تمهـيدنا
تمهـيدنا
ثقافة الانقياد
يتمايز الناس على نحوين من الانقياد, إذ لا يخلو فرد من أن يكون منقاداً إلى جهة تمثل له لونا من الوانه وهوية من هوياته المتعددة.
وينبغي لنا عندما نتحلى بهذه الثقافة أن نتحلى بها، ونحن على معرفة بمن ننقاد اليه على معرفة بتوجهاته وعلى معرفة بخلفياته الفكرية والثقافية, هذا إذا كان الذي ننقاد اليه من وسطنا, أما إذا كان من دائرة اخرى أكبر من دائرتنا واوسع كالانقياد إلى دائرة الإمامة أو إلى دائرة النبوة أو دائرة الالوهية, فان هذه الانقيادات الثلاث شروطها قد وضحت في علم العقيدة والكلام, ولا نريد الحديث عنها إذ اننا نريد الحديث عن الانقياد ضمن دائرتنا ومحيطنا حيث يكون اغلبنا منقاداً بعضه إلى بعض, فكثير من الشباب يستهويهم بعض الاشخاص فينقادون اليه وهكذا بقية افراد المجتمع وطبقاته, وهنا يأتي الكلام لان الخطر يكمن في الانقياد اللاواعي واللامدروس لما يسببه من آثار وخيمة على عقيدة الانسان ومستقبله.
حيث تنتشر في اواسطنا ثقافات متعددة متشابكة متناقضة فاذا لم يحسن الفرد منا اختياراً جيدا لمن ينقاد اليه ويستمع منه فانه سينحرف ويسلك مسلكاً معوجا لا يؤدي به إلى الهدف الذي يصبوا اليه ويكافح طيلة فترة وجوده من اجل تحقيقه.
وبين ايدينا الكثير ممن انفلتوا وانحرفوا بسبب الانقياد الخاطيء غير المدروس أو النابع من حسن الظن أو الاسترسال وراء اشخاص يصورون للآخرين أنهم يحملون الاهداف الكبرى ويضحون من اجلها ولكن متى ما وقع الناس في شباكهم كشروا عن انيابهم وتبينت حقائقهم, وان ابليس يتعلم منهم فن اسقاط الانسان وحرفه عن مسيرته وهدفه.
ولا نبالغ إذا رفعنا نسبة الانقياد الخاطيء إلى ما يفوق النصف في المجتمع, اما لحسن الظن بمن لا ينبغي ان يحسن الظن بهم, واما للاسترسال, واما لعدم تتبع من ينقادون اليه.
اذن فالاشكال ليس في ثقافة الانقياد، فهي ثقافة ممدوحة محترمة تنم عن توزيع التخصصات, وتحكي لنا ان كل شخص في تخصصه رائد, وان الآخرين منقادون اليه, بل الاشكال في معرفة من ننقاد اليه - كما هو حاصل ايامنا هذه فيمن يدّعون التمثيل المطلق للتمهيد بل والانتساب لمهدي آل محمد عليه السلام بشكل او بآخر، وأن طريق الارتباط به عليه السلام منحصر بهم دون سواهم - وانه ينبغي ان يكون ضمن الموازين والاطر التي حددتها لنا الشريعة, فلا ننقاد وراء شخص ضبابي ومشوش وموهوم, ويتحدث أكثر مما يفعل وتختفي علينا مصادره علمياً أو مالياً, وليس بايدينا انتسابه وحقيقته, اذ ان التبعية فرع الوضوح, اذ كيف اكون تابعا لشخص اسعى لتحقيق هدفي من خلاله, وفي نفس الوقت لا اعرف من حاله, بل انا اعرف بهدفي وطرق تحقيقه أكثر منه إذا تمعنت ودققت النظر في ذلك المجهول الذي يدعوني إلى متابعته والانقياد له.
اذن فالحذر كل الحذر من الانقياد الخاطيء المنحرف عن الموازين وغير المنظم لانه يورد المهالك, ويضيع على الانسان هدفه, ويفني عمره.
رئيس التحرير