الإمام المهدي عليه السلام ومفهوم الانتظار
الإمام المهدي عليه السلام ومفهوم الانتظار
الشيخ كاظم جعفر المصباح
المستفاد من النصوص المتعلقة بالقضية المهدوية أن الانتظار المثاب عليه هو الانتظار المقترن بالإيمان والطاعة, والورع ومحاسن الأخلاق, وإنّ الطاعة التي يمارسها المكلّف في دولة الباطل مع الخوف والاضطراب يكون أجرها اضعافاً مضاعفة على العبادة التي ينجزها في دولة الحق مع الإمام الظاهر من أهل البيت عليهم السلام, وان الصبر على الأذى مع أداء الفرائض تجعل المنتظِر أفضل من اصحاب القائم عليه السلام, والذي يموت على هذه الحال يكون افضل من كثير من شهداء بدر, والحي منهم يكون كالمتشحّط بدمه في سبيل الله . وهذا النمط من المنتظرين يبجّلهم الإمام علي عليه السلام ويشتاق لرؤيتهم , ويخبرنا عن رفيع منزلتهم, وأن الله سيجمعهم وإياه في جنّات عدن ومن صلح من آبائهم وازواجهم وذرياتهم.
إن ذلك الانتظار للقائم المنتظر عليه السلام هو الانتظار الايجابي.
وقد اعتمدت نظرية الانتظار الايجابي على ركائز مهمة تهدف برمّتها إلى تطبيق الإسلام المحمدي الأصيل أصولاً وفروعاً, وأداء الفرائض, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, والجهاد دفاعاً عن الإسلام, والسعي إلى إيجاد دولة إسلامية في زمن الغيبة, وبناء المجتمع الإسلامي بناء عقائدياً سليماً, وإعداده لنصر القائم عليه السلام إعداداً معنوياً ومادياً, وتمهيد الأرضية الصالحة لظهوره عليه السلام وانشاء دولته العالمية العادلة.
فنظرية الانتظار الايجابي بناءً على ما تقدم تغاير نظرية الانتظار السلبي مغايرة تامة؛ لأنّ الثانية تدعو إلى شل النشاط الإسلامي, وتجميد الطاقات البشرية, وتعطيل الأحكام, والتنصّل من الوظائف الشرعية والإنسانية, وغض النظر عن مظاهر الظلم والفساد الاجتماعي, وإيقاف المسيرة في منتصف الطريق على أمل ظهور القائم عليه السلام لينتشلها من الوحل المغمورة فيه, ويقود ما تبقّى من حطامها نحو الأمن والسلام. وفي هذه الحالة بدلاً من أن يكون المنتظرون أعواناً وانصاراً للقائد يؤازرونه على انجاز مهامّه الرسالية, يكونون عبئاً ثقيلاً عليه، يعيقون حركة سيره باتجاه الأهداف المنشودة.
بينما الأولى تدعو الى مواصلة المسيرة باتجاه الاهداف المرسومة, وعدم التوقف في أثناء الطريق رغم ما يعترض المسيرة من موانع وعراقيل, لأنّ الوقوف والمراوحة في أثناء الطريق يجهض القوى ويعرّض المسيرة إلى موانع وعراقيل وأخطار عظيمة لاتقوى بعدها على اليسر خطوة واحدة إلى الإمام.
واتخذ المؤمنون النظرية _من السر والتقيّة_ اسلوباً للنشاط الاسلامي في تلك الظروف العصيبة الحالكة بناء على توصيات الأئمة الأطهار عليهم السلام، من أجل الحفاظ على سلامة الحركة والحركيين في آن واحد, والتقليل من نسبة الخسائر والتضحيات.. واستطاع هؤلاء بفضل دعم وتوجيهات الأئمة الأطهار عليهم السلام أن يفجّروا ثورات كثيرة سجلّها لهم التاريخ في أنصع صفحاته, وينشئوا دولاً عديدة في شتى أنحاء الوطن الإسلامي على مدى التاريخ.. صحيح أن معظم تلك الثورات قد فشلت ولم تنجز اهدافها كاملة, وأنّها تسببت في قتل عشرات الآلاف من افراد الطائفة الشيعية إلاّ أنها ما كانت تخلو من فوائد جمة.
فهي من جهة قلّمت أظافر الخلفاء الأمويين والعباسيين والحكومات الرجعية, وحجّمت نفوذهم, وقلّصت الكثير من جرائمهم ومآثمهم, لأنها اشعرتهم بأنْ قراراتهم الاجرامية التعسفية سوف لن تمر بسهولة وبدون عقاب. ومن جهة اخرى رسخت جذور التشيع وقواعده في أعماق وجدان المجتمع المسلم, ورفعت المستوى القتالي للأمة الاسلامية, وصعّدت من معنوياتها وروحيتها الجهادية, وزرعت الأمل والثقة بنفسها, ومكنتها من مواجهة اعتى الطواغيت بقوة واقتدار وشجاعة فائقة.