ردّنا
ردّنا
رغم وجود افراد و مسارات منحرفة، وخطوط تدعو إلى الانحراف من بداية المسيرة الإسلامية في طريق هداية البشرية جمعاء إلى صراط الله المستقيم، إلاّ أنّ خط الهداية النير والواضح شق هذه الظلمة وبددها على طول الخط، فملاحظة سريعة لمجريات الأحداث سواء ما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو في زمن الأئمة عليهم السلام يجد المتتبّع أنّ هناك خطوطاً تخرج لتحرف الأمّة عن مسارها بين الفينة والأخرى، وهذه الخطوط الانحرافية تتقمّص عادة لباس الدين وتتدرع بهدف حمايته والحفاظ عليه، ولكن رغم وجود هذه الخطوط التي تدعو للانحراف باسم الدين والتي _في بعض الأحيان_ يكون الأشخاص القائمون عليها والذين لهم منزلة وقرب من الأئمة عليهم السلام في أزمنة سبقت انحرافهم أو ممن لهم حظ من العلم، بل إنّنا نجد أحياناً أنّ هؤلاء الذين يمثلون النموذج الانحرافي هم أصحاب مكانة علميّة مرموقة كأحمد ابن هلال العبرتائي أو الشلمغاني أو غيرهم ممن شهدت لهم المسيرة التاريخية بالانحراف حتى مع كونهم أصحاب هذه المرتبة، وهذا ليس بمستغرب على من يعيش الأجواء القرآنية التي تعكس لنا صوراً من انحراف أشخاصٍ كانت لديهم آيات الله كما عبر القرآن الكريم عن ابن باعورا بقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) فإنّ هذا النموذج الانحرافي الذي شهد له القرآن بانّه كان ممن أوتي آيات الله أيام استقامته إلاّ أنّه انسلخ من هذه الآيات وكان من الغاوين، وذلك لأنّه اتّبع هواه فصار مثله كمثل الكلب.
إذن لا يستغرب من أنْ يكون هناك بعض النماذج ذات الحظ العلمي والتي انحرفت عن مسار الهداية والاستقامة إلى مسار الانحراف والظلام، فمن كان بعيداً عن أجواء القرآن وبعيداً عن أجواء الواقعية التي تعيشها المسيرة الإسلامية في ضمن نطاق إطار الفتنة والابتلاء والامتحان (إشارة إلى وجود سنّة إلهية وكونية في الانحراف، وانْ لم نكن قد اشرنا إليها في طيات البحث مفصلاً إلاّ أنّه مما لاينبغي الشك فيه وجود هذه السنة الكونية) لا يستبعد من أنْ يكون مثل الزبير ابن العوام الرجل الذي بقي في بيت الزهراءعليها السلام يدافع عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن استحقاق الإمامة الإلهية لأهل البيت عليهم السلام أن يكون منحرفاً في آخر أيام حياته وأنْ يخرج على أمير المؤمنين عليه السلام بل يكون محارباً له ويقف في الصف المقابل الذي على حد تعبير بعض الروايات أنّ أمير المؤمنين عليه السلام إنما خرج يقاتل أهل الجمل على التوحيد, ولا يستوحش من يعيش في أجواء القرآن من أنْ يكون هناك نماذج عاشوا مع أهل البيت عليهم السلام وتعلموا على أيديهم إلاّ أنّهم انحرفوا عنهم ولا نريد أنْ نقف على نماذج أخرى تمثل الشاخص البارز في خط الانحراف في المسيرة الإسلامية (وانْ كان حديثنا يتصوره البعض حديثاً عن افراد لا حديثاً عن ظواهر اجتماعية اذ هؤلاء الأفراد لا يشكلون ظاهرة اجتماعية، إلاّ أنّنا نقول إنّ استقصاء ذلك الذي تم في محله يؤكد على أنّ هذه الانحرافات التي انعكست في هذا المقال وهي بصفتها الفردية تشكل ظاهرة اجتماعية لان بعض الافراد كانو يمثلون جماعات لاانهم يمثلون انفسهم فقط, بل وهي سنة كونية كما دلت على ذلك جملة من روايات الفتنة وآيات الامتحان).
فإنّنا نريد أنْ نؤكد أنّه على الرغم من وجود فئات منحرفة على طول خط الهداية سواء كانت هذه الفئات التي تمثل هذا الخط المنحرف تتشكل بأفراد أو جماعات إلاّ أنّ خط الاستقامة وخط الهداية والنور بيّن وواضح، لذلك نجد أنّ وجدان الانسان بشكل عام يتجه صوب هذا الطريق المستقيم ويكون طالباً له ويرغب أنْ يكون ممن يسلكه إلاّ أنّ المنافع والمصالح الآنية التي بتوهمه أنها أهم تدعوه إلى الانحراف والانحياد عن طريق الهداية، هذا ما تؤكده وجدانيات الانسان بشكل عام، ولنا في قول الله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) شاهد على أنّ المعتقدات الحقة التي تمثل ركائز طريق الهداية والاستقامة حتى وإن استيقن بها الانسان إلاّ أنّه في بعض الاحيان يجحد بها ويكون ظالماً لنفسه بسبب هذا الجحود وخروجه عن طريق الهداية إلى طريق الانحراف.
فالنتيجة التي نتوخاها مما تقدم من حديث أن لا نستكثر ولا نتهيب وجود أشخاص ينحرفون عن مسير الهداية والاستقامة لان هذه سنة قد جرت في الامم التي سبقتنا بل فيمن هم على ملتنا من اسلافنا الذين سبقونا وقد أكد القرآن الكريم وتبعاً له ما روي عن أهل البيت عليهم السلام إنّ الكثير من الناس سينقلبون على أعقابهم وسيتّبعون سنن المنحرفين إلاّ من أخذ الله ميثاقه وكتب في قلبه الايمان وأيّده بروح منه، فخط الاستقامة والهداية شاخص واضح بين على طول الخط، وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم في أن حجة الله سبحانه وتعالى بالغة على عباده وانّه تعالى يقطع حجة من يدعي التباس الامر عليه لانّه كما ذكرنا طريق الهداية والاستقامة والصراط المستقيم طريق واضح بين بل هو أوضح من الشمس.
فأدعياء الضلال والانحراف هم أهل الجهل وإنْ تزيّوا بزي أهل العلم وهم أهل باطل وان تجلببوا جلباب الحق.