كان لدى آية الله الأصفهاني شوق وافر وحب مفرط لاهل البيت عليهم السلام وانه كلما تحين الفرص المناسبة تراه يذهب إلى زيارة الأئمة عليهم السلام, وحين فراغه من الزيارة يصلي صلاة جعفر الطيار بدل ركعتي صلاة الزيارة ويهدي ثوابها للأرواح المطهرة للأئمة عليه السلام وقد حافظ على هذه السنة طيلة حياته . ونقل أيضا أنه كان لديه حب خاص للإمام موسى الكاظم عليه السلام ويهتم اهتماما كبيرا بزيارته .
مؤلفاته قدس سره:
لقد خلّف هذا الرجل العظيم كتبا قيمة يصدق عليها ( الباقيات الصالحات) بتمام معنى الكلمة ,وهي كثيرة جدا .
وفاته قدس سره:
التحق قدس سره بالرفيق الأعلى في غروب يوم الأحد الخامس من ذي الحجة سنة 1361 ه? , وبرحيله رحمة الله صدع العلم وفقدت حوزة النجف الأشرف ركنها الركين, وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء. تغمده الله بواسع رحمته وحشره مع الأئمة المعصومين عليهم السلام . وقد دفن قدس سره في حجرة صغيرة في إيوان الذهب, بينها وبين مقبرة العلامة الحلي المأذنة الشمالية.