اختلاف الجوانب النظرية المرتبطة بالإمام عليه السلام في الأهمية
اختلاف الجوانب النظرية المرتبطة بالإمام عليه السلام في الأهمية
الشيخ كاظم القره غولي
إنّ المعرفة التي ترجع إلى امامة الحجة عليه السلام تنقسم إلى قسمين: الأول مايرتبط بإمامته عليه السلام, والثاني: ما يرجع إلى دولة الحق التي ستقوم على يديه، ليحقق بذلك بشارة الأنبياء عليه السلام، ويترجم الصورة التي رسمتها بشارة الوعد الإلهي _الذي لا يمكن أنْ يخلف_ إلى واقع عملي، فيقطع الحجة على من تذرّع بعدم إمكان قيام الدولة, بحجّة أنها أمر بعيد المنال مع التنوع البشري في مختلف النواحي، الذي يجعل البشر بعيدين كل البعد عن أنْ يجمعهم فكر واحد، ويسود عليهم قانون واحد، ويخضعون لثقافة اعتقادية تجعلهم ينظرون إلى أنفسهم وكأنّهم أعضاء في جسد واحد لا يضر اختلاف مظهرها الخارجي، وتنوع الوظائف فيها، من كونها جميعاً وحدة واحدة، عزز الاختلاف في أجزائها من قدراتها.
ثم انّ ما يرجع إلى قيام دولة الحق على يديه عليه السلام ينقسم بدوره إلى قسمين: الاول ما يرتبط بعلامات قبل قيام تلك الدولة, والآخر ما يرتبط بتلك النهضة ورفع راية الحق وقطع حبائل الانحراف.
إنّ الجوانب النظرية المرتبطة بالإمام الثاني عشر عليه السلام كلها ذات درجة عالية من الأهمية, لكنّ أكثرها اهمية، دلائل الإمامة ومايرتبط بأصلها بالنسبة له عليه السلام، ثم يأتي جانب قيام دولة الحق وضرورة تحققها بشارة إلهيّة على لسان جميع الانبياء والأولياء عليه السلام، وفي اعتقادي أنّ آخرها مرتبة في الأهمية ما يرتبط بعلامات الظهور، والجانب الثاني والثالث فرع لأصل الإمامة، فلا شك في أهمية ما يرتبط به على ما يرتبط بهما.
وأمّا بالنسبة لأهمية البحوث المرتبطة بقيام دولة الحق قياساً بما يرتبط بعلامات الظهور فلا يحتاج إلى كثير بيان، اذ جل ما ورد من أنّ الشيعة تربى بالأماني مرتبط بأصل قيام دولة الحق, وامّا العلامات فالتعرّض لها على سعته في الموروث الروائي كان لأجل الإبقاء على الأماني بما له من انعكاس على الجانب التربوي للشيعة، ولئلا يهجم اليأس على أتباع الأُمّة فيحملهم على التقصير، ويضعف همتهم في تحمل اعباء المسؤولية التي يفترض أنْ يتحملوها في السعي لصياغة واقع يحققون فيه ملامح المشروع الالهي والهدف الكبير للسماء.
ويمكن أنْ يستشهد على أهمية أصل قيام الدولة الالهية في مقابل مباحث العلامات أَنّه قد تكرر في الكتاب الكريم التعرض لذلك الوعد الالهي دون أنْ تشير آية واحدة إلى العلامات التي تسبق تلك الدولة بما أنها علامة.
وقد حظي البحث في الجانب الثالث باهتمام أكبر من الجانبين الآخرين رغم أنّه أقل أهمية منهما, والتمدد في البحث العلمي في أي جانب قد يكون على حساب الجوانب الفكرية الأخرى، مضافاً إلى ما في ذلك من أثر سلبي اذا تجاوز حدود ما تقتضيه المصلحة.
لكن يمكن أنْ يكون الوجه في ذلك هو أنّ البحوث المرتبطة بالإمام تفضي عادةً إلى نتائج قطعية، مضافاً إلى أنها غير مختصة بالإمام الثاني عشر عليه السلام، نعم حوت الكتب المرتبطة بمباحث الإمامة الكثير من المفردات التي هي مفردات سيرة، حيث وثّقت المفردات اليومية المرتبطة بمواقف الأئمة عليه السلام وكلماتهم وأفعالهم, وأفق ذلك محدود في الإمام الذي غاب عن الناس من طفولته وضاقت دائرة اللقاء به والتواصل معه جداً، بحيث اقتصرت على السفراء الأربعة بالنحو المعترف به، والذي يمثل حالة اعتيادية. وامّا غيرهم فالتواصل منهم مع الإمام يعتبر حالة استثنائية يحيطها الشك والريبة، خصوصاً مع ما ورد في الروايات من الأمر بتكذيب من ادعى الرؤية في زمن الغيبة، وانْ كنا لا نعمل بذلك على اطلاقه، لأنّ الأمر بالتكذيب ظاهر في الشمول لكل احد، وحجية الظهور لا تشمل المفردات القطعية على خلافها.
وكيف كان فإنّ من يتشرف باللقاء به عليه السلام في زمن يسعى عادةً لعدم اظهار ذلك بخلاف اللقاء بالأئمة السابقين عليهم السلام حيث السعي لتدوين كل ما صدر منهم عليهم السلام ميزة يتشرف بها أصحابها ويدعوهم السعي لنشر العلم إلى تدوينها.
وهذا يجعل دائرة ما يدوّن في جانب السيرة والبيانات الجزئية بالنسبة للإمام الثاني عشر ضيقة جداً، وما زاد على ذلك مما يرجع إلى امامته وأبعادها وضرورتها لا يختص به عليه السلام، لأنه يشمل جميع الأئمة عليهم السلام، والذي اختص به هو عليه السلام غيبته وطول مدة امامته بعد اثبات أصل وجوده ومقدار انتفاع الناس به في زمن الغيبة، لتوهم أنّ الانتفاع مختص بحالة الظهور المفقودة فيه عليه السلام ونظائره، وكل ذلك _إلاّ النادر_ ورد عن آبائه عليهم السلام لا عنه عليه السلام.
والحاصل أنّ الواقع الموضوعي يقتضي قلّة الموروث، وضيق دائرة المباحث المرتبطة بأصل امامته عليه السلام بشكل خاص.
أمّا قيام دولة الحق على يديه فهي قطعية أيضاً لا تحتاج إلى كثير بحث, لوضوح الأدلة فيها مع تنوعها، وقد تكون مقبوليتها على تصورتها المختلفة في مختلف الاتجاهات الفكرية معيناً على قبولها دون حاجة إلى كثير استدلال عليها. ولا أستبعد أنْ تكون أصل الفكرة والتصور قد اخذ من انبياء سابقين في ديانات سابقة, وحين حرفت الأديان وهجرت لم تهجر بكل جزئياتها، فكثير من المرتكزات التي هي في صميم الفكر الانساني في المجتمعات بقايا لمنظومة فكر ديني كان الأسلاف يتدينون به، خصوصاً اذا كان الاطار الفكري الجديد يعاني من فراغات لم يعط تصوراته الخاصة بها، وحينها تهجر الديانات ويعرض الناس عنها ولا يمكن الإعراض عنها بكلّ تفاصيلها، بما في ذلك الجانب الفكري المرتبط بالتصورات عن الكون، وعن مبدأ الانسانية ومنتهاها في مسيرتها الدنيوية.
وأما البحث في تفاصيل وجزئيات الدولة الموعودة فهي وإنْ كانت تمثل جانباً من الفكر الذي يتربط بمستقبل البشرية إلاّ انه لا يحظى بذلك المستوى من الاهتمام والجاذبية لدى المتدينين، لأنّ انعكاسه العملي على نفوسهم ليس كبيراً، بخلاف أصل قيام الدولة.
وأما العلامات فلأنها مرتبطة بالفرج العام لكل ابناء النوع الإنساني، وتشكّل مبشّرات بين يديه وقعت موقع الاهتمام الكبير في النفوس، فالبحث فيها له أثر على عامة الناس مما دعا إلى الاكثار منه، هذا مضافاً إلى أنّ دلالاته ليست قطعية بل ليست ظنية على مستوى آحاد الأدلة، فاحتاج إلى إعمال النظر وإجالة الفكر فيه.
لكن المشكلة تكمن في الإكثار من البحث فيه على حساب بحوث أخرى، وقد طغى الحديث والبحث عن العلامات على الجوانب الأخرى المرتبطة بالإمام الثاني عشر عليه السلام بشكل لافت، لدرجة أنّ البعض قد اختزل الحديث عنه عليه السلام بالعلامات بحثاً وتطبيقاً.