من فقهائنا
سلسلة من المقالات تسلط الضوء على حياة الفقهاء النواب للإمام المهدي القائم عليه السلام
من فقهائنا
العلامة الحلي قدس سره
اسمه ونسبه قدس سره
هو الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر أبو منصور, الحلي مولدا ومسكنا.
ولد في شهر رمضان عام 648 هـ من أبوين صالحين رؤوفين، فوالده هو الفقيه سديد الدين يوسف بن علي المطهر, الاسرة العربية الاسدية العريقة, ممن كانت لهم الامارة والسيادة في الحلة, والذين نبع منهم رجال لهم شأن في مجالات الحياة العلمية والعملية, وحسبك منهم الامراء المزيديين وهم مؤسسو الحلة الفيحاء.
فاما امه فهي المرأة الصالحة بنت الحسن بن أبي زكريا يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي الحلي.
وقد شارك في تربيته قدس سره مشاركة فعالة خاله المعظم المحقق الحلي قدس سره، فكان له بمنزلة الأب الشفيق من كثرة رعايته له والاهتمام به. وهكذا فقد تربى قدس سره في محيط علمي مملوء بالتقوى وصفاء القلب بين اسرتين علميتين.
تلامذته قدس سره
قرأ عليه قدس سره وروى عنه جمع كثير من العلماء الأفذاذ, منهم :
-ولده فخر الدين محمد قدس سره.
- ابن أخته السيد عميد الدين بن عبد المطلب الحسيني الأعرجي الحلي قدس سره
- ابن أخته السيد ضياء الدين بن عبد الله الحسيني الأعرجي الحلي قدس سره.
- السيد تاج الدين محمد بن القاسم الحلي أستاذ ابن عنبة.
-الشيخ تاج الدين حسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي الكاشاني قدس سره.
وتخرج به اقوام كثيرة غير من تقدم محلها غير هذا المختصر.
اقوال العلماء فيه قدس سره:
وصف علامتنا الحلي قدس سره - الذي هو في غنى عن التعريف العلماء من الخاصة والعامة ، منهم :
أستاذه نصير الدين الطوسي قدس سره حيث قال : عالم إذا جاهد فاق.
وقال معاصره ابن داود: شيخ الطائفة, وعلامة وقته, وصاحب التحقيق والتدقيق, كثير التصانيف ، انتهت رئاسة الإمامية إليه في المعقول والمنقول.
وقال معاصره الصفدي: الإمام العلامة ذو الفنون... عالم الشيعة وفقيههم ، صاحب التصانيف التي اشتهرت في حياته... وكان يصنف وهو راكب... وكان ابن المطهر ريض الأخلاق، مشتهر الذكر.
وقال فيه الشهيد الأول قدس سره: شيخنا الإمام الأعلم حجة الله على الخلق جمال الدين.
مكانته العلمية :
أن العلامة حاز مرتبة علمية سامية تفوق بها على العلماء. وكان له ذكاء خارق, وبذكائه هذا وعلمه استطاع أن يفحم أعلم علماء السنة بمناظراته الدقيقة ، وبسببه تشيع السلطان (خدابنده) وكثير من الأمراء ثم كثير من الناس ، وذلك لما شاهدوا لسان العلامة ينطق بالحق الذي لا ريب فيه. فنستطيع أن نقول وبكل صراحة : بفضل هذا العالم تركزت أركان الإسلام بصورة عامة والتشيع بصورة خاصة أكثر مما كانا عليه ، فلهذا العالم العلامة حق كبير على المسلمين عموما والشيعة خصوصا ويحدثنا التاريخ بأن هذا النحرير نال درجة الاجتهاد في زمن الصبا قبل أن يصل إلى سن التكليف.
مؤلفاته قدس سره :
ألف العلامة الحلي قدس سره كتبا كثيرة قيمة، لها الدور الأساسي في إيجاد الحركة العلمية آنذاك. فقد ألف في شتى العلوم من الفقه والأصول ، والحديث والرجال. والطبيعي والإلهي و... وكانت مؤلفاته ولا زالت محط أنظار العلماء تدريسا وشرحا وتعليقا.
العلامة الحلي قدس سره وقصة استبصار ايران:
كان السلطان اولجايتو هو محمد بن أرغون خان قد جلس على كرسي عرشه سنة 703هــ, واتبع مذهب الشافعية, ولقب بلقب اولجايتو, وتعني بالتركية السلطان الكبير المبارك.
وبعد اتباعه مذهب الشافعية استبصر بمذهب اهل البيت علیهم السلام ولقب نفسه (خدا بنده) اي عبد الله. ولاستبصاره واسبابه قصة. ننقلها هنا برواية العلامة المجلسي قدس سره في روضته والتي تتلخص بـ:
غضب السلطان (الملك) في يوم من الايام على امرأته وقال لها : أنت طالق ثلاثا ، ثم ندم على ذلك وجمع العلماء واستشارهم، فقالوا : لا بد من المحلل، فقال : عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة، أفليس لكم هنا اختلاف ؟ فقالوا : لا. فقال أحد وزرائه : إن عالما بالحلة يقول ببطلان هذا الطلاق فبعث كتابه إلى العلامة قدس سره وأحضره, وكان علماء العامة قد قالوا للملك قبل مجيء العلامة الحلي قدس سره في ان له مذهبا باطلا ولا عقل للروافض, ولا يليق بالملك ان يبعث إلى رجل خفيف العقل. _ويقصدون بذلك العلامة الحلي قدس سره_ فقال لهم الملك: فلما حضر العلامة قدس سره بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الاربعة وجمعهم. فلما دخل العلامة الحلي قدس سره أخذ نعليه بيده ودخل المجلس بعد ان قال : السلام عليكم ، وجلس عند الملك. فقال علماء المذاهب للملك : ألم نقل لك انهم ضعفاء العقول. قال الملك : إسألوا منه في كل ما فعل. فقالوا له قدس سره: لِمَ لم تنحنِ للملك وتركت الآداب ؟ فقال قدس سره : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ملكا وكان يسلم عليه (فقط)، وقال الله تعالى :
((فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)). فقال علماء المذاهب : لم جلست عند الملك ؟ قال قدس سره : لم يكن مكان غيره. فقالوا له قدس سره : لأي شئ أخذت نعلك معك، وهذا ما لا يليق بعاقل بل بإنسان ؟ ! قال قدس سره: خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصاحت الحنفية : حاشا وكلا ، متى كان أبو حنيفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل كان تولده بعد المائة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال : فنسيت لعل السارق كان الشافعي. فصاحت الشافعية وقالوا : كان تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة، وكان نشوؤه في المائتين من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال قدس سره : لعله كان مالك. فقالت المالكية بمثل ما قالته الحنفية. فقال قدس سره : لعله كان أحمد بن حنبل. فقالوا بمثل ما قالته الشافعية.
فتوجه العلامة قدس سره إلى الملك. فقال قدس سره: أيها الملك علمت - أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في زمن الصحابة، فهذه أحد بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هؤلاء الأربعة ، ولو كان منهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد بخلاف ما أفتاه واحد منهم.
فقال الملك: ما كان واحد منهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة ؟ فقال الجميع: لا. فقال العلامة قدس سره: ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخيه وابن عمه ووصيه.
وعلى أية حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل ، لأنه لم تتحقق شروطه، ومنها العدلان ، فهل قال الملك بمحضرهما ؟ قال : لا. وشرع عليه السلام في البحث مع علماء العامة حتى إلزامهم جميعا.
وعندها تشيع الملك وبعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا للأئمة الاثني عشر في الخطبة ، ويكتبوا أساميهم علیهم السلام في المساجد.
ثم امر الملك بتغيير الخطابة واسقاط اسماء الثلاثة عنها, وبذكر اسم امير المؤمنين علي عليه السلام والائمة علیهم السلام, وذكر (حي على خير العمل) في الاذان.
ويجدر بنا هنا ان نلفت الانتباه إلى من يتهم التشيع بان اصوله قدس سره فارسية فهاهم العرب العراقيون الاسديون يشيّعون ايران.
الطاف الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام على العلامة قدس سره:
ذكر كل من المحدث النوري, وعلي ابن ابراهيم المازندراني, وايده التنكابني بــ:
ان بعضهم كتب كتابا في الرد على الامامية يقرؤه في مجامع الناس يضللهم باغوائه, ولا يعطيه احدا يستنسخه حذرا من وقوعه بأيدي الشيعة فيردوا عليه, وكان العلامة قدس سره يحتال في تحصيله إلى ان رأى التدبير في التتلمذ على ذلك الشخص, وتوسل قدس سره به إلى طلب الكتاب, فلما لم يسعه رده قال: اعطيك ولكني نذرت إلا ادعه عند احد اكثر من ليلة واحدة, فاغتنم العلامة عليه السلام الفرصة وأخذ الكتاب إلى بيته ليستنسخ منه حسب الامكان في تلك الليلة.
فلما صار نصف الليل وهو قدس سره مشغول بالكتابة غلب عليه النوم, فاذا بمولانا الحجة عليه السلام داخل عليه يقول له, اجعل الامر في هذه الكتاب الي ونم ففعل عليه السلام كذلك, ولما استيقظ قدس سره رأى الكتاب مكتوبا باجمعه, في آخره مكتوب (كتبه م ح م د بن الحسن العسكري صاحب الزمان عليه السلام).
من ذكائه وسرعة بديهيته قدس سره:
كان العلامة قدس سره واقفا في يوم من الايام مع ابيه, والبناء يبني, فاذا بمقدار من الطين يقع على وجه العلامة قدس سره, فيقول البناء: يا ليتني كنت مكان هذا الطين, فيبادر العلامة قدس سره بالبداهة قائلا لوالده: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا).
ومعروف ان العلامة قدس سره في طفولته كان يدرس عند خاله المحقق قدس سره وكان في بعض الاوقات يهرب من الدرس, فكان المحقق يلحقه ليمسكه, فاذا وصل (خاله) قدس سره قربه قدس سره قرأ العلامة قدس سره آية السجدة, ليسجد عندها المحقق, ويغتنم العلامة الفرصة للهرب.
وفاته ومدفنه قدس سره:
بعد وفاة السلطان محمد (خدا بنده) الذي استبصر على يد العلامة قدس سره واستبصرت ايران بعده, رجع علامتنا قدس سره إلى الحلة واشتغل بالتدريس والتأليف وتربية العلماء وتقوية المذهب.. ولم يخرج من الحلة إلى غير الحج الذي كان في اواخر عمره قدس سره. وهكذا بقى العلامة قدس سره على هذه الوتيرة إلى مفتتح شهر محرم الحرام سنة 726هــ. فالتحق بالرفيق الاعلى, فحمل نعشه الشريف على الرؤوس إلى النجف الاشرف ودفن في جوار امير المؤمنين عليه السلام في حجرة ايوان الذهب الواقعة على يمين الداخل إلى الحضرة العلوية الشريفة من جهة الشمال بجنب المنارة الشمالية.