الوهابية ومعوقات التمهيد
الوهابية ومعوقات التمهيد
سلسلة من الابحاث تسلط الضوء على الحركة الوهابية وتكشف ارتباطاتها الخفية
عبد الله القحطاني
جيــــــــش الاخــــــــوان
بعد التحالف مع ابن سعود اقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب تجمعات تسمى (الهجر) ومن اشهرها (هجر الارطاوية) يستقبل فيها جموعاً من الناس الذين دخلوا في مذهبه، والزمهم بالهجرة اليه في بداية الدعوة؛ وقد استغرب هذه الهجرة اخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب فرد عليه في كتابه (الصواعق الالهية في الرد على الوهابية) وشرح له حديث (لاهجرة بعد الفتح) والحث على الاقامة في المدينة وفساد الرأي بالهجرة منها.
والحق ان هذه التجمعات لم تكن سوى معسكرات تدريبية لاعداد جيش نظامي قوي، وهذا هو الدافع الحقيقي وراء الخروج بفكرة الهجرة، وهو امر بطبيعة الحال لا يدركه اهل الجزيرة في زمانهم.
لقد كانت هذه المعسكرات منظمة، حلاقة الرؤوس بها اجبارية (نقل خبر وجوب الحلاقة اكثر من مؤلف اشتهر بالورع والتقوى ومنهم الشيخ دخلان في (فتنة الوهابية) ص19، والعلامة المنعمي في قصيدة مخاطباً بها الشيخ محمد عبد الوهاب بعد ان قتل جماعة من المسلمين أبوا حلق رؤوسهم قائلاً :
أفي حلق رأسي بالسكاكين والحدّ *** حديث صحيح بالاسانيد عن جدي)، والاعراب الذين كانوا لايجدون قوت يومهم اصبحت لهم دخول ثابتة ودروس علمية على يد الشيخ محمد نفسه تؤهلهم للحكم على المسلمين بالشرك مما يهون عليهم قطع رقابهم من بعد؛
يقول ابن بشر عن هؤلاء: (ولما هاجر من هاجر إلى الدرعية واستوطنوها كانوا في اضيق عيش واشد حاجة وابتلوا ابتلاء شديداً فكانوا في الليل يأخذون الاجرة ويحترفون وفي النهار يجلسون عند الشيخ في درس الحديث والمذكرة) !!! ومما زاد في اعداد هؤلاء الجنود ان الشيخ كان يعطيهم عطاء سخياً ويتحمل عنهم ديونهم؛ يقول ابن بشر : (وكان الشيخ _رحمه الله_ لما هاجر اليه المهاجرون، يتحمل الدين الكثير في ذمته لمؤونتهم وما يحتاجون اليه).
والذي يدعو للعجب في هذا عدة امور :
الاول : ان الشيخ محمد لم يشتهر انه من الاثرياء، فمن اين كان يأتي بكل هذه الاموال؟!
الثاني : ان التجنيد الاجباري ومعسكرات التدريب وحلاقة الرؤوس الاجبارية امور حديثة غريبة ولا يمكن بحال ان تخرج من جعبة محمد عبد الوهاب، والدلائل تشير إلى انه كان يشرف على التدريب فيها الضباط البريطانيون، وفعلاً قتل بعضهم في عمليات حربية من بعد، كما حصل مع الكابتن شكسبير، واشتهر بعضهم قيادياً بما لاينكره الوهابية (كفيلبي والعميد ديكسون).
وقد استمر ابناء الشيخ واحفاده في رعاية هذا الجيش والغزو معه واحكام تنظيمه، حتى عرف باسم جيش الاخوان، وهي تسمية يقول الوهابية بان الذي اطلقها عليه هو الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت1339 هـ) جد الملك فيصل لامه.
التجربة العملية :
وكانت اول تجربة للغزو قام بها سبعة من خبراء هذا الجيش، وكان الغريب انهم سقطوا من على ظهور الجمال، مما حدا بابن بشر لان يؤرخ لهذا الحدث قالاً: (ثم امر الشيخ _اي محمد بن عبد الوهاب_ بالجهاد وحضهم عليه فامتثلوا، فاول جيش غزا كان سبع ركايب، فلما ركبوها واعجبت بهم النجائب في سيرها سقطوا من اكوارها لانهم لم يعتادوا ركوبها، فاغاروا على بعض الاعراب فغنموا رجعوا سالمين) وتساؤلنا عن هوية هؤلاء الذين لم يعتادوا على ركب النجائب ؟! فالعهد باهل نجد _وخصوصاً في تلك الفترة_ ومنذ نعومة اظفارها لايعرفون مركوباًسوى الجمال، والعيب كل العيب ان يسقط الرجل العادي عن ظهر البعير فكيف بالمقاتل عن ظهر الذلول، فلا يصح ان يكونوا هم الذين (لم يعتادوا ركوبها)؟!
التطور :
اعتمد جيش الاخوان اسلوباً حديثاً في القتال؛ فقد كانوا يقاتلون في صفوف متتالية اسوة بالجيوش النظامية، في حين يبقى الخيالة والجمالة قوات احتياطية، واصبح هذا الاسلوب مميزاً للاخوان، وقد اعتمدوه ساعة الهجوم على الجهراء عام 1920 في وجه قوى الكويت مجتمعة، وفي عملياتهم الحربية التي مكنتهم من الاستيلاء على حائل.
لقد استطاع الجيش الوهابي المنظم بعد خمس عشرة سنة فقط من تأسيسه ان يركع مناطق واسعة من الجزيرة نتيجة الغزوات المتلاحقة؛ والتدمير الشامل، والسلب والنهب الذي جمعوا من خلاله اموالاً عظيمة مما اذل القبائل البدوية المجاورة التي كان يغلب عليها الجهل فتبعت المذهب الوهابي وقاتلت تحت لوائه، فصار جيشهم يربو على مائة وعشرين الف مقاتل، فكانت حروبهم (جهاداً) وغاراتهم (غزوات) وانتصاراتهم (فتوحات)، وقتلاهم شهداء واعداؤهم من المسلمين هم الكفار.