تمهيدنا: أزمان بناء العقيدة
تمهيدنا: أزمان بناء العقيدة
تمر البشرية بفترات زمنية تغيّر مسار الأفكار وتنتج عقائداً تلبس صفة الديمومة والخلود، وهنا يطرح سؤال محوري هو: هل يمكن للبشرية أنْ تولّد مجموعة من العقائد في زمان هي تختارها وأنّها قادرة على أنْ تختار العقيدة التي ترغب؟.
الواقع الذي عاشته البشرية يفرز الإجابة على هذا السؤال المهم والحسّاس في نفس الوقت، فإنّ ما مرت به البشرية والأزمان المختلفة التي عاشها الناس ولّدت لهم مجموعة من العقائد، ثمّ كانت عملية إيجادها والايمان بها فضلاً عن عملية ترسخها وتجذّرها وإلباسها بعض الديمومة، وكان على رأس من أنتج هذه العقائد وأرسى قواعدها وسهّل سبل الايمان بها لدى الناس وتوطينها في نفوسهم هم الأنبياء والأولياء عليهم السلام وجملة من الصلحاء.
فعقيدة الايمان بإله واحد، والايمان بأنّ لهذا الإله الواحد ممثلاً يقرّب الناس إليه ويدير شؤونهم بما يرضيه، وإنْ كانت تدفع الناس إليها الفطرةُ إلاّ أنّ الأنبياء هم الذين كان على عاتقهم إيجاد، ومن ثمّ تجذير بل ديمومة هذه العقيدة.
ثم جاء دور الأئمة والأولياء عليهم السلام في توسيع هذه العقيدة وتجذير تفرّعاتها وتأصيل كونها عقائد يجب على الإنسان الإيمان بها، فتبلّورت العقائد، فأصولاً في زمن الأنبياء، وتفرعات في زمن الأئمة وبعض الأولياء، ثم سارت في شرايين الوجود البشري إلى أنْ صبّت في ضمير الإنسان وعقله وقلبه، وأُشربت بها نفسه فكان تراكم الزّمان عنصراً آخراً في توسيع الرقعة الإيمانية لهذه العقيدة أو لذاك الفرع منها.
ومن هنا ينفتح الباب أمام سؤال مهم ورئيس هو هل بإمكاننا الآن أنْ نؤسّس لعقيدة ما، أو نوسّع من عقيدة معيّنة بعد أن انعدم دور الأنبياء بموت خاتمهم، ودور الأئمة بغياب آخرهم؟.
إنّ الضرورة قاضية بأنْ لا إمكانيّة لتأسيس عقيدة جديدة، بل ولا لتوسيعها بهدف إيجاد ما لم يكن موجوداً، لأنّ العنصر الذي يكون على أساسه الإيجاد أو الإيصال وهو المادة الأوّلية للعقائد ليس بموجود، فالخاتم متوفّى والإمام مغيّب، فكيف تنشأ العقيدة الجديدة!.
إذن فكل شخص يدعو إلى إيجاد عقيدة جديدة أو توسعتها ليس لها أصل أو جذر، لابدّ أنْ يواجه بأشدّ ما يمكن أنْ يواجه به ويُنظر إليه نظرة ريبة وشك وخوف، بل لعلّنا لا نبالغ إذا اتهمنا هذا الشخص بأنّه يريد تمزيق الدين وتأسيس ما يناسبه هو لأجل أنْ ينتفع من ورائه.
فالأصوات النشاز التي تنادي بأن الأئمة ثلاثة عشر بدل اثني عشر، أو أنّ اليماني ليس من اليمن أو أنّ الانتظار زمان انقضى وقته، أو أنّ البيعة ليست بالضرورة للإمام عليه السلام، أو انّنا لابد أنْ نلحظ خروج السفياني ونرتّب الأثر عليه دون غيره، مما هو معه ولا ينفك عنه، أو أنّ التقيّة انتهى زمانها، أو أنّ الفقهاء ليسوا بأمناء، وغيرها من التعميمات والكليات والقواعد والعقائد التي ليس لها حظ ولا وجود، ولا يراد من تأسيسها إلاّ انقلاباً على العقيدة الأم والأصل العقائدي.
فأزمان تأسيس العقيدة لا يمكن أنْ نتدخل فيها أو نحدّد أنْ هذا زمان يولّد العقائد وذاك عقيم، بل هذا أمر متروك لولي الدين والقيّم عليه، وكل من رام غير ذلك زاغ عن الطريق وذهبت به أهواؤه شططا، فهو كمن يركض وراء سراب بقيعة لايجد منه إلاّ ما يعمي عينيه بعتمة الخيال، غناك عن رمال الصحراء، فيزداد لذلك ضمأ ولا يهتدي لخلاص.
رئيس التحرير