ما الفائدة على وجود إمام غائب؟
ما هي الفائدة المترتبة على وجود إمام غائب عن الأنظار؟
السيد أيمن مكي
لم يعد المهدي عليه السلام فكرة ننتظر ولادتها، ونبوءة نتطلع إلى مصداقها، ففكرة المهدي عليه السلام أقدم من الاسلام، وأوسع منه، فإن معالمها التفصيلية التي حددها الاسلام جاءت أكثر اشباعاً لكل الطموحات التي نشدت هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاءً وأقوى إثارةً لأحاسيس المظلومين والمعذبين على مرّ التاريخ وذلك لأن الاسلام - بولادة المنقذ - حوّل الفكرة من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، بل واقع قائم ننتظر فاعليته، وانسان معين يعيش معنا بلحمه ودمه، نراه ويرانا، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض، من عذاب المعذبين، وبؤس البائسين، وظلم المظلومين، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمدّ يده إلى كل مظلوم، وكل محروم، وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين، وقد قدّر لهذا القائد المنتظر عليه السلام أن لا يعلن عن نفسه، ولا يكشف للآخرين حياته، على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة.
وفي نفس الوقت راح هناك من يتساءل ويعطي المواقف السلبية تجاه فكرة المهدي عليه السلام لدى عدد من الناس، الذين يصعب عليهم أن يتصوروا هذه الفكرة أو يفترضوها.
ولقد نشأت هذه التساؤلات والاستفهامات على أرضية تلك الانطلاقة التي أسس لها نظام الفكر السني في فهم الامامة.
ومن هذه التساؤلات سؤال عن ما هي الفائدة المترتبة على وجود إمام غائب عن الأنظار؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بدّ لنا من مقدمة تكون لنا مدخلاً للاجابة عنه..
إن الذي نستوحيه من القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والروايات الصحيحة الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين هم عدل القرآن كما هو نص حديث الثقلين، أن الامامة التي تعتقد بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام تختلف اختلافاً جوهرياً عن دور الإمامة التي تنحصر في الخلافة والحكم، وذلك لأن هذا الاتجاه يرى أن للإمامة دوراً فوق دور القيادة والزعامة، وهو الدور الذي بيّنه القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) وأشار إليه بقوله تعالى لابراهيم الخليل عليه السلام في قوله تعالى: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) وهي التي عبّر عنها الامام الرضا عليه السلام : (هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الامة، فيجوز فيها اختيارهم، إن الامامة أجلّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، او أن ينالوها بأرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.
وبعد هذه المقدمة التي بيّنت أن الامامة هي تخصيص من اللّه تعالى عالية الشأن والمرتبة، والتي لا يمكن للناس أن يبلغوها بعقولهم، أو أن ينالوها بآرائهم.
نعود إلى سؤالنا الأول والذي سئل عنه الامام الباقر عليه السلام فقال: (لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن اللّه عز وجل يدفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أو امام، قال اللّه تعالى: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ).
ومن هنا عبّر الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا الدور لأهل بيته عليهم السلام بقوله: (النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون).
ولعلّه تشبيه لانتفاع الناس بالحجة في زمان غيبته، فعندما يُسأل الامام الصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام : (كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب).
فهذه الأحاديث تشير إلى عدة نواح منها وبعض الفوائد المترتبة على وجود امام حتى ولو كان غائباً عن الأنظار. فقد أشارت الأحاديث أن وجود الامام عليه السلام مرتبط ببقاء العالم على صلاحه، وأنه يرفع العذاب عن أهل الأرض، وأنه أمان لأهلها من أي مكروه يخشاه الناس، وأن الانتفاع لا يختص بعالم التشريع والاعتبار بل يتجاوز ذلك إلى عالم التكوين, وفي الحديث الأخير هناك اشارة إلى أن هذا الأمر غير محسوس وغير مرئي للناس، بل هو يرتبط بعالم الغيب ولعل الحديث المروي عن الامام السجاد عليه السلام يشير إلى هذه الحقائق أو إلى بعضها بقوله: (نحن الذين بنا يمسك اللّه السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزّل الغيث، وبنا ينشر الرحمة ويخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها).