في أحـــوال الإمام المنتظر
في أحـــوال الإمام المنتظر عليه السلام
السر في احتجابه وخفائه
السيد عدنان البحراني
ان عدم الظهور لا يلازم عدم الوجود، فهو افضل من الظهور اذا كان الثاني موجبا للمهانة وعدم التقدير، فان نبي الله يوسف بن يعقوب عليه السلام قد اختار السجن وفضله على الانطلاق في رحاب مصر عندما وجد الانطلاق يوجب افتتان الناس بحسنه وجماله مع كونه نبيا والناس في حاجة له كل حين.
وقال احد الشعراء لما ادخل السجن:
قالت حبست فقلت ليس بضائري اوما رأيت الليث يألف غيله والشمس لولا انها محجوبة والحبس ما لم تغشه لدنيئة بيت يجدد للكريم كرامة |
|
حبسي واي مهند لا يغمد كبرا وأوباش السباع تردد عن ناظريك لما اضاء الفرقد شنعاء نعم المنزل المتودد ويزار فيه ولا يزور ويحفد |
وربما كان عدم خروجه لعدم توفر من يناصره فليس كل من ادعى انه من شيعته ومواليه يصدق له في تشيعه وولائه.
ذكر في (مدينة المعاجز) عن ابن شهر اشوب بسنده عن داود الرقي قال:
كنت عند سيدي الصادق عليه السلام اذ دخل عليه سهل بن حسن الخراساني فسلم عليه ثم جلس فقال يا ابن رسول الله لكم الرأفة والرحمة وانتم اهل بيت الامامة ما الذي يمنعك ان يكون لك حق المقاومة في حقك الذي قعدت عنه وانت تجد من شيعتك مائة الف يضربون بين يديك بالسيف؟ قال: اجلس يا خراساني رعى الله حقك ثم قال يا حنفية سجري التنور فسجرته حتى صار جمرا وابيض علوة فقال يا خراساني قم فاجلس في التنور قال: يا سيدي لا تعذبني بالنار اقلني اقالك الله قال: قد اقلتك.
فبينما نحن كذلك اذ اقبل هرون المكي ونعله في سبابته فسلم على الإمام عليه السلام فقال له عليه السلام الق النعل من يديك واجلس في التنور قال: حبا وكرامة والقى النعل ونزل في التنور واقبل الإمام يحدث الخراساني عما في خراسان كانه شاهدها ثم قال عليه السلام: قم يا خراساني وانظر ما في التنور... قال داود فقمت اليه فرأيته متربعا فناداه الإمام عليه السلام قم يا هرون فاخرج عافاك الله فخرج الينا وسلم علينا.
فقال الإمام عليه السلام يا سهل كم تجد في خراسان مثل هذا؟ قال: والله ولا واحدا فقال عليه السلام اما انا لا نخرج في زمان لا نجد خمسة معاضدين لنا نحن اعلم بالوقت.
وجاء في البحار عن بريد العجلي قال: قيل لابي جعفر عليه السلام ان اصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة فلو امرتهم لاطاعوك واتبعوك قال: يجيء احدهم إلى كيس اخيه فيأخذ منه حاجته؟ قال: لا قال: فهم بدمائهم ابخل ثم قال: ان الناس في هدنة نناكحهم ونوارثهم ونقيم عليهم الحدود ونؤدي اماناتهم حتى اذا قام القائم عليه السلام جاءت المزاملة ويأتي الرجل إلى كيس اخيه فيأخذ حاجته لا يمنعها.
فمعظم من يدعي الولاء والاخلاص لسيدنا القائم عليه السلام في هذه العصور هم مثل سهل بن الحسن المذكور الذي طلب من الإمام الصادق عليه السلام ان يخرج ثائرا على العباسيين ليكون مصيره مصير النفس الزكية وامثاله من العلويين الذين اغراهم الناس بالثورة فلما ثاروا خذلوهم واكثرهم كانوا عليهم.
فقد ذكروا: أن أحد الأشخاص يلقب (فرج الله) ولم يكن ذلك اسمه فاسمه الحاج محمد وإنما غلب عليه لقب (فرج الله) لأنه كان يلهج دائما: (يا فرج الله) في كل قيام وقعود وحركة وسكون فصار علما عليه.
فبينما كان ذات ليلة في داره منفردا عن اهله ينظر في بعض الكتب واذا بالباب تطرق طرقا خفيا ففزع وظن انه احد اللصوص وتصام مكانه لم يسمع فاعيد طرق الباب فلم يجد بدا من الاجابة قال من هذا؟ قال: صديق قال: واي صديق هذا الوقت!! قال: انا صديق مسالم فلا تخف ولا تجزع وليس عليك مني باس قال: ادخل فدخل رجل اعزل جميل الخلق له رايحة طيبة عليه ثياب بيض فأمن واطمأن وامره بالجلوس.
ثم قال: هل من حاجة؟ قال: نعم انا رسول اليك من الإمام صاحب الامر عليه السلام فانك تلهج دائما (يا فرج الله) فما قصدك بهذا؟ قال: ان ذلك آية على ما احمل له من الحب والاخلاص والنصح والولاء قال: وما بلغ من حبك وولائك له؟ قال: اني افديه باموالي واولادي وروحي قال: انه اعفاك من ذلك كله وانما يطلب منك امرا يسيرا عليك وهو انه لا يرضى لاحد من شيعته ان يتقلب في معصية الله ومحارمه وسخطه فان هذه الاموال والممتلكات التي بيدك هي في الواقع ليست لك وانما ورثتها من آبائك وان المال المغصوب اذا تداولته الايدي لا يتحول عن حرمته المتداولين وكونه ملكا لمالكه الاول فلا يخرج عن ملكيته إلا برضاه واذنه ولا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفسه قال: فهي الآن لمن؟ قال: انها تعود لفلان بن فلان الفقير الاعمى الساكن في موضع كذا من القرية فان شئت ان تكون لك حلالا فامض واطلعه على الامر واسأله ان يبيحك بها اما بالاعفاء أو معاوضة أو مقاسمة, قال: فكن انت رسول اليه ليقاسمني على الثلث منها قال: انما بعثني الإمام اليك وهذا شيء يخصك انت فان انت فعلت حلت اموالك وطابت فعالك وطهر نسلك وعقبك والا فان صاحب الامر منك براء ولا يبيحك ان تهتف باسمه وتدعي القربى اليه.
فصرخ فرج الله (السارق السارق) فغاب ذلك الرجل وانتبه اهل البيت والجيران فاتوا إلى فرج الله قالوا: ما شأنك؟ قال: رأيت في المنام كأن سارقا دخل البيت فصحت, ثم منع الناس من تسميته (فرج الله) واخبرهم بما كان قالوا: ومن هذا الاعمى الذي نسب اموالك اليه؟ قال: لا اعلمكم باسمه فتدلوه وتعلموه قالوا: والله انا نعلمه انه فلان بن فلان وسموه كما سماه الرجل الطارق قالوا: وان هذا الرجل لصادق فيما اخبرك به عن الإمام وربما كان هو الإمام عليه السلام.