الارتباط بالإمام من خلال الدعاء والمناجاة والزيارة
الارتباط بالإمام عليه السلام من خلال الدعاء والمناجاة والزيارة
السيد علي الحكيم
من الأمور التي أكد عليها أئمة أهل البيت عليهم السلام كثيراً هو الإكثار من الدعاء للإمام الحجة عليه السلام والطلب إلى الله سبحانه وتعالى بتعجيل فرجه الشريف، فالإنسان المؤمن لكي يعيش حالة الارتباط وتقوية العلاقة مع الامام عليه السلام، لابدّ أن يواظب على الدعاء له عليه السلام، لما للدعاء من آثار وبركات عجيبة، حتى أن بعض العلماء ألف مصنفاً من جزءين باسم (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام) يذكر فيه الفوائد والآثار المترتبة على الدّعاء للإمام عليه السلام، وهنا لا يفوتنا أن نشير إلى بعض النقاط المهمة في مسألة الدعاء، منها :
- أن عملية الدعاء للإمام عليه السلام تمثل حالة من حالات الشكر له، لما يقدمه لنا من أمور عظيمة، فنحن إنما نعيش ببركة وجوده، ونتمتع في هذه الدنيا بنعمه وألطافه، فكل ما في هذا العالم إنما هو ببركة محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولما كان الأمر كذلك فنحن لا نستطيع أن نوفي الإمام الحجة عليه السلام حقه، إذ إن وجودنا ونعمة وجودنا مرتبطة بوجوده الشريف، وهذا بحث عقائدي مهم جداً، دلّت عليه النصوص الكثيرة، منها: ما روي عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتبقى الأرض بغير إمام قال عليه السلام: (لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت) لذلك يأتي دور الدعاء كنوع من أنواع الشكر لهذا الامام العظيم عليه السلام.
- إن مسألة الدعاء من المسائل المهمة التي حث عليها الإسلام، لما لها من أثر كبير على الإنسان، ويكفي أن نذكر هذه الرواية الواردة عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام حيث قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات، إلاّ رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به، من كل مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أو هو آت إلى يوم القيامة، ان العبد المؤمن ليؤمر به إلى النار يوم القيامة، فيسحب، فيقول المؤمنون: يا ربّ هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه، فيشفعهم الله عز وجل فيه فينجو).
- أن مسألة الدعاء للإمام عليه السلام تزيد من حالة الإرتباط به، خصوصاً إذا إلتزم الإنسان بتقديم دعائه للإمام قبل الدعاء للوالدين والنفس، فإن ذلك يستدعي حالة الإرتباط بالإمام ويمثل اهتمام الإنسان به عليه السلام، وتدريجياً تزيد هذه الحالة مسألة الإرتباط، وتقوي العلاقة معه عليه السلام.
وهناك مجموعة من الأدعية المذكورة في كتب الأدعية والمتعلقة به عليه السلام، أو بمسألة ظهوره، كدعاء العهد ودعاء الندبة وغيرهما من الأدعية ذات المضامين العالية التي تزيد من خلال ما تطرحه من مفاهيم مسألة الارتباط والتعلق بالإمام المهدي عليه السلام.
ومن وسائل الإرتباط وتقوية العلاقة بالإمام عليه السلام هي مسألة الزيارة، ونحن نعلم ما لزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام من الفضل والفضيلة، وأهمية هذه الزيارات ودورها في تقوية التشيع والارتباط بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار، وان كان من المتعارف زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت عليهم السلام عند أضرحتهم وقبورهم، فان من اللازم أيضاً زيارة الامام الحي عليه السلام الذي نرتبط به ارتباطاً مباشراً، فنحن وان كنا نوالي جميع الأئمة عليهم السلام ونؤمن بهم، إلاّ أن ما يميز الإمام المهدي عليه السلام إنّه الامام المفترض الطاعة الذي له بيعة في اعناقنا، فمن الضروري الالتزام بزيارته؛ إظهاراً للولاء وتوثيقاً للعهد له عليه السلام، وخصوصاً الزيارة المعروفة بزيارة (آل ياسين) حيث خرج التوقيع من الناحية المقدسة، كما يروي ذلك محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ... (إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا كما قال الله سبحانه وتعالى: (سلام على آل ياسين) السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته السلام عليك يا باب الله وديان دينه ...الخ).
هذه الزيارة تتعرض للسلام عليه في كل حالاته، وتبيّن مقامه عليه السلام، تشتمل على مضامين عالية،ينبغي علينا الالتزام بزيارته عليه السلام بها. والزيارة نوع من أنواع إظهار الأدب والاحترام والوفاء للمولى الأعظم عليه السلام، وما تشتمله أيضاً من زيادة الإحساس بوجوده الشريف.
والأمر الآخر الذي لا بد للمؤمنين من الإلتزام به، هو الإستشفاع به عليه السلام في جميع حوائجنا وطلباتنا، فهو وسيلتنا إلى الله سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى مسألة تخصيص وقت في كل يوم ولو لمدة دقائق معدودة يخصصها الإنسان للمناجاة مع صاحب الأمر والزمان عليه السلام، فهو يطلع على كل ما يصدر منا، ولا يتصور أحد أنّ هذه المناجاة لا تصل إليه. فليناجيه الإنسان بهمومه وآلامه، بأفراحه وأتراحه لأنّه الامام عليه السلام الحي المسؤول عنا، فهو سيدنا وإمامنا وولي أمرنا، وبالتالي فتخصيص الوقت المحدود لمناجاته يزيد من حالة الارتباط به والإحساس بوجوده الشريف، وقد اطلعت على رسالة يكتبها أحد مراجع التقليد وهو السيد الميلاني قدس سره إلى السيد الوالد قدس سره يوصيه بمجموعة من الوصايا الأخلاقية والسلوكية، ومن جملة ما كان يؤكده هو مسألة تخصيص وقت يومي لمناجاة صاحب الأمر عليه السلام وبث الهموم له والشكوى إليه والحديث معه، ولايدري الإنسان فإنّه من خلال هذه الممارسات المذكورة قد يوفق للاتصال به عليه السلام، كما وفق لذلك كثير من المؤمنين لشدة ارتباطهم به وتعلقهم به عليه السلام ولصفاء نفوسم والعمل بما يرضيه، وما حرماننا من النظر إلى طلعته الرشيدة إلا بسبب سوء أعمالنا، وبعدنا عما يرضيه كما يصرح هو بذلك بأبي هو وأمي، كما ورد عنه في التوقيع الصادر عنه إلى الشيخ المفيد قدس سره (... ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص، المجاهد فينا الظالمين -أيدّك الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين- أنه من اتّقى ربه من إخوانك في الدين، وخرج عليه بما هو مستحقّه كان آمنا من الفتنة المظلّة (أي المشرفة)، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته، على من أمره بصلته، فإنه يكون خاسراً بذلك لأُولاه وآخرته.
ولو أنّ أشياعنا -وفّقهم الله لطاعته- على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم سعادةٌ بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونِعْمَ الوكيل ...).