الاستخلاف والتمكين ودور الإعلام في التهيئة لذلك
الاستخلاف والتمكين ودور الإعلام في التهيئة لذلك
صباح محسن كاظم
الوعد الالهي باستخلاف الانسان في الأرض كجوهر الوجود, ومن ثم تمكينه فيما لو عمل صالحاً لخدمة الانسانية من أجل تحقيق آمالها وطموحاتها بأنْ يعيش الناس احراراً. قد أكدّه القرآن الكريم بخطابه الانساني الجليل (وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظيمٌ) (المائدة: 9).
أي أنْ يستبدل الباري عز وجل خوفهم أمناً واطمئناناً لتحقيق المجتمع الصالح, بوراثة الأرض كما وعد الأنبياء من قبل.
فالتوحيد الحقيقي واتباع دعوات الرسل والأنبياء يدعو إلى الصفاء والوئام والسلم والسلام العالمي, ومن خلال المشروع المهدوي الانساني يصل صوت الإمام العدل المنتظر إلى ارجاء الانسانية لتؤمن بدعوته التي هي استمرار لمنهج السلف الصالح من الانبياء, والأولياء, ويتحقق الأمن والسلام...وتخلو الأرض من الرذيلة...وتعم الفضيلة...وينزوي العنف...ويوأد الغل...ويتراجع الكره...وينحسر الحقد...ويعم الحب...ويظهر الرخاء...وتنبلج السعادة...ويذوي الألم...وتخرج الأرض كنوزها.وتزرع الأرض لمن يستصلحها...
إن تحقيق الاكتفاء الاقتصادي, والزراعي, والصناعي, مع الايمان العميق يشعر الانسان بحلمه الضائع من فردوس الأرض المفقود طيلة تأريخ البشرية,فالاستقرار الاجتماعي رديف للاستقرار الاقتصادي, فتوزيع الثروة العادل يلغي التفاوت الطبقي...
فيجعل الناس سعداء بما يملكون وينتفي الفقر والفاقة والعوز وينتفي الحرمان والقهر في دولة العدل الالهي وذلك، حينما يستخلف بقية الله في أرضه,ليتنعم الجميع بظلاله الوارفة التي تغدق خيرا ومسرات على المستضعفين بالأرض بإحقاق الحق.
ان جميع النظريات الاقتصادية لم تحقق العدالة الاجتماعية بل خلقت تفاوتاً طبقياً بين أفراد المجمتع, عن طريق استغلال الانسان لأخيه الانسان وامتهان كرامته وتقييد معصمه...من اجل الربح وتوسيع دائرة الثروة وجمعها بالشكل الفاحش بالربا, وتجارة الحشيشة, والخمور, وتجارة الجنس والرذيلة, فيتولد اليأس والإحباط من التغيير.
لكن الامل في خروج الموعود وإقامة العدل, وهنا يأتي دور الإعلام الهادف في إشاعة هذا الأمل، والذي ينبغي أن يشيع الانتظار الإيجابي، فالإعلام المهدوي الاسلامي يبعث في القلوب الحائرة الكسيرة الطمأنينة والبشارة القادمة التي تمد النسغ الروحي بالتفاؤل العميق والقضاء على مارد اليأس والإحباط والقنوط بسبب انتشار الانحراف والظلم والفساد الاداري والمالي والأخلاقي. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يقاتلون والله حتى يوحد الله ولا يشرك به شيئاً).
وعن أبي بصير أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام: فما يكون من أهل الذمة عنده؟.
قال عليه السلام: (يسالمهم كما سالمهم رسول الله ويؤدّون الجزية وهم صاغرون).
فتحقيق الاصلاح من حيث وجد الفساد يتم عن طريق التمكين الالهي بالاستخلاف، والتمكين الالهي يتم بعد نصرة الامام بالانتظار الايجابي ووجود القادة الـ(313) الذين يناصرونه وهم بعدد أصحاب بدر لينتصر الحق ويدحر الباطل بعد أن تستنفذ النظريات الوضعية كل تجاربها, فاشتراطات الحلم الانساني يحققها الأمل الموعود, ويحقق الله سبحانه وتعالى ارادته عن طريق أوليائه المخلصين.
والتكليف الشرعي ليس الصمت على الظلم, بل مقاومته ونقده، فالاعلام يهيئ للاصلاح بالنطق بالحق ويجاهد بذلك كما جاهد العلماء والأبرار بمقاومتهم الفساد ومجابهة الطغاة ومطالبتهم بالإصلاح، كما حث القرآن الكريم على ذلك آناء الليل واطراف النهار (الَّذينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في سَبيلِ اللَّهِ وَ الَّذينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في سَبيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً) (النساء: 76) (وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبيكُمْ إِبْراهيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَ في هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصيرُ) (الحج: 78) (وَ قاتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ) (البقرة: 190) (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (الانفال: 60).
لذلك أكدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل البيت عليهم السلام وبعدهم جميع الفقهاء على الجهاد في سبيل العقيدة وحفظ المجتمع والدفاع عن الحقوق ونصرة المظلوم ومقاومة الطغاة...
وقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا المجال شمس لا يحجبها غربال (أما والذي فلق الحبة,وبرأ النسمة,لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر, وما أخذ الله على العلماء, أنْ لا يقارّوا على كظّة ظالم, ولا سغب مظلوم, لألقيت حبلها على غاربها).
وهذا سيد الجهاد وسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليه السلام الذي قدم اروع نموذج في التأريخ الانساني بتضحيته في سبيل الله وسبيل الحق ومقاومة الباطل والدعوة للإصلاح يروي عن جده النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل فيعبد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أنْ يدخله مدخله.
إنّ الاعداد التعبوي للقواعد الشعبية بالتعبئة الاعلامية الموجهة التي تربط الأمة بإمامها العادل سيمكّن لها بالاستخفلاف لهداية البشرية وانتشالها من دياجير الظلمة, فالفساد ظلام والايمان نور...
فإرهاصات التغيير والصيرورة الحضارية تنير الدرب بشعلة الإمام الموعود الذي سيحقق حلمها الطويل...