الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار
صدى المهدي » العدد: ٤٤ / محرم الحرام / ١٤٣٤ هـ
مواضيع العدد
العدد: 44 / محرم الحرام / 1434 هـ

تمهيدنا

تمهيدنا

استأنـــف فقــــد غُفـــر لك

تولد الألفاظ حالة الانتقال إلى المعاني التي لابدّ من التمعّن فيها، والإنسان العاقل هو الذي يتدبر الألفاظ فينتقل منها إلى عالم المعنى، ليصل إلى الحقيقة، ثم يجسدها. والكلمات التي يستوردها ذهن الإنسان تختلف تبعا لمصادرها التي تصدرها فكلّما كان المصدر لها عظيماً ومقدساً كانت معانيها وحقائقها أعمق وأوضح، ولذا تشكل بعض الكلمات مفاصلاً في الحياة الإنسانية، وتعتمد عليها الدساتير التي تنظم شؤون الإنسان.

ولا يختلف اثنان ممن يؤمنون بقداسة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعصمتهم في أن كلماتهم تأخذ بالإنسان فتوصله إلى الحقيقة من دون حاجة إلى شيء سوى التدبّر، وتفتح أمامه سبل التجسيد العملي والتطبيق الميداني.

فإذا طالعت هذا الإنسان عبارة تجسد له نموذجاً من التأسّي لفاجعة يصير فيها البكاء دماً بدل الدموع، وتصير فيها حالة البكاء حالة الدوام والاستمرار، فلابد للإنسان أن يغوص في أعماق هذه العبارة تأملاً في تأكيداتها ومضامينها وواقعيتها، ومقدار تلبس هذا الإنسان بتلك الحقيقة التي صدرت من معدن العصمة على أساس ميزان التأسي والتجسيد، وإلاّ لما كان لصدورها معنى وفائدة لو كانت  مختصة بهم عليهم السلام،  ثم تأتي العبارات الأخرى لتعلل ذلك البكاء _بكاء الدم_ بأنه تأسف وحسرة على ما جرى على الحسين عليه السلام في كربلاء إلى أن تأخذنا تلك العبارة فتوصلنا إلى الغاية وهي الموت بلوعة المصاب.

فالمتدبر في هذه الكلمات يفهم أنها تريد نقله إلى عالم الحقيقة ومن ثمّ تجسيدها، وتقول له: إن هذا البكاء الدموي هو مرتبة من مراتب تلك الحسرة والتأسف، وهو مرتبة من مراتب الموت اللّوعي، إذ لاشك أنّ هناك موتاً حربياً وهو مرتبة أخرى، ولكن من لم تتح له الأزمان فرصة الموت في ساحات الحروب، فسوف تتيح له ساحة الحسرة والتأسف موتاً لوعياً يرتقي به الإنسان إلى حالة الدفاع عن المبدأ الذي من أجله اختزلت قضية الإمام الحسين عليه السلام الماضي وأسست للمستقبل.

ومن هنا تفتق هذه الألفاظ الأذهان تدبراً وتأملاً لتنقلها إلى حقيقة أخرى، فيسأل الإنسان نفسه ماذا أعطى الحسين عليه السلام لكي يكون باكيه صاحب العدل الإلهي وناشره، متخذاً حالة البكاء الدائم والحسرة الملازمة صفة من أرفع الصفات له ونوعاً من أنواع المواساة؟.

وتنقله تأملاته إلى حقيقة أخرى كامنة وراء تلك الألفاظ فتحدثه نفسه ان هذه المراتب للبكاء والموت، هل هي أقصى المراتب أم أدناها، وكيف يصل الإنسان إذا كان في المرتبة الدنيا إلى المرتبة القصوى، وكيف تنسجم حالة التأسي الدائم والموت اللّوعي مع الاستمرار في الحياة وتحصيل المعاش وقضاء الحاجات والتلبس بالإعمال التي يمكن أن تشغل الإنسان عن تلك الحسرة الدائمة ويمكن لها أن تشغله عن حالة العيش الطبيعي!.

فكيف جسّد لنا هذا المقطع المنقول عن معدن العصمة والطهارة ما يراد منّا التلبس به تأسياً بصاحب الثأر وطالبه، مع الاستمرار والمداومة في شؤوننا الحياتية، إذ مع عظم المهام التي يتحملها الإمام عليه السلام في إدارته للكون وشؤون المسلمين يعكس لنا حالة أساه وحزنه على جده الحسين عليه السلام فينقلنا إلى حقيقة الموت اللوعي وبكاء الدم والحسرة والتأسف الدائم.

فلابدّ للمتأمل في هذا المقطع أن يحلّ لغز التنافي المترائي بدءاً من هذه الحقيقة لتسمو نفسه وترتقي إلى حقيقة ذلك الموت والبكاء والحسرة والتأسف التي قال عنها الإمام عليه السلام: (فَلاَنْدُبَنَّكَ صَباحاً وَ مَسآءً، وَ لاََبْكِيَنَّ علَيكَ بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْكَ، وَ تَأَسُّفاً عَلى ما دَهاكَ وَ تَلَهُّفاً، حَتّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصابِ) ليكون نصيب هذا الإنسان المتأمل الزائر ذلك الضريح المضرّج بالدماء أن يخاطبه ملك من عنان السماء: إستأنف فقد غُفر لك ما مضى.

رئيس التحرير

العدد: ٤٤ / محرم الحرام / ١٤٣٤ هـ : ٢٠١٢/١٢/١٧ : ٤.٦ K : ٠
: رئيس التحرير
التعليقات:
لا توجد تعليقات.