من فقهائنا: المحقق الكركي الشيخ علي
من فقهائنا: سلسلة من المقالات تسلط الضوء على حياة الفقهاء النواب للإمام المهدي القائم عليه السلام
المحـــقق الكركي الشيخ علي بن الحسين قدس سره
هيئة التحرير
ولادته ونشأته قدس سره:
هو علي بن الحسين بن علي بن محمد بن عبد العال المعروف بالمحقق الكركي وبالمحقق الثاني، أو علي بن العال، ولد في (كرك نوح) سنة 868هـ أو سنة 870هـ. وكرك نوح هي قرية كبيرة قرب بعلبك، وكانت يوم ولد المحقق الكركي من المراكز العلمية المعروفة في الشام.
خرج المحقق قدس سره من قريته لطلب العلم، فيمّم شطر جبل عامل وبالتحديد قرية عيناثا، ومن بعدها انتقل الى جزين (قرية ابن المؤذن)، ثم الى قرية ثالثة لم نعرفها.
سافر المحقق قدس سره إلى مصر وأخذ منها فقه وحديث مذاهب أهل السنة، وحضر على كبار علمائها، وحصل منهم على إجازات، وسمع في دمشق معظم (مسند الشافعي) و(صحيح مسلم)، وجدير بالذكر أنّ مثل هذه الرحلة بغية الاتصال بالمراكز العلمية السنية ورجالها كانت سنّة عاملية حميدة درج عليها جبل عامل، ولم تنقطع إلاّ بعد جريمة قتل الشهيد الثاني على يد العثمانيين سنة 965هـ.
استقر المحقق الكركي دهراً طويلاً في بلدته الكرك، وساهم في إعطاء حوزتها العلمية مركزاً مرموقاً في حينه، حتى كانت مقصداً لطلاب العلم والباحثين.
وفي سنة 916هـ وحين كان له من العمر خمس واربعون سنة قصد هراة، واتصل بالسلطان إسماعيل الصفوي، فأكرمه وعرف قدره.
ثم توجه الكركي إلى أصفهان وقزوين في عهد السلطان طهماسب ابن اسماعيل الصفوي، فعظّمه السلطان غاية التعظيم وعيّنه حاكماً في الأمور الشرعية لجميع بلدان إيران، فشمّر عن ساعد الجّد، فأسس مدارس العلم ومارس الفتوى، ونشر الفكر الإسلامي، وأحيا شعائر الإسلام، ووضع الأسس الشرعية الدستورية للدولة الصفوية (ولاية الفقيه) وأصبح صاحب الكلمة المسموعة في إيران.
دراسته وأساتذته قدس سره:
بعد أن تلقّى علومه الإسلامية على المذهب الشيعي في قرى وبلدات جبل عامل مثل كرك نوح وجزين وعيناثا، هاجر إلى مصر لدراسة الفقه على المذاهب الأربعة، ثمّ يمم وجهه إلى النجف الأشرف عام 909هـ وحضر على كبار علمائها، كما ذهب إلى بغداد والحلة، وجالس العديد من العلماء:
- الشيخ شمس الدين محمد بن خاتون العاملي.
- الشيخ زين الدين أبي الحسن علي بن هلال الجزائري.
- الشيخ شمس الدين محمد بن داوود.
- الشيخ أحمد بن الحاج علي العاملي.
- زين الدين جعفر بن حسام العاملي.
- الشيخ عبد الرحمن ابن ابانة الانصاري (في مصر).
- الشيخ علاء الدين البصروي (في دمشق).
تلامذته قدس سره:
يروي عنه جماعة كثيرة جداً من فضلاء عصره، كما درس عليه جمع من العلماء، وقد تخرّج عليه أكثر من أربعمائة مجتهد ومنهم:
- الشيخ أحمد بن محمد بن خاتون العاملي.
- الشيخ حسن بن أبي جامع العاملي.
- الشيخ عبد النبي الجزائري (صاحب الرجال).
- الشيخ علي المنشار زين الدين العاملي.
- السيد شرف الدين علي الحسيني الاسترابادي النجفي.
الشيخ المحقق وأصفهان:
المحقق الكركي قدس سره أول فقيه من جبل عامل يستجيب لدعوة الصفويين، وقد رفض قبله الشهيد الثاني دعوتهم له بالذهاب إلى دولتهم.
التقى المحقق بالشاه إسماعيل الصفوي في (هرات) عندما فتح الملك الصفوي المدينة، وطلب منه أن ينتقل معه إلى إيران ويتولى شؤون الدولة الشرعية والفقهية بموجب المذهب الشيعي، لم يخف المحقق الكركي استياءه من بطش الصفويين بالسنّة في مدينة هرات بعد فتحها والقضاء على دولة الأزبك، خاصة بعد أنْ قتل الجيش الصفوي شيخ الإسلام في هرات سعد الدين التفتازاني صاحب كتاب (المطول في البلاغة) فنبّهه إلى خطئه في الاضطهاد الطائفي والفتك بمن يخالف المذهب.
وقد استطاع المحقق أن يقنع جمعاً من زملائه وأصدقائه وتلامذته في جبل عامل للهجرة إلى إيران والإفادة من هذه الفرصة السانحة لنشر وتكريس المذهب الشيعي وبسط نفوذ الفقهاء في الدولة الفقهية.
لقد استطاع المحقق قدس سره أنْ يحقق خلال هذه الفترة أهدافه في بسط نفوذ المؤسسة الفقهية الى حد بعيد، إلاّ أنّ ذلك فعلاً أدى إلى برود ملحوظ في علاقة المحقق الكركي ببعض أجنحة البلاط، عندها آثر المحقق أن يغادر إيران إلى العراق، ويعود إلى النجف الأشرف مرة أخرى ليعاود نشاطه الفقهي في هذه المدينة.
ويبدو أنْ تركه إيران قد خلّف فراغاً من بعده أخذ بدولة الصفويين، مما جعل طهماسب ابن الشاه إسماعيل من المحقق أن يعود إلى إيران لتسلم منصب شيخ الإسلام، فاستجاب المحقق لهذه الدعوة ورجع إلى اصفهان وتسلّم مهامه (نائب الإمام) فهذه الصفة تمنحه بطبيعة الحال الولاية المطلقة في شؤون النظام والأمّة.
مؤلفاته قدس سره:
له العديد من المؤلفات والمصنفات تصل إلى حدود اثنين وثلاثين كتاباً، أبرزها:
- جامع المقاصد في شرح القواعد (وهو شرح على كتاب قواعد الاحكام في مسائل الحلال والحرام لابن مطهر الحلي (خرج منه ستة مجلدات)).
- الرسالة الجعفرية.
- رسائل الجنائز.
- الرسالة الرضاعية.
- شرح ألفية الشهيد (وهو شرح على كتاب الألفية).
- رسالة أقسام الأرضين.
- رسالة في تعريف الطهارة.
- رسالة في العدالة.
- رسالة في الغيبة.
- الرسالة الحجية.
- الرسالة الكركيّة.
- حواشي مختلف الشيعة.
- حواشي كتاب شرائع الإسلام.
كلمات العلماء في حقه قدس سره:
- ذكره المجلسي قدس سره في أوائل موسوعته المشهورة (بحار الأنوار) حيث يقول بالنص:
(وللشيخ مروج الذهب نور الدين، حشره الله مع الأئمة الطاهرين، حقوق على الإيمان وأهله أكثر من أن يشكر على أقله، وتصانيفه في نهاية الرزانة والمتانة.. فهو المحقق الثاني وكل من تأخر عنه عيال عليه حتى الشهيد في كتابه (المسالك) فإنها من المعاملات مأخوذة على جامع المقاصد.
- قال عنه الشهيد الثاني:
(الإمام المحقق نادرة الزمان، يتيمة الأوان الشيخ نور الدين علي بن عبد العالي الكركي العاملي).
- وقال عنه عبد الله الأفندي عن مؤرخ فارسي قال:
(...ان بعد الخواجة نصير الدين الطوسي في الحقيقة لم يسمع أحد أزيد مما سعى إليه الشيخ الكركي هذا في إعلاء إعلام المذهب الجعفري ودين الأئمة الاثني عشر واكنّ له في منع الفجرة والفسقة وزجرهم وقلع قوانين المبتدعة وقمعها، مساع جميلة).
وفاته قدس سره:
كانت وفاته قدس سره في النجف الأشرف ثامن عشر ذي الحجة الحرام، وفي تاريخ وفاته أقوال منها سنة 940هـ.
وقد توفي قدس سره مسموماً، ولعل الصفويين هم الذين دسّو له السّم.