الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار
صدى المهدي » العدد: ٥٠ / رجب / ١٤٣٤ هـ
مواضيع العدد
العدد: 50 / رجب / 1434 هـ

الأهوار ملاذ المظلومين تعمّر الأضرحة وتؤسّس الدولة

التمهيد المهدوي

انّ انتشار مذهب أهل البيت حالة حتمية سيؤول إليها أمر البشرية لا محالة، وان مسألة تحقيقها امر بات قريبا؛ لاسباب كثيرة، من ابرزها الفكر الضخم والاطروحة المفعمة بعلاج المشاكل البشرية المزمنة، فالدين المحمدي يمثل حالة التواصل الحيوي مع مبادئ السماء وإلى يومنا هذا من خلال ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن عليه السلام.
ونحــــــن في ((صدى المهدي)) سنفرد لهـــــذه الظاهرة الحتمية صفحة خاصة نتناول خلال اعمدتها انتشار التشيع فكراً وعقيدة في أغلب بلدان العالم والذي يسهم ان شاء الله في تهيئة الأرضية المناسبة والجو الملائم للظهور المبارك لصاحــــــــب العصر والزمان  عليه السلام.

الأهوار ملاذ المظلومين تعمّر الأضرحة وتؤسّس الدولة

دولة البطائح...

هيئة التحرير

خلال النصف الثاني القرن الثالث الهجري انحدرت الحالة الاجتماعية بالمجتمع العراقي إلى الحد الذي سيطر فيه الظلم على جميع مفاصل الدولة وانعدم العدل الاجتماعي والعناية بالفقراء، بسبب عدم استقرار الحكومة واستبدادها ابان حكم الدولة العباسية ممى حدا بكثير من الشخصيات الاجتماعية الكبرى إلى التفكير بالظهور على الدولة واخذ الحقوق بالقوة، انطلاقا من هذه الحالة ومما يعيشه جنوب العراق ووسطه من حالات فقر وإذلال وقهر واستعباد وتُسلّط على الأموال والأنفس من قبل الولات الظلمة وحكام الجور انطلق وفي مدينة البطحاء أو البطائح وهي منطقة تقع في جنوب العراق حيث الاهوار والمستنقعات التي تتغذى من مياه الرافدين وتقع بين واسط شمالا والبصرة جنوباً، ويقدر بعض الباحثين أنّ البطحاء في الفترة التي نتحدث عنها كانت تمتد من جنوب شرق الكوفة لتصل إلى البصرة، وتقدر بما يقرب بمئتي ميل طولاً وخمسة وسبعين مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلامإلى مئة ميل عرضاً، وكان يغطي الجزء الأكبر من هذه المناطق المياه التي تسمى بالأهوار والتي يكثر فيها القصب، وقد اشتهرت المنطقة في تلك الفترة بزراعة الرز والشعير وأشجار النخيل فضلا عن تمتعها بثروة سمكية كبيرة، وكان أهلها يعتنون بتربية البقر، وعُرف هناك النبطيون القاطنون فيها باسم فرسان البقر حيث كانوا يستخدمون من قبل أهلها بتلك الأعمال، يقول ابن منظور: الأنباط جيل ينزلون بالبطائح بين العراقيين وإنّما سمّوا نبطاً لاستنباطهم ما يخرج من الارض وهم المندائيون او الصابئة الذين عرفوا بزماننا هذا.
كانت أغلبية سكان البطائح وأطرافها تتشكل من القبائل العربية الاصيلة، ولم يكونوا طبقة ارستقراطية وانّما كانوا أناساً بسطاء يعملون في الزراعة والمهن البسيطة الأخرى.
ومن القبائل التي كانت تقطن المنطقة باهلة، وقبيلة عجل من بكر بن وائل بفروعها المتعددة وكذلك بعض بطون قبيلة شيبان مثل ذهب عبس وعنزة وتيم، بالإضافة إلى بنو المهلب الذين كان لهم وجود في تلك المنطقة وكذلك بني حمان وبني هاشم وبني سليم، وتشير بعض القراءات إلى أن هذه القبائل العربية التي كانت متجمعة في تلك المناطق كان الغالب على أوضاعها أنها تعيش حالة من الحرمان والإفقار والإقصاء والابعاد فضلاً عن أنّ بعض الدراسات الاخرى تشير الى أنّ هناك تعدداً مذهبياً ودينياً في المنطقة فكان هناك وجود للهيودية والنصرانية والزرادشتية والصابئة، ويعطي هذا للمنطقة تنوعاً ثقافياً وفكرياً، فرغم وجود هذا الخليط غير المتجانس فكرياً، إلاّ أنّ التعايش السلمي كان سائداً في أجواء المنطقة رغم الأجواء القاسية وظروف العيش الصعبة وممارسات الحكومات المستبدّة.
مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلام من هنا نشأت الفكرة لدى بعض الشخصيات للانقضاض على الدولة واقتطاع هذه الأرض حيث تشكل فيما بعد بما يعرف (بدولة البطحاء) التي أسسها عمران بن شاهين.
النجف وكربلاء ودولة البطائح:
الأرض المقدسة في كربلاء والنجف مأوى قلوب العشاق والمحبّين وملاذ المظلومين المنتفضين تأسياً بأمير المؤمنين وولده الثائر الإمام الحيسنL، يحدثنا التأريخ أن هاتين المدينتين وأهم معلمين فيهما وهما ضريح أمير المؤمنين عليه السلام وضريح أبي عبد الله الحسين عليه السلام قد مرا وعلى طول الخط بين منحيين، منحى الإعمار والبناء والتجديد ومنحى العدوان والتهديد والتهديم، إذ يحدّث التأريخ عن أنّ المختار الثقفي هو أوّل من بنى على مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام قبة من الجص والآجر وذلك في سنة 66 للهجرة، وتوالت عمليات التوسعة والبناء من قبل شخصيات مختلفة، كما توالت عمليات الهدم والتخريب من قبل حكّام الجور وبأشكال وبألوان مختلفة.
وتذكر التواريخ أن الزيارة سيراً على الأقدام كانت معروفة في ذلك الوقت فقبل سنة مئتين واثنين وثلاثين هجرية امسك جلاوزة المتوكل مجموعة كانوا يقصدون القبر الشريف في النصف من شعبان سيراً على الأقدام وعلى إثرها حصلت أعمال تهديم ومنع للزائرين تكفّل التاريخ بالحديث عنها.
وكذلك الحديث عن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام وظهوره وبنائه في زمن الإمام الصادق وما بعده حيث كان مقصداً للزائرين.
مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلاموفي القرن الرابع الهجري بعد أنْ أسس عمران بن شاهين دولة البطائح، حيث أنّه كان في فترة ما مطارداً من قبل الدولة فلجأ إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام، ونذر هناك أنّه إذا تخلّص مما هو فيه أنْ يبني مسجداً ويعمّر الضريح المقدس.
وبعد أنْ استتبت له الأمور قام ببناء أروقة في حرم أمير المؤمنين، ومثلها في حرم أبي عبد الله الحسين وبنى كذلك مسجداً في المرقد الطاهر وكان ذلك في سنة 368 هـ حيث تُحدثنا بعض النصوص التأريخية أنه جاء مشياً على الأقدام وأقام في أمير المؤمنين عليه السلام ثم قصد كربلاء وبنى هناك رواقاً عرف باسمه وبنى عند أمير المؤمنين عليه السلام رواقاً كذلك ومسجداً، والمسجد لازال معروفاً إلى الآن بأسم جامع عمران بن شاهين.
شخصيات بطائحية:
لا يصنع العظماء إلاّ الأرض والماء، وقد صنعت البطحاء عظماء كانوا دعاة الحرية ونبراس الأحرار في الأرض فشكّلوا بذلك عنوان للتحدث عن حقيقة هذه الأرض وظلامتها عبر التأريخ، فرغم ثرائها الفكري والاقتصادي والجغرافي إلاّ أنّ المتتبّع للتأريخ يجدها قد ظلمت ظلماً كبيرا، وأنتج هذا الظلم من ابنائها رجالاً حرروا انفسهم من اطواقه وكانوا مثالا للحرية، ومن بين هؤلاء (أحمد عرابي) حيث يقول عن نفسه مؤرخاً في مجلة الهلال المصرية: ولدت في 1257 هـ من أبوين شريفين من ذريّة السيد صالح البلاسي البطائحي بالعراق ... حيث قدم أحد أجدادنا من بلاد البطائح في أواسط القرن السابع للهجرة.
والشخصية الثانية هو السيد أحمد الرفاعي والذي كان من قرى البطائح وسكانها.
مركز الدراسات التخصصية في الامام المهدي عليه السلاموالشخصية الثالثة محل حديثنا وهو عمران بن شاهين ويذكر التاريخ الكثير من الشخصيات التي انجبتها البطائح عنواناً للحرية ونبذ الظلم.
حكّام وتواريخ:
لقد توالى على حكم منطقة البطائح:
- عمران بن شاهين (329-369).
- الحسن بن عمران بن شاهين (369-372).
- ابو الفرج بن عمران بن شاهين (372-373).
- المظفر بن علي وزير عمران وابنه الحسن بن تغلب (373-376).
- مهذب الدولة ابو الحسن علي ابن نصر ابن اخت المظفر (376-408).
- ابو الحسن وعبد الله (408):
عمران بن شاهين يسير على الأقدام لزيارة الإمام:
ذكر السيد بن طاووس في (فرحة الغري) في صفحة 169 كلاماً مفصلاً عن الأمير عمران بن شاهين وقصته مع عضد الدولة وأنّ بينهما مشاكل، وكيف انتهت تلك المشاكل وكان عمران بن شاهين قد نذر أنْ يسير على قدميه حاسر الرأس قاصداً أمير المؤمنين عليه السلام اذا هدأت الأمور بينه وبين هذا الأمير البويهي، ونقل السيد هناك أنّ عمران بن شاهين أتى زيارة أمير المؤمنين عليه السلام حافياً حاسراً وقد جاء في الليل وحده قاصداً المرقد الشريف، وينقل السادن أنّه رأى في ما يرى النائم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال له أقعد أفتح لوليي عمران بن شاهين الباب فقعد وفتح له الباب فأقبل على العتبة يقبلها وأكرم السادن بهدية وأقام في المقام فترة بنى فيها رواقاً ومسجداً وفاءً لنذره، والمسجد اليوم معروف بمسجد عمران بن شاهين وهو يقع إلى يسار الخارج من العتبة ملاصقاً لباب الطوسي.
ويحظى هذا الجامع بقدسية كبيرة لدى أهالي المدينة المقدسة كونه من أقدم الجوامع المشيدة ومعلماً من معالم الوفاء بالنذر وخدمة أهل البيت عليهم السلام وقد طرأت عليه إعمارات كثيرة، واليوم يعدّ هذا الجامع من الحلل المعمارية النفيسة في العتبة العلويّة المقدسة.
أمير ناهض الظلم وجسد الإصلاح:
سجّلت الكثير من الدراسات أن عمران بن شاهين انطلق لأجل هدف محدد وهو إصلاح الخلل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ورفع الظلم والاستبداد والقهر عن الناس وحماية الفقراء بالقوة وحمل السيف، وقد بقي على ذلك العهد وما انفك جليس الفقراء ومجسداً لهذا الشعار إلى آخر حياته، فقد ذكر ابن الاثير في (الكامل) ومسكويه في (تجارب الامم) والهمداني في (التكملة) وغيرهم أنّ عمران بن شاهين رغم تسلمه الإمرة على منطقة البطائح لم يتخلى عن هدفه الاساسي وهو اصلاح الخلل الاجتماعي والاقتصادي والقهر السياسي بالقوة وحماية الفقراء واسعادهم بالاستيلاء على بعض أموال الأغنياء وتوزيعها على الفقراء وهو الهدف الذي اشترك فيه معه الشطّار والعيّارين وهؤلاء كانوا يعرفون بقوة أخذت على عاتقها مهمة الاصلاح.
وقد اثبتت بعض الرسائل بين الأمير عمران واحد الحكام البويهيين هذه الحقيقة، كما نقلته بعض المصادر المتقدمة حيث خاطب عمران الحاكم البويهي قائلاً عندما طلب الأخير مصاهرته: (اما عن المصاهرة فأنا رجل لا أدخل أحداً من خلق الله إلاّ أنّ يكون الذكر من عندي والانثى من عنده، واما الخلعة والفرس فلست ممن يلبس لباسكم ولا اركب الخيل لانّ دوابي هي هذه السفن ... ثم اردف بنصيحة لهذا الأمير قائلاً: ينبغي أنْ تتوقر وتتزن ولا تستعمل هذه الخفة والنزق فقد قصدتني محارباً لي فرجعتَ منهزماً، وأنا أعلم أنّك ستجيئني وتلوذ بي، وتعلم حينئذ كيف اعاملك بالجميل وبخلاف ما عاملتني به انت وأبوك...
ويذكر لنا التأريخ أنّ ذلك حصل فعلاً وانّ الأمير عمران قدّم المساعدة وحسن المودة والضيافة إلى بختيار وأنّه تزوج من ابنة هذا الأمير.
يقول الشيخ حرزالدين في (مراقد المعارف) كان عمران بن شاهين أميراً على البطيحة في العراق وكان من أمراء الشيعة الإمامية، له دار في البطيحة شهيرة كانت مأمناً وملاذاً لكل خائف وطريد، وكذلك قال ياقوت الحموي.
ويعتبر عمران بن شاهين زعيماً لقبائل خفاجة في العراق، وقد نقل جثمانه عندما توفي ودفن في النجف الاشرف عند مرقد أمير المؤمنين عليه السلام.
لقد تعرضت هذه الدولة الفتية كما نقل الكثير من المؤرخين إلى عدّة من الهجمات من قبل الدول المجاورة وقد انتصر عمران بن شاهين في جميع حروبه التي خاضها بل وانّه وسّع رقعة دولته كثيراً وقد تمتعت منطقة البطائح أيام حكمه الذي دام ما يقارب الأربعين سنة بالاستقلالية والمنعة والرفاه الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، وخسر أهل البطائح بموته زعيماً قوياً ورجلاً عقائدياً موالياً وسياساً بارعاً حقق لهم الحياة الكريمة وأمّن الطرق التي تمر عبر إمارته وبعد موته سنة 369، تولى الحكم بعده ابنه حسن ولم تدم أيام الدولة كثيراً بعد عمران بن شاهين حيث قتل ولده، فتولى _على بعض التواريخ_ ولده الآخر الحسين بن عمران وعلى بعضها أخوه أبو الفرج محمد بن عمران وما لبث أن تم القضاء عليه، فتولى السلطة المظفر وزيره ثم ابن أخت الوزير، ثم انتهت الدولة بأبي الحسين بن مهذّب الدولة وعبد الله بن نسي.

العدد: ٥٠ / رجب / ١٤٣٤ هـ : ٢٠١٣/٠٥/١٤ : ٦.٢ K : ٠
: هيئة التحرير
التعليقات:
لا توجد تعليقات.