الإمام الحجة عليه السلام والدين الجديد
الإمام الحجة عليه السلام والدين الجديد
الشيخ كاظم القره غولي/ صاحب كتاب: علامات الظهور
لقد ورد في بعض الروايات الشريفة أنّه _أي الإمام المهدي عليه السلام_ يأتي بدين جديد، ولا غضاضة في ذلك، إذا لاحظنا من الأمور:
1. احتمال اختلاف الواقع عن الظاهر: إنّ أكثرية الأحكام الشرعية الفعلية في زمن الغيبة هي أحكام ظاهرية ثبتت عن طريق إمارات ظنية على الأحكام الواقعية، وقد ثبتت لها الحجيّة تعبّداً مع كونها ظنيّة، أي يحتمل فيها عدم اصابتها للواقع، والإمام عليه السلام حين يظهر يستغني عن هذه الإمارات، لأنّه يعرف الأحكام الواقعية، ومع معرفة الحكم الواقعي تنتفي الحاجة، بل ينعدم المجال للحكم الظاهري. ومن الطبيعي أنْ تختلف الكثير من الأحكام الواقعية عن الأحكام الظاهرية، فما يظهر من الأحكام مخالف لكثير من السائد مما استظهره الفقهاء من الإمارات الظنية.
وإذا لاحظنا أنّ جل الأحكام الفرعية ثبتت بأخبار الثقاة متعددة الوسائط، نعرف أنّ أكثر أحكامنا الظاهرية غير مظنونة المطابقة مع الواقعية، إذ كل إخبار من واسطة ظنّي، فإذا تعددت الوسائط كان الحاصل ضرب الظنون ببعضها بحكم ترتّبها على بعضها طولاً، مما يضعف الإحتمال كثيراً إذا زادت الوسائط عن اثنين كما هو الغالب، وهذا يعني انّ الكثير من احكامنا السائدة محتملة المطابقة للواقع غير مظنونة _نعم قد لا يجري ذلك في بعض صور تعدّد الأخبار الواردة في بيان حكم واحد كما لو كانت مستفيضة_ مما يفتح الباب واسعاً أمام كون خريطة الأحكام الواقية التي ستظهر بظهوره عليه السلام مختلفة كثيراً عما هو معمول به في زمن الغيبة.
2. احتمال خطأ التطبيق في مستحدثات المسائل: انّ الكثير من المسائل التي هي محل ابتلاء لنا اليوم والتي ستكون محل ابتلاء للأجيال اللاحقة _أي المسائل المستحدثة على مرور الأيام_ لم يرد فيها دليل خاص، وقد اكتفي في مقام تشخيص أحكامها بتطبيق عناوين واردة في الأدلة أو قواعد مستفادة منها على هذه المسائل، واحتمال الخطأ في مجال التطبيق وارد، مما يفسح المجال امام المخالفة للأحكام الواقعية الشرعية، ولمّا كان ما سيظهر في زمان ظهوره عليه السلام مخالف لما هو السائد قبل الظهور.
وما أوسع دائرة المسائل المستحدثة في زماننا مما تكن محل ابتلاء في زمن الحضور وصدور النص، فلا توجد آنذاك حقوق نشر ولا تصوير ولا انترنيت ولا وسائل سمعية وبصرية ولا صناعة ولاتقنية شملت جميع جوانب الحياة.
3. وصف الجديد اضافي: إنّ وصف الجديد اضافي لا يقتضي أكثر من وجود أحكام لم تكن قبل ذاك جزءاً من الدين الذي بين أيدي الناس، ولمّا كانت جميع طوائف المسلمين مؤمنة بمجيء اليوم الموعود الذي يظهر فيه صاحب الأمر، وانْ اختلفوا في شخصه، كان إظهار أحكام جديدة غير مألوفة لأتباع المذاهب مصحَّحاً لأنْ يوصف ما يأتي به الإمام أو يظهره بأنّه دين جديد، ونحن لا نعلم أنْ يوصف ما يأتي به عليه السلام بأنّه جديد كان، بالإضافة إلى فرقة الحقّة، إذ لعله كان بالإضافة إلى المذاهب الإسلامية السائدة أو إلى بعضها، والتفاوت في الأحكام بين المذاهب الأخرى ومذهب الحق كبير جداً فإذا ظهر الإمام عليه السلام ودانت له اتباع المذاهب الأخرى ظهر لهم الفرق الكبير بين ما ظهر على يديه عليه السلام وما هو سائد عندهم، وهذا مسوّغ لوصف ما يظهر على يديه عليه السلام بانّه دين جديد.
ومما يقرّب ذلك أنّ السواد الأعظم من المسلمين قد شرّقوا وغربوا مبتعدين عن مدرسة الحق بالباطل بنحو هدّد اصل الشريعة وضيّع الكثير من الأحكام فيها.
وقد تعدّدت الروايات التي جاء فيها وصف لبعض الصحابة لحال المسلمين بأنّهم لم يبقوا شيئاً مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فعن انس بن مالك أنّه قال: ما أعرف شيئاً مما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل: الصلاة قال اليس ضيّعتم ما ضيّعتم فيها.
وكذاك أبو الدرداء يشهد بمثل هذه الشهادة.
فعن سالم قال سمعت أم الدرداء تقول: دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت: ما أغضبك فقال: والله ما أعرف من أُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً).
لا نريد أنْ نقول إنّهما عنيا ما قالا فعلاً: انّه لم يبق شيء من دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدقّة، بل أرادا انّ التغيير كان كبيراً.
فإذا كان هذا كلام الجيل الذي أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف هو الحال بعد مرور اكثر من ألف واربعمائة وعشرين عاماً من رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل كيف هو الحال بعد مرور مدة اكثر الى ظهور الامام عليه السلام؟.
ويمكن أنْ يكون من ذلك أنّ جملة من علمائنا يبنون على ثبوت الولاية التشريعية للأئمة عليهم السلام, مما يعني إمكان اقتضاء المصلحة لتشريع أحكام جديدة في مساحات الفراغ التي تشرّع لها أحكام بعناوينها إذ لا يعلم أنّ حق التشريع الثابت بمقتضى الولاية التشريعية الثابتة لهم عليه السلام يشمل نسخ حكم شرّع من الله تعالى ابتداءً أو من خلال أعمال معصوم سابق ولايته التشريعية ولا موجب بعد الاعتقاد بثبوت الولاية التشريعية له عليه السلام للاعتقاد بانتفاء هذا الحق في زمن ظهوره.
4. إمكان النسخ في زمانه عليه السلام:
لقد ثبت النسخ في الشريعة الإسلامية، والذي هو عبارة عن انتهاء أمد حكم ما شرّع، وعلم المشرّع بانّه مؤقّت إلاّ أنّه لم يبيّنه كذلك لمصلحة أو مصالح، كإعطاء الحكم زخماً اكثر في النفوس ويمكن أنْ نتعقل انّ بعض الأحكام ينتهي أمدها عند ظهور الإمام عليه السلام مما يمكن أنْ يترك أثره على سمة الشريعة وانّها جديدة قياساً بما قبل ظهوره عليه السلام ثم انّه لا توجد آية أو رواية تنفي ذلك، والعقل الذي قَبِل إمكان حصوله في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل قبل بوقوعه لا يأبى أنْ يقع بعد زمن طويل.
لكنّ هذا الوجه ضعيف جداً لا اقلّ، باعتبار ما ورد من انّ حلال محمد صلى الله عليه وآله وسلم حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة، وهو كما قيل متواتر في المعنى إنْ أمكن الخدش من جهة أنّ النسخ قد لا يكون ضمن نطاق الحرمة والحليّة، اذ قد نتعقل نسخ الإباحة بالمعنى الأخصّ بالاستحباب ونسخ الاستحباب بالوجوب أو بالكراهية، لكنّه يبقى احتمالاً ضعيفاً، لأنه يمكن أنْ يكون المراد من الحديث انّ كل احكام الشريعة باقية على حالها إلى يوم القيامة، فالحلال والحرام الواردين في الحديث لم ترد خصوصيتهما، بل أطلقا وأريد جميع الأحكام، بل ربما الغيت خصوصية الحكم التكليفي واستظهرت الاشارة إلى ثبات أحكام الشريعة مطلقاً ولو كانت وضيعة كما هو غير بعيد على انّه لا توجد عين ولا أثر عن إمكان ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلمات المعصومين عليهم السلام، مما يبعد ثبوته.
وهذا الذي قلناه وإنْ لم يفد القطع بعدم إمكان النسخ، فيبقى أصل الاحتمال، إلاّ انّنا نريد التمسك بأي احتمال ولو كان ضعيفاً جداً.
5. تغيّر بعض الآليات:
وقد يرجع ذلك الى تغير في بعض الآليات والمعروف من ذلك ما يرجع الى الأحكام في باب القضاء، حيث دلّت الروايات على أنّه يحكم فيهم بحكم داوود عليه السلام ولا يعتمد على البيّنة الشرعية التي كان يعمل بها المعصومون _ولو مع اطلاعهم على مغايرة الواقع لمؤدّاها_ ومن جاء بعدهم عليه السلام وانْ كان باعتبار عدم قدرتهم على النظر إلى الواقع بنحو قطعي، فلا يبقى امامهم في مقام إقامة الحدود إلاّ العمل بالبينات الشرعية وهم يعملون انّها قد تخطئ الواقع، فحينها تكون النفوس مستعدة لقبول هذا النحو من القضاء، فيرتفع المانع من العمل بالحق الذي علمه المعصوم عليه السلام، ولذلك شواهد في الروايات التي تحدثت عن ظهوره عليه السلام.