شرح دعاء الندبة / الحلقة العشرون
شرح دعاء الندبة/ الحلقة العشرون
رابطة إحياء دعاء الندبة
ما زال الحديث متواصلا وشرح فقرات هذا الدعاء الشريف، دعاء الندبة، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح الفقرة التالية:
(فَاَضَبَّتْ عَلى عَداوَتِهِ وَاَكَبَّتْ عَلى مُنابَذَتِهِ).
إنّ من النعم التي من الله تعالى بها علينا نحن اتباع أهل البيت عليهم السلام أنْ رزقنا هذا التراث الضخم لائمتنا _من ادعية وزيارات_ لم يوجد في اي مذهب آخر عُشر معشارها، وتمتاز الادعية والزيارات الواردة عن اهل البيت عليهم السلام بانّها فضلا عما تؤديه من ايجاد حالة الترابط الروحي بين العبد وربه، واذابة تراكمات الذنوب والخطايا وتبييض صفحة الانسان العاصي، وايجاد حالة الراحة النفسية لتجديد الانطلاق في مسيرة الوصول الى العبودية الحقّة، فإنها تبني العقيدة بناء قوياً ورصيناً، وتكشف في كثير من الاحيان حقائق التأريخ بعيداً عن امكانات تزويره، وفي الفقرة التي نحن بصدد شرحها من الدعاء المبارك والتي تقول:
(فَاَضَبَّتْ عَلى عَداوَتِهِ وَاَكَبَّتْ عَلى مُنابَذَتِهِ). إنّ هذه الفقرة التي كانت نتيجة طبيعية او شبهها، ففي سياق الدعاء، الذي تحدثنا فيه عن انّ تلك المنح الربانية والخصائص الالهية التي وسم بها أمير المؤمنين عليه السلام والائمة عليهم السلام من بعده فتلبسوا بها كانت نتيجتها أنْ اوجدت احقادا في نفوس مسمّي المسلمين، فنتج عن تلك الاحقاد والضغائن أنْ لجأ المتلبسون بها والتصقوا بحالة العداء المتواصل لاهل البيت عليهم السلام رغم ادعاء الغالب منهم حبهم وموالاتهم لأهل البيت عليهم السلام، فعبارة (فَاَضَبَّتْ عَلى عَداوَتِهِ) التي يفسرها أهل اللغة بالالتصاق واللجوء، أي أنّ الأمّة التي رأت تلك الفضائل للائمة عليهم السلام ولم تتحمل وجودها فيهم كانت وللاسف أنْ لجأت الى الحقد والعداوة والبغض لأهل البيت عليهم السلام، والتصقت بهذه الحالة حتى اصبحت من ملازماتها.
والمقطع الثاني يوضح الحالة بشكل اكبر ويرسم لنا بوضوح اكثر ما عليه حال الامّة تجاه أهل البيت عليهم السلام، حيث الانكباب على منابذة امير المؤمنين ومن ورائه الأئمة عليهم السلام، وفقدان الأمّة توازنها وسقوطها وعثرتها في مفارقة شخوصهم عليهم السلام وتركهم وهجرهم، فالمقطع الندبي يحدثنا عن حالة في قمة العداء والبغض كان قد وصل إليها هؤلاء، إذ انّ إضافة المنابذة إلى الانكباب على العداوة تعني في اللغة أنّ ذلك الشخص الذي ينام وهو قاعد، ثم يستيقظ ثم يعود إلى غفوته السابقة، وكأنّه يحكي لنا حالة هجران أهل البيت عليهم السلام وتركهم من قبل هؤلاء، إذ يصف الأمّة بأنّها فقدت توازنها بسبب هذا البغض، إلا انّها مع الأسف غفت على ذلك ملتصقة به، وكلما اوجب حدث ما انْ تستيقظ كان ما عقدت عليه قلبها من بغض يعود بها إلى حالتها السابقة من سقوط وتعثر في حضيض عداوتهم عليهم السلام فالمنابذ ذلك المفارق الشخص على بغض له، وانّما هي مذمومة على مذموميتها في إظهار العداء، بعد أنْ كانت تمثل حالة الاصرار في المفارقة، وعن بغض وتعمّد الهجران والترك رغم الايصاء المتكرر المستمر من الله على لسان نبيهN بالأُلفة والتواصل والالتصاق والإنصياع والإنضواء والإنزواء تحت لوائهم عليهم السلام ولا نجد عبارة اوفق لحال الأمّة في الحديث عما مرت به واستمرت وتستمر عليه تجاه اهل البيت عليهم السلام اوفق من كلام الامام الصادق عليه السلام واصفاً الحالة، حيث قال عليه السلام: (إنّ علي عليه السلام _ولا يريد بحديثه عن مسمّى أمير المؤمنين عليه السلام شخص علي عليه السلام بمعزل عن شخوصهم القدسية، وانّما يريد به الاشارة اليهم جميعاً وان بُرّز هو عليه السلام لوضوح تصديه لزمام الامر_ لم يكن يدين الله بدين إلاّ خالف عليه الأمّةُ إلى غيره، إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمون فإذا افتاهم بشيء جعلوا له ضداً من عند أنفسهم ليلبسوا على الناس...).
فالعمومية التي يتحدث بها الإمام الصادق عليه السلام عما كان يصدر من هؤلاء وتعمدهم المخالفة، بل والوضع وتصدير الباطل، كل ذلك لأجل أنْ يخالفوا بل ويلبسوا على الناس دينهم، حتّى وصل بهم الحال إلى السؤال، لا لأجل المتابعة وإنما لأجل وضع المخالفة، فأيّ قمة وصل إليها عداء هؤلاء لآل البيت عليهم السلام، حتى جاء الوصف بـ (اَكَبَّتْ عَلى مُنابَذَتِهِ).