الرجعة / الحلقة التاسعة
الرجعة/ الحلقة التاسعة
نافذة نطلّ من خلالها على دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
الشيخ حميد الوائلي
وصل بنا الحديث حول حقيقة الرجعة وابحاثها إلى الفقرة التي تقول: (ماهي فائدة الرجعة؟).
وهذا في الحقيقة من الاسئلة المهمة التي تدور في اذهان الكثير من الناس، حيث يسألون هذا السؤال، ولعله يتضمن سؤالاً آخر، هو أنه لم لا تكون فائدة الرجعة متحققة في عالم الدنيا؟ ولماذا أصبحت هناك حاجة الى عالم آخر هو عالم الرجعة، إذ انّه في بعض الروايات كانت الإشارة الى الفائدة من عالم الرجعة أنّ هناك حكمة إلهية تريد أنْ تبرز الرحمة الإلهية في عالم الدنيا وليس في عالم الآخرة، وتري المظلوم كيف ينتقم الله سبحانه وتعالى من الظالم.
وبطبيعة الحال لابدّ أنْ يثار في البين سؤال آخر، إذ حيث انّ ايماننا بالإمام المهدي عليه السلام يعني انّ دولته التي ستظهر في آخر الزمان ستقيم العدل وتبسط القسط وترفع الظلم بين الناس كافة، فهل من حاجة للرجعة؟، لأن الفائدة المتوخاة منها ستتحقق بظهور الإمام عليه السلام؟.
وبطبيعة الحال فإنّ الجواب على هذه الاسئلة وأمثالها هو:
بأنّ إرادة الله سبحانه وتعالى اقتضت أنْ يكون السير التكاملي الى يوم القيامة بهذه الكيفية، وانّه سبحانه وتعالى اختار من عالم الامكان أروع شيء يمكن أنْ يكون عليه هذا العالم الدنيوي وغيره من العوالم الأخرى، وانّ النظم التي سادت في هذا العالم وكانت نابعة من الإرادة الإلهية على لسان الوحي انّما هي أكمل النظم التي إنْ طبقها الإنسان سادت بتطبيقها القيّم المثلى والعليا، وانّ الطقوس العبادية التي تضمنتها الشرائع السماوية إنّما كانت آخذة بعين الاعتبار انّها أفضل الحالات وأمثلها بالنسبة إلى الناس، وانّه لو كان ما هو افضل لما حصل توان في تشريعه. هذه العقيدة التي تنبع من الرأفة الإلهية بعباده، والحكمة الإلهية بمخلوقاته هي التي كانت وراء إيماننا بأنّ الطرق المثلى لسياسة العباد هي ما صدرت أو طبّقت من قبل الوحي.
وفي بحث الرجعة وفائدة ذلك وعدم الاستغناء عنها بغيرها يأتي الجواب بعينه، وهو انّ الحكمة الإلهية اقتضت أنْ تكون هناك عوالم متوسطة، بين عالمي الدنيا والآخرة تتجلى فيها معان لرحمة الله سبحانه وتعالى، فكانت الرجعة اقتضاء لتلك الحكمة الإلهية.
ويمكن أنْ يضاف إلى الجواب العام المتقدّم أجوبة أخرى تقتضيها بعض الأبحاث الفلسفية أو الكلامية المعمّقة، ونشير إليه هنا إشارة خفيفة، ونترك التفصيل الى محله.
فحيث انّ الإنسان بطبيعة خلقته وتكوينه مخلوق تكاملي، وفي نفس الوقت قد خُلق في دار مملوءة بالمزاحمات والمصادمات التي تمنعه عن التكامل وعن استثمار الاعدادات التي منحت له، ولأنّه وفي نفس الوقت ذو بصيرة محدودة قد ينشأ عنده تزلزل إيماني أو عقدي، أو انّه يؤمن إيماناً نظرياً بكثير مما يعتقده تجاه الله سبحانه والكون، فجاءت الرجعة نافذة يطلّ منها بعض البشر ليروا الحقيقة والواقع الذي ينبغي أنْ يكونوا عليه، وليمارسوا عملياً استحقاقاتهم الممنوحة والتي منعوا عنها، ليصلوا الى كمالهم في الدنيا دون عالم الآخرة.
وحيث أنّهم ماتوا، والموت سنّة إلهية عامة. وحيث انّهم حرموا من استحقاقات بمقتضى قابلياتهم، منعتها عنهم مزاحمات الدنيا ومصادماتها، كان لابدّ أنْ توجد مساحة توفّر لهم ما يشبه الفرصة الثانية بمعزل عن تلك الممانعات والمزاحمات، وذلك لإطلاق طاقاتهم وقدراتهم واستثمارها، فكانت الرجعة.
فالرجعة وبلا شك هي حكمة إلهيّة، لكنّها تقتضيها الطبيعة البشرية والخلقة في عالم الدنيا، ولا يغني عن فائدتها عالم الآخرة، ولا الظهور المبارك للإمام عليه السلام، إذ أنّ الظهور بدون الرجعة خاص بالبشر الذين يعيشون في زمن ظهور الإمام عليه السلام دون من سبق، والقيامة دار يجني فيها الإنسان ارباح ومكتسبات ما قدّم في الدنيا.
فكان من اللاّبدّ أنْ توجد دار وسطى يتمكن الإنسان فيها من جني مكتسبات وأرباح، وأنْ يقوم باستثمارات بمقتضى الطاقة والإمكانات الممنوحة له والتي لم يتمكّن من استثمارها في الحياة الدنيا، وذلك للموانع الخارجية الكثيرة، فكانت الرجعة هي السبيل لذلك.