مظلومية الشيخ حسن شحاته تجسيد للماضي وامتداد للمستقبل
مظلومية الشيخ حسن شحاته تجسيد للماضي وامتداد للمستقبل
تنتابنا في بعض الأحيان جملة من الأحاسيس التي لا تكاد تفارق مخيّلاتنا وأرواحنا عن كثير من القضايا التاريخية أو المستقبلية والتي لا نلتمس إلى الإحساس الواقعي بها أية وجهة تعطينا تصويراً يشفي ذلك الغليل المشاعري المتقد في وجداننا عن تلك القضايا، وتبقى هذه الحالة تصارع العقل وترغمه على الانصياع لها بأنّ تلك الأفكار يصعب التصديق بها أو يتزلزل الإيمان بمضامينها في بعض الأحيان، بينما قوة العقل تقهر هذا الشعور وتولّد في النفس حالة التصديق والإذعان بالمضمون.
وفي الحقيقة يمكن للإنسان أنْ يوجد من خلال الحالات التي يمر بها أثناء مسيرة حياته والتجارب التي يراها لدى الآخرين، قوة تؤهله وتمكّنه من التصديق بتلك المضامين، ولكن ينبغي الالتفات إلى تلك التجارب الشخصية او الاجتماعية وتوظيفها لتقوية هذا الشعور وترسيخ الإيمان بالمضمون.
ولنضرب لذلك مجموعة من الأمثلة توضيحاً للفكرة، فمثلاً نسمع كثيراً عن الوفاء، ويسجّل لنا التأريخ الكثير من قصص الوفاء قد يصعب على بعض الناس تصديق بعضها، والمهم من هذه القصص ذلك الوفاء العقائدي النابع من جذور إيمانية راسخة كوفاء العباس عليه السلام للحسين عليه السلام ووفاء أنصار الحسين عليه السلام له عليه السلام، ووفاء وطواعية أنصار الإمام المهدي عليه السلام لإمامهم على ما تحدثنا به الأخبار عند الظهور، فإنّ القصص المروية في هذا الشأن كثيرة وكبيرة بمضمونها.
وهو وفاء يصعب على ذوي المشاعر المهزوزة والأحاسيس المتخمة أنْ يصدّقوه، ولكنّ التجارب البشرية التي يمر بها أغلبنا ولمرات عدّة تثبت هذه القضية وتطعّمها بالتصديق الوجداني ترسيخاً وتثبيتاً وتأكيداً وإمضاءً.
واليوم ونحن نعيش حالة الطحن الطائفي والتسويق التكفيري والإقصاء الفكري ومقولة إنّ شيعة أهل البيت عليهم السلام لابد أنْ يسحقوا بدلاً من أنْ يناظروا، فهذه القضية بحد ذاتها دليل على حقانية ما يمتلكه هؤلاء، إذ لو كان يصدَق الوهابيون ومن لف لفهم بأنّهم أهل حق، وأنّهم أهل توحيد وديانة لناظروا هؤلاء ولأفحموهم بحقهم إن كان لديهم حق بينما لا نجد من ذلك أثراً إلاّ النداء بأنّ الشيعة هم العدو فاحذرهم واقتلوهم، ولا نجد إلاّ فتاوى استباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، في حين يعيش أعداء الإسلام الحقيقيون من الصهاينة وأتباعهم آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.
فحالة الوفاء التي سمعنا بها روائياً وتاريخياً، وحدّثتنا عنها أخبار المستقبل تجسدت اليوم وفي زمان الطحن الطائفي وكنموذج يلتمس من خلاله ولو بنسب متفاوتة ما عاشه أصحاب الأئمة وخصوصاً مع الحسين عليه السلام من الوفاء، وما سيعيشه الأنصار مع المهدي عليه السلام، إذ رأيت بعض التسجيلات التي نقلت أحداث المأساة والقتل على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وذلك عندما تصدّى مجموعة من الصبية بعد أنْ شحنتهم أبواق الفتنة والتكفير فهجموا على شخص سبعيني لا يحمل إلاّ ولاء أهل البيت عليهم السلام وأمير المؤمنين عليه السلام فقتلوه قتلة شنيعة سأتحدث عن تفاصيلها بعد قليل وألتمس من أحداثها ما وقع تاريخياً وما يستشرف وقوعه مستقبلاً، ولكنني أريد أنْ أنظر إلى حادثة مقتل الشيخ حسن شحاته وأستفيد منها عنصر الوفاء الذي استشعرته بكل كياني وبقي يعيش معي أياماً وأنا أتصور الحالة التي رأيتها وأقيس عليها ما حدث للحسين عليه السلام في كربلاء، فقد رأيت ذلك الشيخ المفعم بالولاء والذي جاء لإحياء ذكرى ولادة الإمام عليه السلام في الخامس عشر من شعبان وبعد أن طوّقته جموع كبيرة من أصحاب الحقد والخواء الفكري، من دعاة القتل وصبية الدماء، وبين حالة الشد والجذب خرج الشيخ ليجنب النساء والأطفال بعد إصرار القتلة وتزايد أعدادهم وتسلقهم الجدران وتهديم السقف، فهنا رأيت شيئاً عجباً لم أسمع عنه إلاّ في قصص الوفاء الكربلائي أو ما قرأته من روايات أنصار الإمام المهدي عليه السلام، حيث احتضن أربعة من الأشخاص الشيخ حسن شحاته، والعصي بل والسيوف تنهال عليهم ضرباً وكل أدوات القتل تقع على رؤوسهم، ولكن يأبى وفاؤهم إلاّ حماية الشيعي الموالي ولم أر ضربة واحدة وقعت على الشيخ رحمه الله وفي هؤلاء النفر رمق من الحياة، نعم كانت الضربات التي وقعت على رأسه بعد أن فقد الحماة أرواحهم أو كادوا فسنحت الفرصة هنا لنابشي القبور وآكلي الأكباد وقاتلي النفس المحترمة ان يتفردوا، وهم آلالاف... بالشيخ الوحيد الذي لم يتحدث بشيء وكان صامتاً وأظنه _ولا أشك في ذلك_ يستحضر واقعة كربلاء وما وقع على الحسين عليه السلام من تلك الجموع المؤلفة المشتتة قلوبها التي لم يجمعها إلاّ سفك الدماء.
نعم لقد هزّتني الواقعة وذكّرتني بوفاء كربلاء.
فالذي يشكك في ما حصل في الماضي من وفاء الأصحاب للأئمة عليهم السلام وما سيحصل في المستقبل، فهذه الحقيقة تتحدث بالصوت والصورة وتجسد وفاء مع من أحبّ أمير المؤمنين عليه السلام فكيف بأبناء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام.
والبعد الثاني الذي أريد أنْ أتحدث عنه هو تلك البشاعة والوحشية التي رأيتها في هذه الحادثة والتي جسدت أمامي ما حدث في كربلاء أيضاً وما سيحدث للشيعة قبيل الظهور، تلك الأحداث التي حدّثتنا عنها الروايات من قتل وسفك للدماء وانتهاك للحرمات، لا لشيء إلاّ لأنّ هؤلاء هم من شيعة علي عليه السلام، فالصور التي تتسابق إلى ذهني والتي رأيتها من مقاطع الفيديوهات المنتشرة على شبكة الانترنت والتي تعكس حالة من الخواء الروحي والفكري والعقائدي لدى هؤلاء الجزارين، فإنني أقسم بأن مصر مقدمة على تشيّع سيهز أركان الوهابية، لأنّ كل منصف متحرر عاقل يحترم نفسه ودينه سيتبرأ من أفعال هؤلاء التي ارتكبوها باسم الدين الوهابي وسيكون هذا الفعل حافزاً لهؤلاء للبحث عن سر الإصرار لدى هذه الثلة، التي أرخصت دماءها من اجل حفلة لذكرى ولادة المنقذ عليه السلام، وسيبدأ البحث عن هذا المذهب وستكون هذه الدماء مفتاحاً لقلوب أبناء كنانة لتنقلهم، وتمزّق تلك الغشاوة التي وضعت على أعينهم، إلى ماضيهم في ود أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، تلك الحالة المريرة التي ذكّرتني بمسلم بن عقيل عليه السلام وأحداث الكوفة وما وقع عليه من ظلم الجلاوزة أسلاف هؤلاء الوهابية الحاقدين الذين سحلوا جسده الطاهر في أزقة تلك المدينة التي كانت آنذاك مخيفة ولا يأمن فيها أحد على دينه، بينما اليوم هي شعاع التشيّع.
وهكذا ستثمر دماء الأبرياء _المسحولين_ لتجعل من أرض كنانة مصر شعاعاً من أشعة التشيّع، وستقصم تلك الحادثة ظهور عقيدة الوهابية خوارج العصر وسفّاكي الدماء.