الانتظار الإصلاحي والانتظار المصلحي
الانتظار الإصلاحي والانتظار المصلحي
السيّد محمّد القبانجي
يعيش المؤمن وبين جنبيه حنين وشوق وتلهّف وانتظار إلى سيّده ومولاه ومعتمده ورجاه الحجّة بن الحسن عليه السلام، ياترى هل تكتحل عيناه بالنظر إلى محبوبه؟ ويا ترى هل تتهلَّل يوماً أسارير وجهه بلقاء محيّاه الأزهر؟
وهكذا تتوارد الأسئلة في قلب كلّ منتظر وعاشق لمولاه، ولكنّي لست أدري هل سأَلنا أنفسنا لِمَ نريده عليه السلام؟ لِمَ نرغب في ظهوره عليه السلام؟ لِمَ نتلهَّف على تعجيل فرجه؟ وهذا ما يدعو إلى التأمّل ودراسة نوعية الانتظار الذي يملكه الفرد أو المجتمع، إذ أنَّ الانتظار ومن خلال العنوان ينقسم إلى: إصلاحي ومصلحي، ونعني بذلك أنَّ الأوّل وهو الإصلاحي يكون انتظاره لأجل الإمام عليه السلام ولأجل تحقيق الغاية والهدف السامي من حركته عليه السلام، ولا يهمّ المنتظِر بعدها أنَّه يحصل على شيء من حطام هذه الدنيا أو لا يحصل، المهمّ عنده والأساس لديه هو خدمة الهدف، أمَّا النوع الثاني فيكون انتظاره لمولاه وللفرج عنه لكي يسعد في حياته الشخصية ويرفع الإمام عليه السلام عن كاهله هموم الحياة وقساوتها وظلم الطواغيت واستبدادهم المنصبّ عليه شخصياً. ومن خلال النقاط التالية يمكن إيجاد المائز بينهما:
1. الانتظار الإصلاحي يكون المحرّك فيه واتّجاه البوصلة النفعيّة من الداخل ويصل إلى الخارج بعكس الانتظار المصلحي، فالاتّجاه يكون معاكساً أي من الخارج وينصبُّ في نفع الذات.
2. الانتظار الإصلاحي يكون الاهتمام فيه بالغير والآخر، أمَّا الانتظار المصلحي فيكون الاهتمام فيه بالذات والأنا وجلب المنفعة الشخصية.
وتبعاً لهذا المميّز تكون النظرة الإصلاحية نظرة واسعة شاملة لكلّ ما من شأنه الإصلاح والتغيير، أمَّا المصلحي فتكون نظرته ضيّقة محدودة بكلّ ما يكسب لنفسه من منفعة، ولا ينصبُّ على الآخر، وهمومه واحتياجاته إلاَّ بمقدار ما يكون لنفسه فيها منفعة ومصلحة، فالذات وجلب المنفعة لها هو المحور في انتظاره، فنجده ناظراً إلى شخصه وذاته حتَّى لو نظر إلى الآخر والتفت إليه.
3. صاحب الانتظار الإصلاحي يضمن عدم الانحراف في انتظاره ما دام على نهج الإصلاح بخلاف المصلحي فإنَّه يتخوَّف عليه من الانزلاق في مهاوي المنفعة الشخصية حتَّى تغفله وتشغله عن هدف الانتظار السامي، ويبقى متقوقعاً داخل نفسه ينظر إليها فقط، وهذا عامل انحرافي خطر لأنَّه _أي صاحب هذا الانتظار_ يخشى عليه الانقلاب والانحراف إذا ما تعارضت مصلحته مع المصلحة العليا للظهور المقدَّس، وقد أوضح أهل البيت عليهم السلام معالم كلّ من النهجين: النهج الإصلاحي والنهج المصلحي في الانتظار، فقد ورد في ذلك عدَّة روايات نذكر بعضاً منها:
الرواية الأولى: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن الحسن بن أحمد، عن أحمد بن هلال، عن أميّة بن علي، عن رجل، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيّما أفضل نحن أو أصحاب القائم عليه السلام؟ قال: فقال لي: (أنتم أفضل من أصحاب القائم، وذلك أنَّكم تمسون وتصبحون خائفين على إمامكم وعلى أنفسكم من أئمّة الجور، إن صلَّيتم فصلاتكم في تقيّة، وإن صمتم فصيامكم في تقيّة، وإن حججتم فحجّكم في تقيّة، وإن شهدتم لم تقبل شهادتكم)، وعدَّ أشياء من نحو هذا مثل هذه، فقلت: فما نتمنّى القائم عليه السلام إذا كان على هذا؟ قال: فقال لي: (سبحان الله أمَا تحبّ أن يظهر العدل، ويأمن السبل، وينصف المظلوم؟).
الرواية الثانية: عن عمّار الساباطي وبعد أن ذكر الإمام الصادق عليه السلام مقام المنتظرين، وأنَّ العبادة في الغيبة أفضل منها في الظهور، قال: قلت: جُعلت فداك، فما ترى إذاً أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحقّ والعدل؟ فقال: (سبحان الله أمَا تحبّون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحقّ والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة، ويؤلّف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله عز وجل في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويرد الله الحقّ إلى أهله فيظهر، حتَّى لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق، أمَا والله يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال التي أنتم عليها إلاَّ كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر واُحدُ، فأبشروا).
الرواية الثالثة: عن المفضَّل بن عمر، قال: إنّي سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (افترق الناس فينا على ثلاث فِرَق: فرقة أحبّونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا وحفظوا كلامنا وقصَّروا عن فعلنا، فسيحشرهم الله إلى النار. وفرقة أحبّونا وسمعوا كلامنا ولم يقصّروا عن فعلنا، ليستأكلوا الناس بنا فيملأ الله بطونهم ناراً، يسلّط عليهم الجوع والعطش. وفرقة أحبّونا وحفظوا قولنا وأطاعوا أمرنا ولم يخالفوا فعلنا فأولئك منّا ونحن منهم).
الرواية الرابعة: عن علي بن محمّد رفعه، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، متى الفرج؟ فقال: (يا أبا بصير وأنت ممَّن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فُرّج عنه لانتظاره).