شرح دعاء الندبة / الحلقة الحادية عشر
شرح دعاء الندبة
الحلقة الحادية عشرة
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، وقد وصل بنا الحديث الى الفقرة التالية:
(اِلى اَنِ انْتَهَيْتَ بِالاْمْرِ اِلى حَبيبِكَ وَنَجيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَكانَ كَمَا انْتَجَبْتَهُ سَيِّدَ مَنْ خَلَقْتَهُ، وَصَفْوَةَ مَنِ اصْطَفَيْتَهُ، وَاَفْضَلَ مَنِ اجْتَبَيْتَهُ، وَاَكْرَمَ مَنِ اعْتَمَدْتَهُ، قَدَّمْتَهُ عَلى اَنْبِيائِكَ، وَبَعَثْتَهُ اِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنْ عِبادِكَ).
والحديث فيها عن ولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورسالته وانتجابه وتفضيله وإكرامه وتقديمه واعتماده، وللحديث عن هذه المكرمات النبوية لا يسعه مختصر كحديثنا هذا، فقد سطّرت المدوّنات الكثيرة والكبيرة مناقبه ومكارمه وفضائله وشمائله وخصائصه من كتب السير والحديث والتأريخ، ولكننا نتحدّث وضمن شرحنا لفقرات هذا الدعاء المبارك عن محوريين هما:
محور الخصائص النبوية والندبية، ومحور الشمولية المحمدية.
المحور الأول:
دعاء الندبة هو من أكبر الملامح الدعائية ومن أكثر الألواح الفكرية والعقائدية والوجدانية التي رسمها أهل البيت عليهم السلام وضمنوها الوجود الانساني على هذه الارض بل وغيرها، وألوان حركته ونهاية هذه الحركة، وهذا الدعاء المبارك عندما يتحدّث وفي هذا الاطار عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إنّما يتحدث عن ذلك البعد الذي يقوم الداعي فيه بهذا الدعاء بندبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال جملة من الصفات والسمات التي تؤثر على الإجابة وتؤسس لحالة الندب في كل فقرة من فقرات الدعاء، وقد انتهى بنا الحديث في الفقرات السابقة عن كيفية تأثر الداعي بصفات الانبياء عليهم السلام، وارتباط هذه الصفات والحالات والخصائص بالقضية المهدوية، واثرها على وجدان الداعي، ومكانتها عند المدعو له وهو الإمام المهدي عليه السلام، وكيفيّة تأثير هذه الألوان من الصفات والخصائص على ذلك النفس الطاهر المغيّب. ونلاحظ أنّ فقرات هذا الدعاء المبارك بدأت الحديث عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ نهاية الأمر بالوساطة الإلهية المباركة هو ذلك الحبيب المقرّب والنجيب المستجاب كذلك يؤكد الدعاء أنّ ما كان مرجوا منه قد تحقق فعلا على يديه، بعد أنْ كان سيد الخلق وصفوتهم وأفضلهم وأكرمهم، لذلك كان ميزان الاعتماد والتقديم من قبل الله سبحانه وتعالى على الانبياء، بل وإنّ هذه السمات والصفات كانت موجباً لشمولية البعثة وكونها غير مختصّة بعالم دون عالم، وهذا ما يفتح الحديث عن المحور الثاني في شرح هذه الفقرة.
المحور الثاني:
إنّ الحديث عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من خلال الفقرات الندبية، ومن حيثية كون دعوته صلى الله عليه وآله وسلم شاملة للثقلين من العباد، يعطينا بعداً معرفياً وعقائدياً بأنّ السبب وراء كونه صلى الله عليه وآله وسلم قد صار خاتماً للأنبياء، وكانت دعوته شمولية للكون بأجمعه هو تلك الصفات التي تحلّى به صلى الله عليه وآله وسلم سواء كانت صفاته الذاتية التي تحلى بها وترجمها سلوكاً وعملاً وسجلت ألينا احداثاً تأريخية وسيرة نبوية مارسها اثناء وجوده صلى الله عليه وآله وسلم بين الناس، أو كانت تلك الصفات الكامنة الموروثة من قبل الأئمة من ولده عليهم السلام والتي كانت أودعت بأجمعها في خاتمهم فكان رمزاً لتحقيق الغاية القصوى من الخلق، والهدف الاسمى من الإرسال وهو تحقيق العدل وإقصاء الظلم.
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أنْ ينظر اليه من زاوية ذلك الوجود الجسماني الذي عاش في زمن محدّد وأوجد تلك الجماعة المؤمنة التي ترجمت الإسلام إلى العالم، بل لابدّ من أنْ ينظر إليه من خلال مجموع صفاته صلى الله عليه وآله وسلم التي تحدث عنها الأئمة عليهم السلام مترجمين الآيات القرآنية التي كانت تصف هذا المخلوق الرباني الذي جسّد صفات الكمال والجلال الإلهي، فالدعاء المقدس يعطي للداعي نحوين من الصفات تحلّى بهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وترجمهما سلوكا وتحدّث بهما الأئمة عليهم السلام وتلبسوا بها، حتى تلك الصفات التي لم تقع بكمالها وتمامها والتي سيتحدث عنها المقطع الآتي معطيا إيّاها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أنها الصفة الأبرز بل الصفة المختصّة بالإمام المهدي عليه السلام.