الفهرس
لتصفح الصحيفة بـ Flsh
لتحميل الصحيفة كـ Pdf
المسار
صدى المهدي » العدد: ٥٦ / محرم الحرام / ١٤٣٥ هـ
8
العدد: 56 / محرم الحرام / 1435 هـ

بين شمسين

بين شمسين

منتظر الشريفي

حين نتأمل في حديث إمامنا المهدي عليه السلام كما ورد في النصوص المروية (وامّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الإبصار السحاب واني لأمان لأهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء) يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات كثيرة عن وجه المقارنة بين إمام عظيم غائب وسبب تشبيه نفسه بالشمس اثناء غيابها، الأمر الذي يلزمنا التعرّف بداية على مهام الشمس في وضعها الصحو والغائم، من ثم وجه الاشتراك والاختلاف مع إمامنا الغائب عليه السلام.
يعتقد الباحثون في مجال الطبيعة انّ للشمس عطاءً هاما تغدقه بضيائها ونورها على الأرض من حيث عملية الغذاء للنباتات وتكوين مادة الكلوروفيل وما تسهمه في نموها، فيما يمثّل النبات العنصر الغذائي الأساسي للحيوان والإنسان على حد سواء إضافة إلى تكوين أشعة الشمس فيتامين دي في أجسامنا، بل وتعتبر المطهر الأول من المكروبات والعفن الذي قد يصيبنا تحت ظروف فقدان أشعتها، كما تساعد أشعة الشمس على التخفيف من الإكتئاب، فهي ترفع مستويات الهرمونات الطبيعية المضادة للإكتئاب.. فضلا عن أمور أخرى.
لكن هل كانت ستتوقف الحياة على الأراضي التي لا تسقط عليها أشعة الشمس كبلدان شمال آسيا أو أوربا وأمريكا إلاّ إسقاطات قصيرة جدا في السنة وقد تمر أشهر دون اشراقة ساطعة، وإلاّ القليل من النور الذي يصح القول عنه بانه كما لو صدر من شمس غيبها السحاب، ولربما سيجيب أحدهم انّ الحياة ستستمر لكن بنوع من الكآبة.

وما يعنينا هنا هو غياب الشمس البشرية التي ترسل عطاءها للكون أجمع عبر كرامات الهية جسّدها الخالق بعبده الحجة على خلقه، إذ لا تخلو الأرض من حجة له تعالى على البشر كي لا يحتّج العبد على ربه بعدم علمه بالشرائع السماوية، وهل يصح بعد إتمام الدين على قلب الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد آلاف الأنبياء أنْ يرحل هذا النبي العظيم والإنسان الكامل ولا يتم تطبيق شريعته من قبل إنسان آخر عظيم على سائر البشر وشريف بالتكوين؟ وهل يصح من بعد كل هذا التطور الإنساني فقدان الحجة الذي جعله الله في الأرض؟ فنجد الإمام الباقر يؤكد على دور الخليفة ويقول : (لو بقيت الأرض يوماً واحداً بلا إمام لساخت الأرض بأهلها، ولعذّبهم الله بأشدّ عذابه.. إنّ الله تبارك وتعالى جعلنا حجّة في أرضه وأماناً في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أنْ تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم، فإذا أراد الله أن يهلكهم ثمّ لا يمهلهم ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه، ثمّ يفعل الله تعالى بهم ما شاء وأحبّ) وهذا أيضاً خير دليل على أهمية وجود الخليفة المعصوم في كل الأوقات الذي هو المصداق الأول للرحمة الإلهية وعدم فناء الأرض بوجوده المبارك، الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها ولانتهت معالم الحياة فيها، لكنّه هو الذي يقود البشرية إلى مرابع العدل والقسط الإلهي وينير دروبهم باتجاه الخالق تعالى برغم غيبته الظاهرية.
فيا ترى اي إنسان هذا وأي خليفة هو، وأي إمام ينهض بالعالم إلى أعلى درجات الإيمان والتقوى ويسحق الظلم والكفر والإلحاد بالفكر والإيمان والرحمة -والقوة ان تطلبت في مواضع معينة- بل ويصنع للبشرية حضارة لم يسبق لها مثيل من التطور الروحي والمادي الذي من شأنه تكوين المجتمع السعيد في دولة عالمية موحدة اصلها التوحيد لله في زمن وعد به الخالق تبارك وتعالى فقال: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)
وبعيدا عن الاثباتات يبقى وجه الانتفاع هنا بأشعة وضياء شمس الإمامة برغم احتجابها بسحاب الظلم والفساد انتفاع أعظم من عطاء شمسنا المادية بل ان الحياة التي تستمد قواها من الإنسان الخليفة المهدي أولى بها ان تحيا بالحب والثناء والامتنان لهذا الرجل الموعود.

العدد: ٥٦ / محرم الحرام / ١٤٣٥ هـ : ٢٠١٣/١١/١٠ : ٥.٤ K : ٠
: منتظر الشريفي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.