شرح دعاء الندبة / الحلقة السابعة
شرح دعاء الندبة/ الحلقة السابعة
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زلنا وشرح فقرات هذا الدعاء المبارك.
(وَجَعَلْتَهُمُ الذَّريعَةَ اِلَيْكَ وَالْوَسيلَةَ اِلى رِضْوانِكَ).
الذريعة في اللغة هي ما يستند إليها كالحجة والوسيلة، يقال حجتي وذريعتي إلى الرئيس، والذرائع الأسباب والوسائل.
فالذريعة في اللغة تأتي بمعنى الوسيلة، وبمعنى العذر، وبمعنى الحجة، وبمعنى ما يستتر به، وبمعنى السبب إلى الشيء وجمعها (ذرائع).
في الصحيفة السجادية قال عليه السلام بعد الصلاة على النبي وآله: (رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لاَمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِيْنِكَ، وَخُلَفَآءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ الْوَسِيْلَةَ إلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ إلَى جَنَّتِكَ).
بعد أن وقفنا على المعنى اللغوي للذريعة والوسيلة فإذا رجعنا إلى أحاديث أهل البيت عليهم السلام وادعيتهم نجدهم يستخدمون الوسيلة والذريعة تارة للخطاب مع الذات، وتارة للخطاب مع شؤون الذات وصفاتها، ولكنّنا اذا لاحظنا هذا المقطع من الدعاء وهو يجمع بين الذريعة والوسيلة، فبعد الايمان بأنّه نوع من ارقى أنواع التخضّع والتذلل إلى الله سبحانه وتعالى في تجميل الحديث معه تعالى وإضفاء رونق خاص على الدعاء من خلال الصياغة الأدبية وعدم الاكتفاء في طلب الحاجة بلون أو صيغة واحدة بل يستخدمون لغة الإكثار من المرادفات.
لابد ان نلحظ بالإضافة إلى ذلك الحقائق التي يدركها أهل البيت عليهم السلام ويبصرونها بأعينهم في ذلك العالم النوراني الذي لايصلنا منه الا ما يترشح عن طريق كلماتهم عليهم السلام فمن المحتمل ان تكون الإشارة بالذريعة هنا إلى الخطاب في مقابل الذات المقدسة، بينما يكون الخطاب بالاستعانة بالوسيلة خطاباً مع شؤون الذات وصفاتها، فعبّر المقطع (بالذريعة إليه) أي إلى ذاتك وهو معنى أقرب من معنى الوسيلة لأنّه خصّ بالرضوان وكأن المقطع يشير إلى مقامين مختلفين احدهما أقرب من الآخر، إلى الله سبحانه وتعالى، وآثار احدهما تختلف عن آثار الآخر.
وإذا نظرنا إلى هذا المقطع من خلال العين العقائدية وحاولنا أن نبيّن البحث العقائدي الذي يمكن أن يستفاد من هذا المقطع والذي ترتب وكان أثراً من اثار تلك المشارطة التي تحدثنا عنها نجد ان لأهل البيت عليهم السلام من خلال هذا المقطع مقامين مقام يستجلب من خلاله العبد كل شيء بمقتضى ذريعتهم الى الله سبحانه وتعالى ومقام اخر يستجلب من خلاله العبد رضوان الله وهو مقام وسيلتهم لذلك نجد الإمام زين العابدين عليه السلام عندما يتحدث عن الإمام يعطيه أبعاداً متنوعة ومتلونة فيقول: (أللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَان بِإمَام أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ وَّمَنارَاً فِي بِلاَدِكَ، بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ) فالإمام عليه السلام يبين لنا حيثية كون أهل البيت عليهم السلام هم الذريعة والوسيلة ومفاتيح الأبواب وهم الامناء وهم (من أراد الله بدأ بكم ومن وحده قبل عنكم) لان حبلهم قد أوصل بحبل الله ولان ما ترتب على تلك المشارطة التي قلنا انها مطلقة حيث كان زهدهم بالدنيا مطلقا فكانت الاثار التي جللهم الله سبحانه وتعالى بها مطلقة، وهنا مكمن ما يقال في بعض الأحاديث التي تنص على هذا المضمون (نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم) حيث ان الجعل الإلهي لهم عليهم السلام بهذه الوظائف المتعددة لانهم ربطوا حبلهم بحبله ولانه قبلهم وقبل مشارطتهم فقربهم قرباً لاينبغي لاحد دونهم فكانوا كذلك.
ملاحظة: يجدر التنويه إلى أنّ هذا المقطع يحمل في طياته أبحاثاً كثيرة كبحث الوسيلة، وبحث الشفاعة، ومراتب القرب وبحث العصمة وغيرها من الابحاث التي يمكن أن يستفيد منها المتأمل في الدعاء ويسلط عليها الضوء ويبين أنّ هذه اثار لتلك المشارطة الكبرى. والتي سنتحدث عنها في فقرات أخرى إن شاء الله تعالى.
تتميم:
وكان من دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام في يوم عرفة: (أَللّهُمَّ إِنَّك أَيَّدْتَ دينَك في كُلِّ أَوان بِإِمام أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبادِك، وَمَناراً في بِلادِك، بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِك، وَجَعَلْتَهُ الذَّريعَةَ إِلى رِضْوانِك، وَافْتَرَضْتَ طاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثالِ أَمِرِهِ، وَالاِنْتِهاءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَن لا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلا يَتَأَخَّرَ عَنْهُمُتَأَخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللاّئِذينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكينَ).