الاستعداد الإعلامي الثقافي للظهور المقدّس
الاستعداد الإعلامي الثقافي للظهور المقدّس
صباح محسن كاظم
إنّ التهيؤ لاستقبال الظهور الحتمي للأمل الموعود بالاستعداد العلمي, والاعلامي, والثقافي، فعلى الجميع السعي الحثيث _في الاعلام بصوره المختلفة_ للتثقيف بالتفقّه بالقضية المهدوية، فمن المؤسف أنْ تطالع وترى وتسمع جميع وسائل الإعلام فلا تجد ايّة نافذة يومية تربطك بأهم القضايا العقائدية وهي الإمامة... فالتهيئة الاعلامية تقدّم الأجواء العلمية للوفاء بالعطاء الرسالي للأئمة الأطهار الذين عبّر عنهم السيّد محمد باقر الصدر بكتابه (تعدّد الأدوار ووحدة الهدف)، فعلى الإعلام اقتفاء سيرهم وعرض علومهم وطرح مثلهم وقيمهم, فلكل إمام عطاء تنتفع الانسانية من قبس شعاعه, ونور ضيائه في الطريق إلى الفردوس..., فعلى الإعلاميين والرساليين اقتفاء سير أولئك الأئمة الأقداس, ومناقبهم, وعلومهم, وأخلاقهم, وجهادهم, وتقواهم... وعليهم أنْ يستقوا العبر والدروس ليقدموها بحلّة قشيبة تستهوي الافئدة, لتنهل الانسانية من فيوضات وألطاف تلك الخصال النموذجية, فيستلهموا الحكمة... والمعرفة... والتقوى... والزهد... والجهاد... والعلم... كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر...فتتويج ذلك بتطبيقاته الإعلامية التي تضع المجتمع على طريق الهداية والايمان والوصول الى مرافئ السعادة والأمل باستقبال الإمام المنتظر عليه السلام.
إنّ ايصال الرسالة المهدوية الاصلاحية يعدّ من وظائف الاعلام الجاد الذي يؤسس للقيم الأخلاقية, عن طريق تقويم الأداء السياسي, والاقتصادي, والثقافي. فالنقد الإيجابي البنّاء بمثابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فالإعلامي الملتزم والوطني له دوره في البناء برصد كل معوقات النهوض, فهو من يحمل أعباء التصحيح, ويشيد بمن يقدم الخدمات من خلال الحوار وتسليط الضوء على الايجابيات, فهو لا يلمّع القبح أو يحسّنه ويزوّقه, بل يطرح ما يهم أمّته، فهو صوتها ولسانها...وربما سأستخدم لفظاً لم يستخدم من قبل وهو –زكاة الإعلام-فزكاة الإعلام كما أعتقد هي باب الأمر بالإصلاح المجتمعي فيتحقق بذلك:
1. نقد الظواهر السيئة المخالفة للشرع المقدس...
2. ارساء قيم الهداية بالمجتمع...
3. التهيؤ بالانتظار الايجابي للتغيير العالمي بيد مصلح البشرية ومنقذها...
فزكاة الاعلام الجاد والهادف والرصين هي في أحدى ابوابها التفقّه بالإمامة... وربما يقول أحد المتفلسفين: هذا شأن إسلامي بحت, نقول له: عليك بالإطّلاع على كتب السماء, فسترى التوراة والانجيل, وكل الرسالات السماوية ورسل رب العالمين قد بشّرت البشرية بيوم الخلاص المهدوي, وانّك لا ترى أبعد من انفك, فإفراد ركن للدين بكل مجلة وصحيفة وقناة، هو ليس للعبث بل هو البناء, هو الاصلاح, هو التهيّؤ بالتفقّه، فمن أين يستقي المجتمع الفضائل والاخلاق والعلم والفكر؟ اليس من أعظم ما جادت به الإنسانية، وهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وآل محمد عليهم السلام...؟.
ومن هذا التهيؤ فإنّ المعالجات الفكرية بأسلوب جمالي وبتقنية حرفية في المسرح, والسينما, والأدب والفن بكل صوره يؤثر بالمتلقي _حتى غير المسلم_ ويشده للمنجز الابداعي الذي قدمه تراثنا الثر لأئمة الهدى ومناقبهم وفضائلهم أو مامر من المآسي في حياتهم, بتوظيف (مسرح التعزية) المآسي.
بإطاره الفكري والحضاري والقيمي والمعرفي، بعرضها باخراج مشوّق، وليس بالالتزام الحرفي بالمدونة النصيّة، لتصل الى المتلقّى بكل اتجاهاته العقائدية مع الاعتماد على مرجعيات الحدث _الخط العام_ بالتوأمة مع المتخيّل للطقس العاشورائي وفق النسق الإخراجي الجمالي لفعل عملية (التفاعل) مع الواقعة ومأساتها وابراز بطولة الامام الحسين سيد الشهداء عليه السلام قبال خسة ودناءة وانحطاط من قاتله, فالقربان الحسيني بالتضحية بنفسه وعياله وصحبه وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه بالطف هو عنوان الفداء والتضحية والجهاد لإبراز القيم الأخلاقية والتي يتفق معها كل البشر بكل عصر ومصر, فالملحمة والسمفونية الخالدة لدراما الطف بالإمكان توظيفها نحو خطاب إعلامي ممنهج لصالح جميع البشرية في مشتركها الانساني _رفض الظلم_ والوقوف إلى جانب الأحرار، فالصراع بين الخير والشر والحق والباطل في ثنائية الوجود يشكل فيها (الصراع) عنصراً جوهرياً في الطقوس والأشكال المسرحية, وقد قدّم مسرحة التعزية أو _التشابيه_ أو المسرح الحسيني عشرات الاعمال الدرامية، ففي مصر قدّم الشرقاوي مثل (الحسين شهيداً الحسين ثائراً) وفي العراق محمد علي الخفاجي (ثانية يجيء الحسين عليه السلام) قبل أربعة عقود برؤية شعرية أخّاذة وفق أحداث الطف المؤلمة, كذلك مسرحية عبد الرزاق عبد الواحد، وكتب رضا الخفاجي) مسرحيته الشعرية (صوت الحر الرياحي) وكتب الأديب علي حسين الخباز أكثر من (4) مسرحيات مستوحاة من طقس الطف برؤية معاصرة, ووليد خالد في (مسرحية الحسين عليه السلام)...الخ من المؤلفين الذين قدموا عشرات المسرحيات والتي قدّمت في مدن العراق بعد زوال كابوس البعث المجرم.
والتراث الضخم الذي تركه أئمتنا لا يستوعبه أي مفصل اعلامي أو نشاط جمالي أو فني وعلمي.
فلو قدمت البرامج ليلاً ونهاراً فلن تستوعب علوم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم,... فمن المروءة أن يعمل الإعلامي, والأديب, والفنان على تقمّص تلك الشخصيات وهضم ارثها الضخم لتقديمه للإنسانية للانتفاع منه, وإنّ خدمة العقيدة الإسلامية بكل وسائل الإعلام والنشر يعد فضيلة لا تضاهيها فضيلة...فهل يكفي ما يقدمه العلماء من دراسات عن الإمام المهدي عليه السلام بكتبهم وأبحاثهم دون نزوله بأرض الواقع, ومشاهدته إعلاميا؟؟!!...