المُعطيات العَقْديّةً والشرعيَّة لوجود الإمام المهدي عليه السلام
المُعطيات العَقْديّةً والشرعيَّة لوجود الإمام المهدي عليه السلام
مرتضى علي الحلي
إننّا نعتقد أنَّ نصب الإمام المعصوم وتعيِّينه هو واجب عقلا على الله تعالى، فهو من يختاره لا غير ذلك، لكونه تعالى مُطّلعاً على ذات ووجود المعصوم، ولعلمه بأهليّته وطهارته وقدرته على تحمّل مقام الإمامة الإلهيّة الجعل، وانَّ نصب وجعل الإمام المعصوم حجةًّ على الناس أجمعين هو مُقتضى من مقتضيات الحكمة الإلهيّة في الوجود، لأنَّ الله تعالى لمّا أوجد الخَلق فيقيناً أنّه أوجدهم لحكمة ومصلحة، وهذه الحكمة أو المصلحة راجعة إلى نفس الخَلق، ومن هنا كان على الله تعالى بفعل وملاك حكمته أنْ ينصّب لهم إماماً معصوماً يُرشدهم إلى ما فيه مصلحتهم وصلاحهم دنيويا وآخروياً ويردعهم عمّا فيه فسادهم وانحرافهم، وقد ذكر علماء الكلام والإعتقاد أنَّ وظيفة الإمام المعصوم تنبسط بواجباتها على أحوال الناس الحياتية الدنيوية وحتى الأخروية، ولخّصوا مهام الإمام المعصوم بنقاط رئيسة أهمها.
أولاً: إنَّ الضرورة الحياتية في إجتماع الناس تقتضي إجتماعهم وفق نظام صالح يحفظ بقاءهم بصورة آمنة وعادلة، تُجنّبهم التجاذب والصراعات فيما بينهم، وهذا لن يتسنى ما لم يوجد المعصوم، بحيث يستطيع أنْ يشدّهم إلى عقيدة الله تعالى وشريعته.
ثانياً: إذا لم يوجد للناس عقيدة وتُركوا وشأنهم لأتخذَ كل واحد منهم سبيله ورأيه بما يقتضيه عقله وهواه وميله وما يوجبه طبعه.
وبالتالي تظهر عقائد متنوعة ومختلفة ومتنافية في وجودها وآثارها، ويحصل الضلال والفساد والتناحر والهلاك، لذا كان من اللازم في الحكمة الإلهيّة أن يوجد إمامٌ معصومٌ منصوبٌ من قبل الله تعالى تتوفر فيه الحجّة العَقْديَّة الدالة على حقّانيته وصدقه.
والتي يتمكن معها من إرشاد الناس إلى الإعتقاد الحق والنافع لهم بما يؤِّمّن صلاحهم وهدايتهم في الدنيا والآخرة.
ثالثاً: بما أنَّ على الإنسان أنْ يعتقد جازماً بحقيقة وجود الله تعالى، والآخرة، والحساب والجزاء، فذلك يتطلبُ وجود إمام معصوم يوضِّح البراهين على ذلك بإزالة الشبهات عن أذهان الناس، وتذكيرهم بخالقهم الحق وتقرير العبادات والأعمال الصالحة لهم، وترغيبهم بالثواب على ذلك وتحذيرهم من العقاب.
وإنَّ كون الإمام حجة شرعية لله تعالى على الناس أجمعين يَتَمثَّلُ في جانبي المُنجزيَّة والمُعذِّريّة العقلانيّة والشرعية بحق جميع المُكلَّفين من الناس أجمعين، بمعنى أنََّ مَنْ يعتقد بإمامة الإمام المنصوب ربانيّاً سيكون مُلَزمَاً فكرياً وشرعياً أمام الله تعالى في ضرورة إتّباع الإمام المعصوم منهجياً في قوله وفعله وتقريره، وستلاحقه هذه الإلزامية بالمُساءلة الإلهيَّة، حتى فيما لو خالف إمامه المعصوم المنصوب إلهيّاً، ومعنى المُعِّذريِّة العقلانية والشرعية لِمَن يتبع الإمام المعصوم المنصوب ربانيّاً والمُكلََّف بطاعة إمام زمانه أنه سيكون معذوراً أمام الله تعالى في حال امتثاله لأوامر الإمام المعصوم ونواهيه التي هي من الله تعالى تشريعاً، بخلاف مَنْ لا يتبع الإمام المعصوم، فإنّه سيكون غير معذور عقلانياً وشرعياً أمام الله تعالى في حال مخالفته لإمام زمانه المعصوم، وإلى هذا المعنى أشار اللهُ تعالى في قوله سبحانه: (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) الإسراء:71.
فعن أبي جعفر عليه السلام قال: لما نزلتْ هذه الآية (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) قال المسلمون يارسول الله ألستَ إمام الناس كلهم أجمعين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا رسول الله إلى الناس أجمعين، ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله، من أهل بيتي يقومون في الناس فيُكَذَّبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم فمن والاهم، واتّبعهم وصدّقهم فهو منّي ومعي وسيلقاني. ألا ومن ظلمهم وكذّبهم فليس منّي ولا معي وأنا منه برئ.