المنتظر بين ستراتيجية الاهداف والتحرك
المنتظر عليه السلام بين ستراتيجية الاهداف المهدوية والتحرك المرحلي
لطيف عبد النبي يونس
الفكر المهدوي يتمتع بنظام رسالي شامل ومتكامل يضمن حل كل مشاكل الانسان والبشرية، ويمتلك رؤية كونية تفسر نظام الوجود وفق نظرة فلسفية اكدت وتؤكد تكاملها في ايجاد الحلول والاجوبة لكل اسئلة البشرية المطروحة في الواقع ، والتي تعطي من خلال تلك الردود الرؤية العقلية المبنية على التوازن المطلوب والمنشود من قبل البشر وبما يتناسب مع عامل العقل والفطرة السليمة, ويحقق الامل والمستقبل الحقيقي الذي تامله البشرية.
وكل انسان نزيه في تفكيره وبحثه يجد الحلول الحقيقية في الاسلام المهدوي وبما يجانب الاساطير والانحرافات العقلية, وبما يلائم العقل السليم والذوق الوجداني الرفيع.
ولكن هناك اشارة مهمة وهي بنفس ذلك المقدار حيث تكمن ابعاد اخرى وهي: العمق الموضوعي, والتدرج التاريخي, والسمو الروحي, وهذه الابعاد تحتاج إلى ما يناسبها من نضج وسمو عقلي حتى تستوعب تلك النظرية الراقية في كل ابعادها .، ولكن للاسف فان البشرية وبسبب الانحراف العقلي والفساد الروحي تاخرت كثيرا وكثيرا في فهم الفكر المهدوي ولذلك اخرت اثاره ونتائجه إلى مراحل متاخرة, والا لكانت البشرية قد تنعمت بتلك الابعاد الروحية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية منذ زمن متقدم!!
وهنا لابد أن نعلم أن النظم تنقسم الى قسمين وهما: النظام الرسالي وغير الرسالي.
ونقصد بالنظام الرسالي هو ذلك النظام او الفكر الذي يمتلك رؤية كونية يفسر من خلالها الوجود.
ومن لم يمتلك تلك الرؤية الكونية الفلسفية فليس بمقدوره ان يجيب على كل التساؤلات ويتعداها إلى عدم امكانيته صياغة نظام شامل ومتكامل ليقود الحياة.
وعلى هذا الاساس فان الفكر المهدوي الاسلامي يصنف ضمن النظم الرسالية التي استطاعت ان ان تعطي اجابات صريحة وواضحة لكل الاسئلة المتعلقة بالوجود او ادارة المجتمع .
اما النظم غير الرسالية فانها تلك النظم التي مارست التطبيق على الواقع من دون امتلاكها أية رؤية كونية تفسر الوجود وانما تقتصر على افكار تعمل بها في المجتمع وادارته وهي غالبا ما تكون خليط من افكار مستقاة من هنا ومن هناك .
وذلك مثل الفكر الماركسي باعتباره يمتلك رؤية فلسفية وكونية تفسر الوجود، وهي الرؤية المادية الديالكتيكية، والتي من خلالها فسر قوانين المجتمع واعطى نظاما لادراته ولكن بسبب قصوره الذاتي الذي ينبع من كونه نظاما وضعيا غير قادر على استيعاب كل ابعاد الوجود او الحياة, فبالتالي سقط هذا الحكم واصبح مركونا على رف التاريخ.
والفكر الاسلامي المهدوي وبما يملك من وراثة الهية, وبعد تاريخي, وإرث كبير واصيل, وآمال مستقبلية فانه يستمد قوته وفعاليته من خلال رؤيته الكونية الشاملة والمتكاملة وهي على بعدين، التوحيد والعدل ،وعلى هذا فان اهدافه العليا انما تنبع من رؤيته الكونية ، فالتوحيد الذي يمثل البعد النظري المتعلق بالمبدأ, وعلى اساس التوحيد يفهم المبدأ, وان اي خرق لهذا الهدف على أي سبيل ياتي بأمور خطيرة توقع عملية التطبيق في مأزق .
وبما ان الفكر الرسالي يستمد افكاره الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من خلال تلك الرؤية الكونية والتي من خلالها يدير بها المجتمع ، فان منشأ هذه الادارة انما ياتي من خلال جوهر الترابط الذاتي بين الاقانيم الثلاث (المبدأ ،الانسان، الحياة) وعليه فان الشق الثاني من الهدف الستراتيجي هو العدل الذي يحقق هذه الادارة ، تلك الادارة المتصفة بكل مقومات النجاح المستمر والمذهل وذلك لكونها تناسب العقل والفطرة .
ولننتبه إلى تلك الرابطة والعلاقة السببية بين العدل والتوحيد في عالم التكوين
فـبالعدل قامت السموات والارض ، (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا).
فالرابط بين العدل والتوحيد في ادارة المجتمع الارضي يتمثل بالبعد التشريعي الشامل، فبدون التوحيد والعدل من المستحيل ان تتحقق سعادة المجتمع الارضي، وبعبارة توضيحية ان عدم تحقيق التوحيد الحقيقي المتمثل بالخوف والرجاء، وعلى راسها وتاجها توحيد الاحرار (الهي ما عبدتك خوفا من نارك ولاطمعا بجنتك ولكني وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك) سوف لن يسمح للعدل بالقيام ،فالمجتمع التوحيدي انما يقوم على ثلاثة اقسام,
-قمة الهرم المتمثل بذلك الانسان الكامل الذي يوحد الله تعالى بتوحيد الاحرار (المتحرر من قيدي الخوف والرجاء على ضوء الحديث آنفا) والمتمثل بالمعصوم عليه السلام.
-والقائد الاوحد للمجتمع التوحيدي.
-وقاعدتي الهرم المتمثلين بتوحيد الله تعالى على اساس الخوف والرجاء او الطمع ، ومن هذه المقدمة ينشأ العدل نتيجة حتمية لاتتخلف ولاتختلف.
ومن خلال تحقيق هذين الهدفين الستراتيجيين تتحق كل متعلقاتها الجزئية.
ولو تمعنا في حركة الفكر المهدوي ( ونقصد بالفكر المهدوي الفكر المبني على اساس تحقيق الاهداف العليا ) فاننا نجده قد تعرض لظروف موضوعية من قبل الانسان المنحرف (الفكر المنحرف) وبالتالي وجد نفسه يخوض صراعا اخر غير ما اسس له، فهو اول ما بدا كان مشروعا وبرنامجا بذر التوحيد ورعاه بروح الاسلام لكي يثمر عن مجتمع توحيدي مستمر في عطائه ولاقامة خلافة الله في الارض وتحقيق المجتمع التوحيدي الارضي، ومن ثم ينطلق مع المجتمعات التوحيدية في الوجود، ولذلك يعبد الله تعالى ويعرف في عالم الوجود الجبري والاختياري، ولكي يعزف الوجود لحن التوحيد الخالص وتتحقق غاية الباريء التي لانعرفها الا بعد ان تتحقق المهدوية في الارض وتشمل الكون.
ولكن الانحراف الارضي جعل هناك صراعا اخر، ولعله حتمي، وهذا ما رأته الملائكة في بدأ الخلق ومن هنا نشأ الاستفهام ... ومن هنا نشات ظروف موضوعية حولت القضية من ممارسة التطبيق المباشر للاهداف العليا إلى مرحلة الرد على الانحراف بكل ابعاده الفكرية والتطبيقية وعاش الفكر المهدوي صراعا طويلا ومريرا، وهذا الأمر لم يغير من الاهداف العليا التي هي ذات وهوية الفكر المهدوي, بل على العكس فان اصحاب كل الاطروحات التي طبقت على الارض ساهمت في ابراز الاهداف العليا للاسلام المهدوي من حيث يشعرون او لايشعرون، وذلك بفضل المعصوم عليه السلام، فالتكتيك كان بايدهم وهم يغيرونه بما يخدم الفكر المهدوي على مر الزمن ...
ومن هنا نقول ان الظروف الموضوعية مارست ضغطا على الفكر المهدوي وجعلته يغير خططه المرحلية، وهنا تبرز مسالة رد الفعل في الاسلام عموما والفكر المهدوي خصوصا.
وهكذا قام المعصوم عليه السلام وعلى طول الفترات التاريخية بالتحرك المرحلي من اجل اعادة الظروف الموضوعية إلى سياقها الطبيعي المناسب لعملية التطبيق للاهداف العليا.