تحت المجهر
تحت المجهر
سلسلة مقالات تتناول بالدراسة أدعياء المهدوية والسفارة قديما وحديثا وتسلط الضوء على أدلتهم والرد عليها باسلوب علمي
من هـــم المهديـّـــــــــــــون الاثنا عشر
الشيخ حميد الوائلي
من الأدلة التي استدل بها المدّعي أحمد اسماعيل كاطع على أنه ابن الإمام المهدي عليه السلام وسفيره إلى الناس كافة وأنه هو المعصوم وجود رواية يرويها الشيخ الطوسي.
وقد نقل صاحب كتاب (الرد الحاسم على منكري ذرية القائم)، هذه الرواية وجعلها حسب ترتيبه الدليل التاسع على أن المدعو أحمد اسماعيل كاطع ابن الإمام المهدي عليه السلام، حيث قال في صفحة 8 _الدليل التاسع: روى الشيخ الطوسي بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام خبراً ذكر فيه، وثم ذكر الخبر، ونحن هنا ننقل الخبر بتمامه عن الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) ثم نقف مع هذا الخبر سنداً ودلالة لنتفحص صحة ما يدعيه هذا المدعّي.
قال الشيخ الطوسي في الغيبة ص150:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري ، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام قال: (قال رسول اللهN- في الليلة التي كانت فيها وفاته- لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة. فأملى رسول اللهN وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال: يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا ، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما سمّاك الله تعالى في سمائه: عليا المرتضى، وأمير المؤمنين، والصديق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصح هذه الأسماء لاحد غيرك. يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيهم وميتهم، وعلى نسائي: فمن ثبتها لقيتني غدا، ومن طلقتها فأنا بريء منها، ...
، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي. فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد عليهم السلام. فذلك اثنا عشر إماما، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا، ( فإذا حضرته الوفاة ) فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي: اسم كإسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين).
وهذه الرواية مناقشة من جهتين بل ثلاث جهات:
أولاً: من جهة سندها:
ان هذه الرواية عامية المذهب فهي ليست بحجة خصوصاً في قضية عقائدية مهمة كإدعاء العصمة، والنيابة الخاصة، والارتباط النسبي بالإمام المهدي عليه السلام، حيث صرح الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي في كتابه (الإيقاظ من الهجعة في البرهان على الرجعة) في الباب الحادي عشر، أن الشيخ في كتاب (الغيبة) رواها في جملة الأحاديث التي رواها من طرق العامة في النص على الأئمة عليهم السلام. اذن فأصل الرواية للإلزام لا للاثبات.
ان الشيخ الطوسي قال اخبرنا جماعة وهذا القول موهن للرواية إذ لم يقل من هم هؤلاء الجماعة وهل هم من أصحابنا أم من غيرهم، هذا إذا تنزّلنا عن القرينة الأولى التي ذكرها الحر العاملي، وإلا فمعها لا يكون الجماعة مع عدم ردفهم بأصحابنا إلا من العامة.
إن الرواية ضعيفة بكلٍ من علي بن سنان الموصلي فهو بين من صرح بجهالته وكونه عامي المذهب وبين من لم يذكره من علماء الرجال، وكذلك احمد بن محمد بن الخليل الذي لم يذكر، وجعفر بن احمد البصري والحسين بن علي، بل وغيرهم الذين لم يرد لهم ذكر في كتب علمائنا الرجاليين.
إن نفس صاحب كتيب (الرد الحاسم) لم يستدل بها على المقصود (أي ان هذه الرواية مع عدهم لها دليلاً، إلا أنهم يرون _حسب ما ينقله العقيلي هذا_ أنها غير تامة الدلالة) راجع صفحة 19 من الكتيب الانف الذكر.
ثانياً: من جهة دلالتها:
إن الرواية ليس فيها تصريح بان يسلّم الإمامة وقيادة الأرض إلى ابنه، كيف ذلك وإن الروايات الأخرى الكثيرة والمعتبرة تصرح بأن هؤلاء ليسوا بأئمة وهم من ذرية الحسين عليه السلام بل وأن من يستلم الإمامة بعد المهدي عليه السلام هو الإمام الحسين فلا بد أن يكون الضمير في فليسلمها عائداً إلى بعض المسؤوليات والوظائف التي يقوم بها هؤلاء المهديون في ظل إمامة الأئمة عليهم السلام، ومما يؤيد أنها غير عائدة على الإمامة أن النبيN يصرّح في نفس الحديث بقوله (فذلك اثنا عشر إماماً) وهذا قرينة سياقية على أن المراد بـ(فليسلمها) ليس الإمامة وإلا للزم التنافي بين هذا الحمل وبين المقطع المتقدم من النبي الأكرمN بل وبين الوضوح القائم على تشخيص الأئمة عليهم السلام وتحديدهم بالاثني عشر.
إن الأدوار المناطة بهؤلاء المهديين لا تكون إلا بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام ولا توجد رواية تصرح بأن لهم دوراً معيناً قبل ظهوره.
إن الرواية قالت هو أول المؤمنين ولم تقل هو أول الأئمة بعد الإمام المهدي ولم تصرح بان له دوراً قبل ظهوره ولم تتحدث عن ان هذا الابن معصوم.
إن هذه الرواية تعارضها روايات كثيرة وأكثر اعتباراً منها (بل إن قولنا تعارضها مبني على التنزّل إذ إن هذه الرواية لا يمكن أن تكون معتبرة بحالٍ مع ما بينّاه) تقول إن من يكون بعد المهدي من غير الأئمة من المهديين هم من ذرية الحسين عليه السلام ولم نقف على رواية تصرح بأن المهديين من ولد المهدي سوى ما يستفاد من هذه الرواية العامية التي عرفت شأنها.
بل ان هناك قرينة اخرى سياقية تمنع هذه الدعوى، إذ أن كل إمام قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليسلمها، قد سلمها إلى ابنه المباشر، وهي تنص على كون التسليم للابن المباشر، وان زمانه حضور الوفاة لا قبله، ولا لمن كان نسبه متسلسلاً بخمسة آباء او اكثر، هذا نأتي به تنزلاً والا فلا حاجة اليه بعد اتضاح الحال بما تقدم.
ثالثاً: من جهة البحث الأصولي:
غير خافٍ على من له أدنى معرفة عقائدية أن خبر الآحاد ليس بحجة في أصول العقائد، وهذا ما يصرح به علماء الشيعة كالشيخ المفيد الذي يقول (ولا يجوز ان يُقطع بخبر الواحد في الدين) بل أن هذا القول يُنقل عن اتباع هذا الدعي، إذ يصرّح العقيلي في كتيبه الانف الذكر في صفحة 51 فيقول (إن قضية الإمامة والنيابة من العقائد والعقائد لا يجوز فيها التقليد بإجماع الشيعة) ويقول في صفحة 27 و 28و 43 على التوالي ما نصه (كما قلت إن هذا الخبر آحاد ظني الصدور لا يصلح للاستدلال العقائدي)، (وخبر الآحاد إذا كان صحيح السند وليس مرسلاً عند الأصوليين لا يفيد علماً ولا عملاً ولا يستدل به في أصول العقائد)، (لا يجوز العمل بالرواية إلا إذا كانت قطعية الدلالة أي أن لها وجهاً واحداً ولا تحتمل غيره).
فبمقتضى هذه الأبحاث الثلاثة يتبيّن سقم هذا الدليل الذي استدلوا به على بنوّة أحمد اسماعيل كاطع للإمام المهدي عليه السلام.