شيعة العراق ارض مذهب الحق ودول التشيع / ح ٢
التمهيد المهدوي
شيعة العراق ارض مذهب الحق ودول التشيع الحلقة الثانية
انّ انتشار مذهب أهل البيت حالة حتمية سيؤول إليها أمر البشرية لا محالة، وان مسألة تحقيقها امر بات قريبا؛ لاسباب كثيرة، من ابرزها الفكر الضخم والاطروحة المفعمة بعلاج المشاكل البشرية المزمنة، فالدين المحمدي يمثل حالة التواصل الحيوي مع مبادئ السماء وإلى يومنا هذا من خلال ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن عليه السلام.
ونحــــــن في ((صدى المهدي)) سنفرد لهـــــذه الظاهرة الحتمية صفحة خاصة نتناول خلال اعمدتها انتشار التشيع فكراً وعقيدة في أغلب بلدان العالم والذي يسهم ان شاء الله في تهيئة الأرضية المناسبة والجو الملائم للظهور المبارك لصاحــــــــب العصر والزمان عليه السلام.
هيئة التحرير
تحدثنا في الرصد السابق عن العراق وأصل تسميته، والنظام الاقتصادي والإداري والسياسي وجغرافيته وأنه مؤسس الدولة ودولة الحضارات وأرض الحق وموطئه ومنه انطلاقه، وأن حضارات العراق وحواضرها كانت ومازالت كنفاً للعلم وحوزة للعلماء.
وفي هذا الرصد سنتحدثُ إكمالاً لما تقدم في التمهيد السابق حيث بينّا هناك أنّ هذه الأرض المباركة حملت على ترابها الطاهر شعلة التشيع والولاء لأهل البيت عليهم السلام وأن الشيعة فيها، والذين يشكلون ما يزيد على ثلثي سكان هذه البلاد المقدسة قد عانوا وعلى مر العصور المختلفة من الظلم والتنكيل وسطوة المستبد، لا لأجل شيء إلاّ لهذا الولاء المعجون بفطرة الإنسان ووجوده، والذي جسدوه على الواقع تمسكاً، واتخذوه ديناً يدان به الله عزوجل، فمنذ أن غابت شمس الدولة العلوية والقهر وسلب الحقوق والتسلّط على رقاب الشيعة إلاّ في بعض الفترات اليسيرة هو الحالة السائدة، إلاّ أنّ مع ذلك كلّه نجد حواضرهم ومعالم ما أسسوه يشع، لا لهم بل للعالم أجمع ويندر اليوم أن تسمع بمفكر أو عملاق أو مكتشف أو عالم بعيد عن أبناء هذه الطائفة وهذه الأرض المباركة ولا ينتمي إليها وجوداً أو ولاءً.
جرى الحديث عن حواضر العراق بشكل مختصر، وقلنا هناك إنّ الحديث ليس بمتيسّر عن حوزة من حوزاته، فكيف بها جميعاً ولكن مالا يدرك كلّه لا يترك جلّه... وسنكمل الحديث هاهنا عن حوزة النجف الأشرف ثم نتحدّث عن الحوزات الأخرى.
وقد قلنا إنّ حوزة النجف الأشرف هي ثالث أو رابع حوزة تأريخياً أسسها الشيعة بعد حوزة المدينة المنورة وحوزة الكوفة المقدسة وبغداد.
النجف الأشرف مهبطُ شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (448 هــ) جاءها أثر فتنة طائفية أثارها السلاجقةُ، فأحرقت آثارها دار الشيخ ونهبت كتبهُ بل وأحرق كرسي درسهِ فكانت _النجف الأشرف_ مهبطه، وبداية عصر جديد أحيا في هذه المدينة وأعاد إليها ما سلب منها.
والحقيقة أنّ النجف كانت حوزة قبل ذلك بزمان حيث تدل بعض القراءات التاريخية على أنّّ عضد الدولة البويهي وزع هدايا على طلبة العلم هناك أثناء تشرفه بزيارة المرقد الطاهر لأمير المؤمنين عليه السلام سنة (371 هـ).
ومن المعلوم أنّ الشيخ لم يهاجر إلى النجف وحده, إنّما كانت له حلقات لاشك أنّها هاجرت معه إلى النجف الأشرف فشكلت النواة الثانية والبداية الجديدة لتأسيس الحوزة العلمية واستمر ذلك الى أن انتقلت الحوزة من مدينة النجف الأشرف إلى الحلة بعد أنْ برز فيها العلامة وبن إدريس وغيرهم من العلماء الذين صنعوا مجد الحلة وأسسوا حوزتها وكانت ألأجواء والجغرافيا بل وعوامل أخرى, مما ساعد عن الهجرة إلى النجف الأشرف فانّ الوجود الحوزوي لم يعدم تماماً بل بقيت الحلقات هنا وهناك, فما لبث أنْ عادت الحوزة إلى أصلها في دار العلم والتدريس واستمرت إلى يومنا هذا وإنْ كانت هناك انتقالات بين حين وآخر إلى كربلاء وسامراء وبغداد, وبقي المركز الرئيس للحوزات العلمية في العراق وغيرها النجف الأشرف وبقيّتها عيالٌ عليها.
وبانتقال السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم من كربلاء الى النجف مطلع القرن الثالث عشر الهجري تنظّم وضع الحوزة بشكل أكبر، ثم أعقبه بعد ذلك تلميذه الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله، فزاد الأمر تنظماً وترتيباً فذابت الحوزات الأخرى أو كادت في حوزة النجف الأشرف الكبرى, ثم جاء بعد صاحب الجواهر الشيخ مرتضى الأنصاري ثم السيد اليزدي وأبو الحسن الأصفهاني والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي وهي _االنجف الأشرف_ اليوم مدرسة الشيعة الأولى ومهوى نفوس المؤمنين وملاذ العلماء، فيها المرجعية الدينية العليا وكبار الفقهاء وعلماء الشيعة.. فيها المدارس والمعاهد الدينية والأدبية وإن قيل إنّ النجف الأشرف لا تمتلك من خامات الأرض وثرواتها إلاّ تراب يصنع العلماء ومرقداً طاهراً يعشقه أهل الإيمان والتدين والإسلام, لكان ذلك أكبر مخزون وأضخم رصيد تمتّعت به النجف الأشرف ولازالت وستبقى.
المدارس الدينية ومنتديات الأدب والفكر النجفية:
تمتعت النجف الأشرف منذ تأسيسها والى يومنا هذا بالعديد من المدارس والمنتديات التي يصعب إحصاؤها بليوغرافيا.
ونذكر منها مدرسة المقداد السيوري المتوفى سنة (826 هـ), ومدرسة الصدر وهي أقدم المدارس وأوسعها,ومدرسة المعتمد ومدرسة المهدية, ومدرسة القوام, والمدرسة السليمية, ومدرسة الإيرواني والقزويني والبادكوبي والشربياني والخليلي والآخند والهندي واليزدي والبروجردي وجامعة النجف الدينية والمدرسة اللبنانية ومدرسة الإمام الحكيم والأزرية وغيرها.
الدراسة العلمية في حوزة النجف الأشرف:
وتقسم إلى مراحل أربعة:
المرحلة الأولى: وتسمى المقدمات ويدرس فيها,النحو والصرف والبلاغة والمنطق والفقه (الرسائل العملية) وتسبقها مرحلة تمهيدية, يدرس فيها مختصرات من العلوم والفنون كالتلاوة والأدب والبلاغة والمنطق، ومن بين المواد التي تدرس في مرحلة المقدمات, قطر الندى وألفيه ابن مالك ومغني اللبيب ومنطق المظفر وحاشية عبد الله والشمسية وبداية الحكمة ونهايتها ومنهاج الصالحين وشرائع الإسلام وبعض العلوم وفنونها الأخرى.
مرحلة السطوح: وتقسم إلى قسمين، السطوح الأولى والسطوح العليا. ويدرس في الأولى منها كتب الفقه الاستدلالي كاللمعة والرياض وأصول الفقه والمعالم وغيرها من المتون الأخرى فضلاً عن الدروس العقائدية وأبحاثها المعمقة والتي تبدأ بعقائد الإمامية فالباب الحادي عشر فشرح التجريد وغيرها.
أما المرحلة الثانية فيدرس فيها, الرسائل والكفاية واللمعة والمكاسب فضلاً عن علوم الرجال والدراية والحديث والتفسير والفلسفة وغير ذلك.
البحث الخارج : وهي مرحلة يستغرق فيها الطالب من خلال دراسة موسعة ومعمقة تستمر الى ما يقارب (15-25) سنة , حيث يتلقى الطالب فيها دروسه على كبار الأساتذة والمجتهدين من خلال شروح مفصلة معمقة دقيقة في الفقه والأصول وما يرتبط بهما من العلوم الأخرى. ويهيأ شيئا فشيئا ليبدي رأيه مقابل ما يطرح من آراء الى أنْ يمتلك ويستحوذ ويحصل على ملكة الاجتهاد بعد إجازة أستاذه له فيستقل بالدرس والتدريس ليكون بعد ذلك وبعد ردح من الزمن يعكف فيه على الدرس والتدريس يزيد على (25) سنة ليكون مجتهداً يحق له عندئذ الإفتاء.
الحوزة العلمية تهيئ لمنصب الزعامة الدينية في المذهب الشيعي الإمامي الأثني عشري, وهذا المنصب يحوزه المؤهل له ليس بالتعيين أو الانتخاب أو غيرها من الوسائل التي يستخدمها سائر الفرق الاسلامية الأخرى كما في مشيخة الأزهر وغيرها حيث يعين الامام الأعظم والمفتي من قبل الحاكم أو بالانتخاب كما عند المسيحيين في تعيين البابا.
المرجع الأعلى: المرجع الديني منصبٌ يمارس من خلاله الفقيه الذي حصل رتبة الاجتهاد إصدار الفتوى وتنظيم شؤون الشيعة في العالم الإسلامي, ويعتبر هذا المنصب (المرجع الأعلى) منصباً مقدساً لدى الشيعة الإمامية لا يجوز التجاوز عليه أو الاستخفاف به أو تضعيفه والنجف الاشرف فيها دائماً المرجع الأعلى للشيعة وهو ذلك الشخص المجتهد الأكبر الذي أجمعت الكلمة على الإذعان له ولرئاسته ولمرجعيته, وتتمثل اليوم بسماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني(دام ظله الوارف).
أرقام وإحصائيات:
قدر عدد سكان العراق في عام 2011 من قبل بعض إحصائيات الأمم المتحدة بـ (32665000) والعراق كما لايخفى مجموعة من القوميات والأعراق والأجناس والأديان غالبية سكّانه من العرب، مع وجود قوميات كردية وتركمانية وآشورية وشبكية وآرمنية... وغيرها.
وتعتبر محافظة بغداد العاصمة والتي يشكل عدد سكانها ما يقرب 7,000,000 وهي المركز الإداري الأول الذي يحتوي الحكومة الإدارية، وتأتي محافظة الموصل 3,000,000 نسمة، والبصرة 2,5 مليون وتشكل الأخيرة الشريان الرئيسي للعراق وتؤمّن ما يقارب 90% من اقتصاد العراق.
العربية هي لغة الأغلبية فيما يتحدث الكردية ما يقارب 15% بينما يتحدث التركمانية ما نسبته 7%، بينما ما يتحدث الآرمية 4,5% اللغات الأخرى، وهي لغات مختلفة.
العراق بغالبية مسلمة حيث يشكل المسلمون 97% من السكان.. ويشكل الشيعة نسبة 67%ونصف من عدد سكان العراق، فيما يشكل السنة والمسيحيون والصابئة والزيديون الأقليات الباقية فضلاً عن بعض اليهود الذين مازالوا يعيشون في العراق.
من أهم المناسبات الرسمية هي يوم عاشوراء (10 محرم) و عيد الجيش (6 كانون), والمولد النبوي الشريف, وعيد الفطر وعيد الأضحى. فضلاً عن المناسبات غير الرسمية كالغدير والشعبانية والأربعينية.
السياحة في العراق:
تعتبر السياحة من أبرز القطاعات النامية والمتطورة في العراق، وتنقسم الى سياحة ترفيهية في شمال العراق وبعض منطق الوسط والجنوب، وسياحة دينية حيث يستضيف العراق ملايين السياح والزوار من داخل وخارج العراق، ففي النجف الأشرف حيث ضريح الإمام علي عليه السلام, وفي كربلاء حيث ضريح الإمام الحسين عليه السلام وأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وفي بغداد ضريح الإمامين الكاظمين, موسى الكاظم عليه السلام ومحمد الجواد عليه السلام, وفي سامراء ضريح الإمامين العسكريينL والدار التي ولد فيها الإمام المهدي عليه السلام، كذلك يوجد أضرحة عدد كبير من الصحابة كسلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان في المدائن وطلحة والزبير في البصرة, كما يضم العراق عدداً من أهل البيت عليهم السلام كزيد بن علي في بابل وسيد محمد بن الإمام علي الهادي في بلد، كما يضم عدداً من أئمة المذاهب كأبي حنيفة وأحمد بن حنبل، كذلك شيخ الصوفية عبد القادر الكيلاني, إضافة لذلك يضم قبور عدد من الأنبياء كآدم ونوح وهود وصالح وذي الكفل ويونس وشيت وجرجيس وعزير وأيوب عليه السلام وغيرهم.
كما ويتمتع العراق بأنه يضم مرفقاً سياحياً كبيراً حيث الآثار ومواقع التنقيب والتراث التي نشأت على أرضه وأمتدت لآلاف السنين، فحضارات أور وأكد وسومر وبابل وآشور، فضلاً عن الحضارة اليونانية والآرامية والفارسية والإسلامية.
ومن أهم الآثار في العراق بوابة عشتار والزقورة ومدينة الحضر وبرج بابل وإيوان كسرى والملوية والمدرسة المستنصرية، وغيرها الكثير من الحضارات.
للعراق العشرات من المطارات بين كبير ومتوسط وصغير، منها عسكري والآخر مدني، منها مطار بغداد والبصرة والموصل والنجف وأربيل والسليمانية كما يوجد فيه العديد من المنافذ البحرية كميناء أم قصر وخور الزبير والمعقل وميناء أبو فلوس وخور العميّـة وميناء البصرة النفطي.
الثقافــــــــــــــة والأدب:
الأدب العراقي ضارب في جذور التأريخ فمن ملحمة كـلكــامش إلى الفرزدق وأبي الطيب المتنبي ومحمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة، وغيرهم من الشعراء والأدباء من الفنانين والقصاصين, في هذا البلد المعطاء تراث قصصي كألف ليلة وليلة وسندباد وعلاء الدين وعلي بابا وكلك.
الدراسة في العراق:
الدراسة في العراق تدار عبر وزارتي التربية، والتعليم العالي وكان العراق يعتبر قبل تسلم النظام البعثي السلطة وحسب تقارير اليونسكو أفضل أنظمة التعليم في المنطقة إلاّ أن ما يؤسف له أنّ نسبة الأمية في العراق تبلغ نسباً مخيفةً تصل في بعض التقادير 30% من نسب السكان، تتكون المناهج التعليمية والتي تبتدئ بالمرحلة الأولى وتنتهي بالدكتوراه من المرحلة الابتدائية ست سنوات وتعطى الشهادة الابتدائية بعد السادس الابتدائي، بعدها المرحلة المتوسطة لثلاث سنوات بعدها المرحلة الإعدادية ثم الجامعية لأربع فالشهادات العليا اثنان منها للماجستير والدكتوراه ثلاث.
الحديث عن العراق:
إن الحديث عن العراق وعراقته وحضارته وثقافته وأدبه وعاداته وتقاليده وطيبة أهله، والحديث عن حواضره وعواصمه وتأريخه، والحديث عن جغرافيته واقتصاده وأرضه ومائه وزراعته، والحديث عن إرثه الديني وأنه أرض الأنبياء وعاصمة الأئمة عليهم السلام وأنّ في ترابه توارى خير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمير المؤمنين عليه السلام وتضمنت أرض كربلائه جثمان سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيد الشهداء أبي عبد الله عليه السلام، وكانت بذلك اطهر بقعة احتضنتها الأرض والحديث عن مستقبل العراق الذي يستفرد بانه عاصمة دولة الحق وعاصمة العالم وأرض القسط ورفع الظلم، فالحديث عن ذلك كلّه في بضعة أسطر لا يعطي لهذا البلد الذي هو محور الكون منذ أن وجد إلى أنْ يرث مهدي آل محمد الأرض بما فيها، فما مرّ من حديث وما سيأتي إن شاء الله تعالى من أحاديث عن العراق والتي سنفرد فيها الحديث عن بعض مناطقه أو حوزاته بشكل مستقل، وهو لا يعطي لهذا التراب الطاهر استحقاقه وإنّما هو إطلالة، من خلالها نتّعرف ولو على يسير من ماضي هذا البلد وحاضره.