علاقتنا بالإمام المهدي عليه السلام
علاقتنا بالإمام المهدي عليه السلام
السيد علي الحكيم
من نعم الله سبحانه وتعالى علينا أنْ جعلنا من اتباع نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام الذين استمروا بحمل مشعل النور الذي يضيء للصالحين طريق الخير والفلاح، وبالتالي فإنّ علاقتنا بهذا المصلح العظيم والإمام المعصوم عليه السلام تختلف اختلافا كليا عن نظرة بقية الناس الى هذا المصلح، حيث نعتقد بانّه إمام مفترض الطاعة ومعصوم يحمل أمانة السماء، وهو امتداد حقيقي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بالإضافة إلى اعتقادنا بكونه حيّاً يرزق نستمتع بوجوده الشريف وإنْ كان غائباً عن أبصارنا، ونستفيد من أنفاسه المباركة، إذ لولا وجوده لساخت الأرض بمن فيها، ولذا يحق لنا أنْ نسأل: هل اننا أدينا او نؤدي الطاعة والبيعة للأمام المهدي كما ينبغي أو انّ علاقتنا به هي علاقة بأمر غيبي كما نعتقد _مثلاً_ بالملائكة ونحترمها ونقدسها، إلاّ انّ حالة التفاعل معها ربما لا تكون بالقوة التي نعيشها مع امر له وجوده الخارجي، وبعبارة اخرى: هل أنّ نظرتنا إلى صاحب الأمر عليه السلام نظرة غيبية أو نظرة إلى واقع معاش.
ويبدو من خلال النظرة العامة الى علاقة اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام مع الامام المهدي عليه السلام انّها من قبيل النظرة الغيبية، فالامام لا يعيش في اذهاننا بالقدر الذي ينبغي، وانما يخطر على اذهاننا بعض الاحيان، فنحني رؤوسنا حين نذكر اسمه الشريف او نجهر بالصلوات على النبي وآله، دون أنْ يكون هناك تفاعل حقيقي مع صاحب الأمر عليه السلام، ولو كان هناك تفاعل حقيقي لعشنا الامر في كل لحظة من لحظات حياتنا ولاعتبرنا قضية الإمام عليه السلام هي القضية المركزية في كل افعالنا واقوالنا وآمالنا وطموحاتنا، لانّ مقام الإمام هو مقام الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره الامتداد الشرعي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والانسان لا يكون مؤمنا حتى يكون الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أحبّ إليه من نفسه وماله وأهله وأمه وأبيه واخوانه، فكذلك يجب أنْ يكون للإمام عليه السلام نفس الموقع في نفوسنا، فإذا اصيب أحد لنا بمرض أو مشكلة نرى أنّ هذا المرض وهذه المشكلة تطغى على حياته، بحيث أنّه يستعد لأنْ يضحي بكثير من متطلبات حياته في سبيل حلها، لأنّ صاحبها شخص عزيز على قلبه، وقريب من نفسه.
وها نحن نرى أنّ إمام العصر عليه السلام يعيش أكبر مشكلة مرت، أو يمكن أنْ تمر على رجل في الدنيا، رجل عاش ما يزيد على 1100 عام وهو يعاني آلام المسلمين، ويرى الانحراف في امّة جدّه، ويرى ضياع الحقوق والتلاعب بالدين، واشد من كل ذلك يرى الانحرافات التي يمارسها اتباعه وشيعته، وكما ورد عنه عليه السلام أنّ اعمال شيعته تعرض عليه فيتألم حين يرى الانسان المحسوب عليه وهو يوجه اليه الطعنات بارتكاب الموبقات وبالابتعاد عن الدين، فعلينا إنْ لم يمكننا أنْ نقدم يد العون لهذه الشخصية العزيزة التي هي اعز المخلوقات إلى قلوبنا فعلى الأقل يجب أنْ لا نكون سببا في زيادة آلامه وأحزانه، ونحن إنْ لم يمكننا أنْ نرفع البلاء عنه فعلى الأقل يجب أنْ لا نزيد البلاء عليه عليه السلام، مع اننا يمكن أنْ نقدم أكبر عون ومساعدة له، وذلك أنْ نعيش حالة التفاعل الكامل مع شخصيته وقضيته عليه السلام التي هي قضية الاسلام، والعمل على نشر التعاليم والقيم الإسلامية.
فعندما تصبح هذه القضية هي همنا الاكبر يمكن أنْ نفهم بعض آلام الإمام، فنعمل جاهدين للتخفيف عنه في كربته، والدعاء بتسريع الفرج له، لاننا حينذاك نحس بالألم، وإننا تفاعلنا مع الشخص العزيز في المه.
ولا شك أنّ هذه الحالة لها اثرها الكبير جدا على انفسنا؛ لاننا بمقدار ارتباطنا وتعلقنا بالإمام المنتظر عليه السلام نحقق الارتباط بالله سبحانه وتعالى،والارتباط بالله سبحانه وتعالى يعني السعادة رغم كل الآلام والمشاكل، حيث تخفت، وذلك لما يشعر به الانسان من اللذات الحقيقية والسعادة الدائمة في هذا الارتباط.
وهنا من حق أيّ احد أنْ يتساءل: كيف نقوّي علاقتنا بصاحب الامر عليه السلام حتى نصل الى مرحلة التفاعل الكامل معه.
ويمكن أنْ نذكر بعض النقاط التي نعتقد أنّ لها اثرا كبيرا في رفع مستوى العلاقة المذكورة _لعل ذلك يكون سببا لأنْ نكون من انصاره واعوانه الذين يعينونه على تحقيق اهدافه في نشر الإسلام والسلام في الدنيا بأسرها، ومنها:
الالتزام الكامل بالتعاليم الاسلامية:
لا شك في أنّ احبّ شيء إلى قلب الإمام عليه السلام هو أنْ يرى شيعته واتباعه وهم ملتزمون بالتعاليم الإسلامية التي من اجلها بذل الائمة الاطهار عليهم السلام، كل غال ونفيس، فعاشوها وعاشها الإمام المهدي عليه السلام ولا يزال يعيشها، فالقريب من الإمام المهدي عليه السلام وآبائه الطاهرين انّما يعتبر قريبا من الله سبحانه وتعالى،والانسان الملتزم قريب منهم لقربه من الله سبحانه وتعالى، والانسان المنحرف وإنْ قرب منهم نسباً فهو بعيد عنهم، لبعده عن الله سبحانه وتعالى وبالتالي كلّما كان الإنسان ملتزما كان مشمولاً برعاية والطاف هذا الإمام العظيم عليه السلام الذي ولا شك انه يرعى ابناءه واتباعه رعاية تامة ويحيطهم بالاهتمام الكامل، ويدفع ببركته عنهم الاخطار المحدقة، ويرفع عنهم المشاكل التي قد يقعون بها، وكما ورد عنه عليه السلام (إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء او اصطلمكم الاعداء).
فالإنسان الملتزم يحقق بذلك حالة القرب من الإمام عليه السلام، وهذه الحالة تشد الإنسان إلى التفاعل الكامل مع الإمام، بل ربما يوفق مثل هذا الإنسان إلى النظر إلى تلك الطلعة البهية والغرّة الحميدة، وكم من انسان مؤمن ملتزم توصل بتوفيق الله سبحانه وتعالى وعنايته الى المثول بين يدي الإمام عليه السلام.
إنّ الواقع يذكر أنّ هناك مجموعة من الابرار والصالحين كان لهم اتصال مباشر مع صاحب الأمر، ومن جملة الكتب التي ذكرت ذلك كتاب (دار السلام) للمحدث النووي؟؟ الذي يذكر فيه مجموعة من هذه الوقائع التي شهد بها بعض اساطين العلم والتقوى في زمانهم.
الإكثار من الدعاء للإمام عليه السلام:
فالدعاء للإمام عليه السلام يمثل احد الأُسس في بناء العلاقة معه عليه السلام، لأنّ ذلك يعني مقدار الاهتمام بأموره وبشؤونه والاهتمام بتعجيل الفرج له، وقد أكّد عليه السلام على شيعته واتباعه الإكثار من الدعاء للفرج، كما في كتابه إلى إسحاق بن يعقوب حيث قال عليه السلام: (... واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنّ في ذلك فرجكم والسلام). وينبغي أنْ يكون الدعاء بتعجيل فرجه ولحفظه وعدم الوقوع في الفتن زمن الغيبة. وهناك العديد من الادعية المتعلقة بهذه الأمور لابدّ من الالتزام بها لانّها مما يقرب الإنسان من الإمام عليه السلام ويحقق التعلق بشخصه الكريم.
تجديد البيعة له:
فعند الرجوع إلى بعض الأدعية الواردة عن أهل البيت عليهم السلام نجد انّها تؤكد على البيعة للإمام المهدي عليه السلام واستحباب هذا الأمر، فمن دعاء العهد الذي يجدد فيه الإنسان البيعة لإمامه عليه السلام ويؤكد على الانتماء لهذا الإمام العظيم عليه السلام، تجديد البيعة عقب كل صلاة وخصوصاً يوم الجمعة، كما يذكر بعض علمائنا، فقد روي أنّ الملائكة يجتمعون في كل جمعة في البيت المعمور ويجددون عهد ولاية الائمة عليهم السلام.
انتظار الفرج:
وهو من أفضل الأعمال، كما ورد ذلك في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (افضل اعمال امتي انتظار الفرج). وهذه النقطة تحتاج الى حديث مفصل، ولكن نقول إجمالاً إنّ أحد ركائز العلاقة مع الإمام هي انتظار الفرج، إنّ الانتظار يعني التهيؤ والاستعداد لاستقباله وقدومه والعمل على تحقيق التمهيد لظهوره عليه السلام لذلك كانت عملية الانتظار كالتواجد بين يدي الإمام، كما ورد ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: (من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه).