وحدة الإرادة وتحقيق الطموح
المُشترَكات القيَميّة بين الإمام الحسين عليه السلام وحفيده الإمام المهدي عليه السلام
وحدة الإرادة وتحقيق الطموح
مرتضى علي
إنّ إصلاح المجتمع الإنساني عامة هو هدف كل الأنبياء عليه السلام والأئمة المعصومين عليه السلام، ينشدونه ويسعون لتحقيقه قدر المُستطاع.
فمقولة الإصلاح هي مقولة قرآنيّة ونبويّة في نفس الوقت، وكثيراً ما ردّدها القرآن الكريم في نصوصه الشريفة.
وإن الإمام الحسين عليه السلام تحرك مُصلحا وحاملا لشعار الأنبياء الذي ينصُ على قوله تعالى (إِنْ أُريدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفيقي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنيبُ). وعند قراءة الحوارية التي دارت بين الحسين عليه السلام وأخيه (محمد بن الحنفية) والتي ركّز فيها الحسين عليه السلام على ضرورة الإصلاح وتطبيقه ميدانيا حينما قال عليه السلام.
(إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مُفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدي. أُريدُ أن آمرَ بالمعروف وأنهى عن المنكر. فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خيرٌ الحاكمين).
وفي هذا النص الوثائقي من لدن الحسين عليه السلام يظهر للقارئ الواعي معيارية وقيمية النهضة الحسينية الشريفة والتي تقوّمت بمقولة إصلاح الأمّة وتقويمها بعد الأعوجاج الذي حصل في وقت حكم الأمويين.
وهذه المعيارية القيمية في حركة الحسين عليه السلام المجتمعية تعنونت بعنوان وملاك قبول الحق والذي هو محور مقدّس يجمع حوله كل مقولات وغايات الله تعالى في تعاطيه مع عباده في هذه الحياة الدنيا.
وهذا الملاك (القبول بقبول الحق) يَفتحُ تأسيساً جديداً وأصيلاً قيمياً لم يكن معهوداً عند الأنظمة الطاغية في وقت نهضة الحسين عليه السلام، فلذا رسّخه الحسين عليه السلام في حركته ترسيخاً، ودعماً لمقولة أبيه الإمام علي عليه السلام (إعرِف الحق تَعرِف أهله لايُعرَفُ الحقّ بالرجال).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ ملاكيّة ومعياريّة (القبول بقبول الحق) تُبعِد الإنسان المُصلِح عن ذاتياته البشرية، كمنزلته ودرجته الخاصة حياتياً، لذا نجدُ الحسين عليه السلام كان مُلتفتاً إلتفاتاً سديداً وواعياً لما يؤسس نظرياً وتطبيقياً لمشروع التغيير، ولأجل قطع الطريق أمام خصومه من اتهامه بالتأسيس لشخصه وذاته حيثُ أنه عليه السلام (لم يقُل..فمن قبلني لشرفي ومنزلتي في المسلمين وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما إلى ذلك...لم يقُل شيئا من هذا..إنّ قبوله يجب أن يكون عنده عليه السلام بقبول الحق، فهذا داعٍ من دعاته وحين يقبلُ الناس داعي الحق فإنما يقبلونه لما يحمله إليهم من الحق والخير، لا لنفسه).
إنّ العودةَ القيميّةَ والمنهجية الواعية بالمجتمع إلى بقعة العدالة وتطبيقاتها تتطلب الإيثار والتضحيّة وإفناء الذات الداعيّة إلى التغيير كي تكون العودة عودة قوية تكتسبُ في ذاتياتها قبساً من قداسة وشرافة الإنسان المُضحي ومنهجه القويم.
فهكذا هو حال الحسين عليه السلام، فقد عاد بذاته إلى ربه شهيداً حتى يعود بشهادته بالمجتمع عوداً جديداً.
إنّ الإمام الحسين عليه السلام في دعوته وحركته الشريفة هذه كان يعمل وفق قاعدة عرفانيّة راقية تنص على (أنّ كل شيءٍ يفنى من أجل شيءٍ آخر، فإنه يكتسب قيمة بنفس تلك النسبة الفنائية).
يعني أنّ عينه وذاته الشريفة ستُفنى في حال شهادته عليه السلام، وفي نفس الوقت يُولدُ ويوجد بلحاظ ولادة القيم الجديدة التي أسسه عليه السلام.
فشهادة الحسين عليه السلام هي وجود جديد في فناء شريف ومقدّس، وفناء لوجود يعقبه بقاء للقيمة، وثبوت واقعي للفكرة، كبقاء الإنعتاق من رقبة الطاغوت، وبقاء العدالة والإحسان في المجتمع.
هكذا كان يفعل الحسين عليه السلام ويصنع في عودته بالمجتمع إلى الحق وساحته ومنهاجه.
إنّ الإمام الحسين عليه السلام منح وجوده الشريف بالكامل منحاً إرادياً وإختيارياً لله تعالى ولنظام الحق في البشرية في عملية واحدة وسريعة من أجل إبقاء شريعة الإسلام الأصيل وعقدياته الحقّة.
ومن الطبيعي أنْ تسري قُدسيّة الله تعالى الذي هو أولى بالحق إلى كيانية الحسين عليه السلام.
فالإمام الحسين عليه السلام بصنعه هذا ما عادَ فرداً واحداً بل تحوّل إلى فكر مقدّس، سرى مفعوله في مديات الزمان والحياة والمجتمع بصورة جليّة. جعلت من الحسين عليه السلام محركاً قيمياً في الميدان وجودياً، وباعثاً إلى النهوض بالحق وأهل الحق.
وصيّرت الشهادة الحسينية الشريفة الإمام الحسين عليه السلام مُعادلاً بل ما يفوق المُعادل القيمي لمفاهيم الحق والعدالة والإصلاح المجتمعية.
وإنّ نفس ما قام به الإمام الحسين عليه السلام في وقته سيقوم به الإمام المهدي عليه السلام ولكن في مجال أوسع وأرحب يُكمِّل ما بدء به الإمام الحسين عليه السلام في طرحه لمشروع الإصلاح الإطلاقي، فلذا تجد المُشتَرك القيمي والإرادة بين الإمامين الحسين عليه السلام وحفيده المهدي عليه السلام واحداً وهو ضرورة تطبيق منهاج الله تعالى في أرضه، وبسطه على عباده، فالروايات نصت على أنّ الإمام المهدي عليه السلام (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً مثلما مُلِئت ظُلماً وجوراً).
إنّ لفظة (يملأ) ترمز إلى حقيقة التطبيق الفعلي والبسط لعدل الله في أرضه بحيث لايبقى شبر فيه ظلم.
وهذا الطموح والهدف الحسيني والمهدوي يتطلب إعداد الظروف الموضوعية والنفسية والسلوكية بين بني الإنسان لتسهيل مهمة تحقيق ذلك.
وأنا أعتقد أنّ فرصة التقبُّل الوجداني والفكري والعقلاني لأطروحة وفكر الإمام المهدي عليه السلام في بسط العدل والقضاء على الظلم هي موجودة فطرياً عند كل إنسان حيِّ الضمير وقويم العقل.
ونحن لانشك في وجود شرائح بشرية مؤمنة كأتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام مؤهلة لنصرة الإمام المهدي عليه السلام في ظهوره الشريف.
ولكنّ الأهم هو أنْ تعمل هذه النخبة البشرية المؤمنة _شيعة أهل البيت عليه السلام_ على توسعة خطابها ووسائلها الإصلاحية إلى الآخرين وبصورة حضارية ومشروعة يقبل بها الإمام المهدي عليه السلام أو تُسهِم في تكثير المتعاطفين مع فكره وهدفه المعصوم.