ولادة الإمام المهدي عليه السلام فوق الشبهات / الحلقة الرابعة
ولادة الإمام المهدي عليه السلام فوق الشبهات
الظروف القاهرة التي عاشتها العترة الطاهرة
الحلقة الرابعة
حميد الوائلي
في الأجواء التي ينبغي الحديث فيها عن ولادة الإمام المهدي عليه السلام لابدّ أنْ يلحظ المتحدث مجموعة كبيرة من العناصر التي يكون اغفالها اجحافاً بالقضية وتضعيفاً لبعض الأدلة التي تساق على انّها تثبت الولادة، وهذه العناصر لابدّ أنْ تدرس في بعض الأحيان بشكل منفصل عن قضية إثبات الولادة وتؤخذ نتائجها كأصل موضوعي مفروغ منه وتدخل النتيجة عنصراً من عناصر فهم أدّلة الولادة، ومن بين هذه العناصر هو تلك الظروف التي عاشتها العترة الطاهرة، إذ أنّ الائمة عليهم السلام والذين يعتبرون المصدر الاول في اثبات هذه القضايا قد عاشوا ظروفا استثنائية وصعبة جداً إلى حد يكون السلام عليهم تهمة، فكيف بما يصدر من حديث عنهم في اثبات فرد يكون على عاتقه إمامة الأمّة ونقلها من حالة الاعوجاج إلى حالة الاستقامة، وكانت هذه الظروف سبباً لنشوء الكثير من الأحكام الاستثنائية والقواعد الشرعية والاجتماعية الاضطرارية وخفاء الكثير من النصوص، مما أتاح فرصة واسعة لأصحاب النفوس الضعيفة والمآرب الدنيئة من وضع وتزوير ودس لأحاديث لم تكن صادرة منهم عليهم السلام، وحذف أو تغيير ما كان قد صدر منهم عليهم السلام.
فالمتتبع لسير أحداث التاريخ الذي عاش فيه ائمّة أهل البيت عليهم السلام يجد اثر ذلك واضحاً جداً في المنقولات عنهم، فعنصر التقيّة مثلا والذي هو سبب الخفاء لكثير من النصوص أو إجمال لبعض ما لم يختف منها، وكثيراً ما يقف من لم ينتم لمذهب اهل البيت عليهم السلام فكراً وعقيدة مع هذا المصطلح موقف الاستهجان والريب والشك والتردد، ولكن النظرة الموضوعية ترينا أنّ هذه المفردة تعبّر عن مبدأ أصيل وإنساني قد جبل عليه الكثير من أفراد البشر عندما يضطر فيلجأ إليه، وهو بطبيعة الحال يدخل عنصراً من عناصر إثبات الولادة فلابدّ أنْ يُلحظ، ولنذكر شاهدا واحدا على شدة الحالة التي مر بها اهل البيت عليهم السلام حيث ينقل لنا الاشعري القمّي في (المقالات والفرق) هذا النص فيقول: (قد نُقل عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام، وهو ظاهر الأمر، معروف المكان، مشهور الولادة والذكر، لا ينكر نسبه، شائع اسمه وذكر امره في الخاص والعام: من سمّاني باسمي فعليه لعنة الله، وقد كان الرجل من أوليائه وشيعته يلقاه في الطريق ويحيد عنه ولا يسلّم عليه تقية)، فيما روى الشيخ الكليني في باب التقية من (الكافي) عن حماد واقد اللحام انّه قال (استقبلت ابا عبد الله عليه السلام في طريق فاعرضت عنه بوجهي ومضيت فدخلت عليه بعد ذلك فقلت جعلت فداك إني لألقاك فأصرف وجهي كراهة أنْ اشق عليك فقال لي عليه السلام: رحمك الله ولكن رجلاً لقيني أمس في موضع كذا وكذا فقال السلام عليك يا أبا عبد الله، ما أحسن ولا أجمل) أي أنّ هذا الرجل ولأنه سلّم على الإمام الصادق عليه السلام قال عنه عليه السلام إنّه لم يفعل شيء حسناً ولا جميلاً، فانظر إلى شدة التقية، والحظها بشكل أشد وأكبر بمراتب في زمان العسكريين والحجة وأنظر كيف ستكون انعكاسات أدلّة الولادة بمعية وملاحظة هذه القضية، فيما يكون العنصر الآخر وقد يكون أشد من الأول إيلاماً وأذيّة على النفس وعلى الواقع في تضييع الحقيقة، ذلك هو عنصر الوضع والتحريف للنصوص مع عدم إمكان الردع عنه من قبل أهل البيت عليهم السلام، وأشد ما كان هذا العنصر في آخر أزمنة الأئمة عليهم السلام لذيوع مذهبهم ووضوح عقائدهم، وبطبيعة الحال ومع العنصر الأول وهو التقية يكون التحريف للنصوص وإخراجها عن سياقها أو الوضع والحذف مؤثر أكثر، وقد ورد عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام حاكياً عن الحالة في أول ازمان الرسالة حيث قال: (إنّ الناس كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشيء لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس) فهؤلاء يذهبون إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في أوائل زمن الرسالة ليسألوه لا لأجل المعرفة بل لأجل أنْ يزيدوا في حديثه أو ينقصوا عنه حتى يحرفوا الناس عن الدين، فكيف بكَ في زمان العسكريين عليهما السلام.
ثم هناك عنصر ثالث يؤثر في ضياع التراث أو تزييفه أو التشكيك به وتضعيف الإيمان بكونه صادراً من أهل البيت عليهم السلام، وهو ظاهرة الانحراف التي كانت امّا بدفع خارجي أو بدافع مصلحي، وهذه الظاهرة بشكلها العام أمر طبيعي ومتولدة في كل دين أو مذهب أو ملّة ولم ينفرد بها مذهب دون آخر.
وقد أثّر هذا العنصر في زعزعة المجتمع المؤمن بما عليه اهل البيت عليهم السلام من عقيدة، إذ أنّ انحراف اشخاص يمتلكون مقامات لا بأس بها يؤثر على طبقات معينة في المجتمع، ويؤدي هذا الانحراف امّا الى انحراف سلوكي، وهو هيّن اذا قيس بالنسبة الى انحراف فكري أو عقائدي قد ينجم عنه التشكيك في اصل الاعتقاد او الرفض لما يصل من تراث وفي طريق وصوله هؤلاء، للخوف من أنْ يكونوا قد زادوا فيه او نقصوه، اذن فمن الطبيعي أنْ تولّد هذه الامور وغيرها أوبمجموعها حالة من الضبابية والغموض تؤثر بطبيعة الحال على قضية من القضايا اذا كان الهدف ايضاحها، فكيف بكَ وقضية كولادة الإمام عليه السلام يراد كتمانها وإخفاؤها وعدم اخبار الناس بها، فكم يا ترى سيكون ذلك مؤثراً في أدلّة الولادة، ولنأخذ مثالا عن تأثير هذه الحالة على ولادة الامام المهدي عليه السلام من روايات أهل البيت عليهم السلام، فقد ذكر المفيد في رسائله قائلاً: وما روي عن الباقر عليه السلام انّ الشيعة قالت له يوماً: (انت صاحبنا الذي يقوم بالسيف؟، قال عليه السلام: لست بصاحبكم انظروا من خفيت ولادته فيقول قوم ولد ويقول قوم ما ولد فهو صاحبكم).
وفي حديث ينقله النعماني في غيبته عن زرارة قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أنْ يقوم فقلت ولمَ؟ قال عليه السلام: يخاف وأومأ بيده الى بطنه، ثم قال يا زرارة وهو والمنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، فمنهم من يقول مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول حمل، ومنهم من يقول غائب، ومنهم من يقول ولد قبل وفاة أبيه بسنين، وهو المنتظر، غير أنّ الله يحب أنْ يمتحن قلوب الشيعة فعند ذلك يرتاب المبطلون، قال زرارة: قلت جعلت فداك إنْ ادركت ذلك الزمان اي شيء اعمل قال عليه السلام يا زرارة متى ادركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء اللّهم عرّفني نفسك...).
وفي حديث ثالث عن عبد الله بن عطاء المكي قال: (قلت لابي جعفر عليه السلام إنّ شيعتك في العراق كثر، ووالله ما في بيتك مثلك فكيف لا تخرج؟ فقال عليه السلام يا عبد الله بن عطاء قد اخذت تفرش اذنيك للنوكا، اي والله ما انا بصاحبكم قلت فمن صاحبنا؟ فقال عليه السلام انظروا من غيبت عن الناس ولادته فذلك صاحبكم...).
وقد علق الشيخ النعماني في (غيبته) ص189 عن هذه الحالة وهي حالة أنْ تكون هناك نسبة من الخفاء في ولادة الإمام عليه السلام وأنْ يكون هناك اضطراب في وصول أدلّة ولادته وعدم وضوح القضية قياسا بالأئمة الذين سبقوه عليهم السلام قائلاً: (أليس في هذه الأحاديث _يا معشر الشيعة_ ممن وهب الله تعالى له التمييز وشافي التأمّل والتدبّر لكلام الأئمة عليهم السلام بيان ظاهر ونور زاهر هل يوجد أحد من الائمة الماضين عليهم السلام يشك في ولادته واختلف في عدمه ووجوده ودانت طائفة من الامة به في غيبته ووقعت الفتن في الدين في ايامه وتحير من تحير في امره... الا هذا الإمام الذي جُعل كمال الدين به وعلى يديه وتمحيص الخلق وامتحانهم وتميزهم بغيبته وتحصيل الخاص الخالص الصافي منهم على ولايته بالإقامة على نظام أمره والإقرار بإمامته وإدانة الله لانّه حق وانّه كائن وانّ الأرض لا تخلو منه وانْ غاب شخصه تصديقا وايمانا وايقانا بكل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين والائمة عليهم السلام وبشّروا به من قيامه بعد غيبته بالسيف عند اليأس منه فليتبيّن متبيّن ما قاله كل واحد من الائمة عليهم السلام فيه عليه السلام فانّه بعينه على الازدياد في البيان ويلوح منه البرهان جعلنا الله واخواننا أبداً من أهل الإجابة والإقرار ولا جعلنا من أهل الجهود والإنكار وزادنا بصيرة ويقيناً وثباتاً على الحق وتمسكاً به فانّه الموفّق المسدّد المؤيّد).